يبدو ان الاقتصاد العالمى بدأ يزداد توسعا من جديد تدفعه قوة اداء الاقتصادات الاسيوية واستقرار اوضاع الاقتصادات الاخرى وتعافيها فى حدود متواضعة , فقد ادى التدخل الحكومى غير المسبوق فى الاقتصادات المتقدمة الى استقرار الانشاط . اما الاقتصادات الصاعدة والنامية فقد قطعت شوطا اطول على طريق التعافى يقودها النهوض الذى تشهده اسيا .
ويستفيد كثير من الاقتصادات فى الوقت الراهن من رواج اسعار السلع الاولية ومن السياسات الداعمة المتبعة . ولكن التعافى يسير بوتيرة بطيئة ولايزال النشاط اقل بكثير من مستوياته قبل الازمة وياتى التحسن الجارى مدفوعا بالارتداد الايجابى فى قطاع الصناعات التحويلية كما ان هناك بوادر تحسن تدريجى فى مبيعات التجزئة وعودة ثقة المستهلك وتحقيق المزيد من التماسك فى اسواق المساكن وبدايات للتحسن فى النشاط التجارى العالمى .
اما من اهم العوامل التى حفزت هذا الارتداد الايجابى فهو تلك السياسات القوية التى اعتمدتها الاقتصادات المتقدمة وعدد من الاقتصادات الصاعدة حيث عملت على دعم الطلب وكادت تبدد المخاوف من احتمالات الكساد العالمى . وسرعان ما جاء رد فعل البنوك المركزية الذى تمثل فى تخفيضات استثنائية كبيرة فى اسعار الفائدة وضخ مبالغ هائلة للسيولة والحفاظ على استمرارية الائتمان واطلاق برامج كبيرة للتنشيط المالى . وقد اسهمت هذه التدابير فى خفض حالة عدم اليقين وزيادة الثقة مما شجع تحسن الاوضاع المالية .وبالرغم من كل ذلك الا انه لاتزال مخاطر انعكاس المسار مصدر قلق كبير نظرا لوجود عدد من مؤشرات الضغوط المالية مازال مرتفعا .
اما بالنسبة للفترة المقبلة فيتوقع ان تشهد قوى السياسة فقدانا تدريجيا لزخمها الدافع للانتعاشة الحالية وان تظل قوى القطاعين الحقيقى والمالى ضعيفة وان كانت تزداد قوتها تدريجيا .
وسوف تتضاءل دفعة التنشيط المالى ويزول تدريجيا اثرها مع مواصلة الاستهلاك و الاستثمار اكتساب قوة متزايدة ولكنها بطيئة مع استمرار ضيق الاوضاع المالية فى عدد كبير من الاقتصادات . وهو ما تشير اليه تنبئوات عدد كبير من الخبراء . ومن اهم مستجدات افاق الاقتصاد العالمى :
- توقع حدوث بطىء فى الاقتصادات المتقدمة تغطى معظم عام 2010 مع استمرار معدلات البطالة حتى نهاية العام ووصول النمو السنوى الى 1,25 % عقب انكماش اكثر من 3% بقليل فى عام 2009.
- وفى الاقتصادات الصاعدة يتوقع ان يبلغ اجمالى الناتج المحلى الحقيقى 5% ويتحقق هذا الارتداد الايجابى بقيادة الصين والهند وبعض الاقتصادات الصاعدة الاخرى بدعم من الدفعات التنشيطية للسياسات انفة الذكر .
- ولاتزال مخاطر النتائج دون المتوقعة مصدرا للقلق رغم انحسار نتائجها ويرجع ذلك نظرا لان الاقتصاد العالمى الهش لايزال معرضا لمجموعة من الصدمات المختلفة بما فيها من ارتفاع اسعار البترول وتفاقم مرض انفلونزا الخنازير وبعض الاحداث السياسية وغيرها .
- ولكن بالنظر الى افاق الاجل المتوسط فيلاحظ وجود مخاطر مهمة تهدد استمرارية التعافى حيث يسود قلق بالغ من توقف الدعم الحكومى لعملية الهيكلة المالية وتشكك الكثيرين من استمرار عمليات انقاذ لشركات كانت هى المسئول الاول عن الازمة مما يؤدى الى فترة طويلة من الركود وما يتبع ذلك من مخاطر اكبر حول الارصدة المالية العامة التى اخذت فى التدهور .
