أيام وتبدأ البنوك الكويتية إعلان نتائجها للربع الثالث من 2009. وهذه النتائج ستكون رابع بيانات مالية فصلية تقدمها المصارف خلال الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد منذ أغسطس الماضي. فما وضع القطاع المصرفي المحلي اليوم؟ وهل يمكن توقع أرباح البنوك أو خسائرها؟ كيف كان أداء أسهم القطاع خلال الأشهر ألاثني عشر الأخيرة؟ وما وضع مؤشراته المالية مقارنة مع نظرائه الخليجيين؟ ما هي استراتيجيات البنوك في مواجهة تداعيات الأزمة؟ وهل المخاطر مستمرة في الضغط على دفاترها؟ الأجوبة عن هذه الأسئلة أو محاولات الإجابة تساعد على تحديد البوصلة ومعرفة أين هي البنوك اليوم.
أداء الأسهم
على الرغم من التحسن الذي شهدته مؤشرات سوق الكويت للأوراق المالية في الأشهر الأخيرة مقارنة مع انهيار الربعين: الأخير من 2008 والأول من 2009، ما زالت أسهم البنوك بعيدة عن أسعار القمة التي حققتها في 2008. وكان المؤشر ألسعري للسوق وصل القمة عند 15654.8 نقطة في 24 يونيو 2008، قبل أن يبدأ انحداره نحو القاع الذي سجله في أول مارس 2009 عند 6391.5 نقطة. علما بأن أسهم البنوك كانت سجلت أسعارا أعلى من التي سجلتها في 24 يونيو 2008. وقد سجلت جميع أسهم المصارف الكويتية المدرجة في البورصة ارتفاعات متفاوتة منذ القاع، باستثناء سهمي البنك التجاري والبنك الأهلي. ويبقى سهم بنك الخليج خارج المقارنة بطبيعة الحال، بسبب ما واجهه من صعوبات أجبرت بنك الكويت المركزي على طلب إيقاف سهمه عن التداول لأشهر قبل أن يُصار إلى زيادة رأسماله بعد خسائر بمئات الملايين تكبدها جراء تداولات في مشتقات.
وحتى إقفال الخميس الماضي، حقق سهم بنك