- ولاعادة التوازن للاقتصاد العالمى لابد من معالجة اختلالات العرض التى ولدتها الازمة واستعادة التوازن فى نمط الطلب العالمى .
- وسوف تقتضى معالجة الازمة اعادة هيكلة الشركات المالية واصلاح الاسواق واعادة توزيع العمالة على مختلف القطاعات .
- ولاتزال اهم اولويات السياسات المتبعة هو استعادة صحة القطاع المالى والحفاظ على السياسات الاقتصادية الداعمة حتى يترسخ التعافى وسحب التدخل الحكومى الذى وصل لمستويات استثنائية بل يكمن التحدى الاكبر فى تحديد مسار متوسط بين انهاء التدخل الحكومى فى وقت ابكر من اللازم وهو ما ينطوى على خطورة تشويه الحوافز والاضرار بالميزانيات الحكومية .
- وبالرغم من حجم العجز الهائل والدين العام الذى وصل الى ارقام قياسية فى بعض البلدان فنرى انه من الضرورى الحفاظ على الدفعات التنشيطية المالية حتى يتم تثبيت اركان التعافى المطلوب .
- ولا غنى عن استكمال معالجة القطاع المالى واصلاح ادوت الرقابة التى تسببت فى حدوث الازمة و كذلك اتخاذ اجراءات احترازية لعدم تكرار ما حدث .
- وسيمثل ارتفاع معدلات البطالة تحديا كبيرا فى الاقتصادات المتقدمة وستظل معدلات الفقر تمثل تحديات كبيرة لاقتصادات الدول النامية .
- ولعل من اهم التحديات اسلوب ادارة السياسة النقدية حيث ينبغى اتباع مجموعة من ادوات تلك السياسة يتعين على صانعى السياسات النقدية الاحتكام الى تقديرهم الشخصى فى استكشاف القوى المحركة لاسعار الاصول والتزام الواقعية فى تحديد التوقعات المنظرة .
- وقد يتطلب الامر توسيع لصلاحيات البنوك المركزية حتى يتم معالجة المخاوف بشأن الاستقرار المالى والاقتصادى وتحديد الهدف من وراء اتباع هذه السياسات .
- وعادة ما تترك الازمات المصرفية اثرا طويل المدى على مستوى الناتج بالرغم من انتعاش النمو فى نهاية المطاف ولكن انخفاض توظيف العمالة والاستثمار والانتاجية يؤدى الى استمرار خسائر الناتج بالرغم من جود تباين فى ظروف كل بلد عن الاخر .
- ولعل تفيد النتائج النهائية بان ردة الفعل القوية حتى الان على مستوى السياسات الاقتصادية قد تثمر تخفيفا لخسائر الناتج .
- وان تنفيذ الاصلاحات الهيكلية يمكن ان يساعد الى حد كبير من الحد من هذه الخسائر .
وخلاصة القول انه عقب الركود العالمى العميق , فقد اخذت معدلات النمو تتحول الى الاتجاه الموجب مع تدخل الحكومات على نطاق واسع للحد من اجواء عدم اليقين والمخاطر المحدقة بالاسواق العالمية .ويتوقع ان يكون التعافى بطيئا نظرا لاستمرار ضعف الانظمة المالية وضرورة التدرج فى سحب الدعم المقدم من السياسات العامة المتبعة واستمرار حاجة الاقتصاديات التى اضطرت الى اعادة بناء المدخرات وهى تعانى من ارتفاع معدلات البطالة .
ولايزال اتباع سياسة استعادة صحة القطاع المالى مع الحفاظ على السياسات الا قتصادية الداعمة من اهم متطلبات المرحلة الحالية مع الانسحاب التدريجى الهادىء لتخفيف التدخل الحكومى الذى بلغ مستويات قياسية . وان ارتباط اسواقنا بالاسواق العالمية يؤدى الى تأثرنا بصورة مباشرة او غير مباشرة لتأثير وتداعيات هذه السياسات المتبعة فى الاسواق العالمية .
نسال الله ان يخفف عنا وعن بلادنا وشعوبنا وطأة تلك الازمة وان نلمح بوادر التعافى الاقتصادى قريبا.
مادمنا نعتمد على النفط كمصدر وحيد للدخل فسنكون تابعين للاقتصاديات العالم المتقدمة من جميع النواحي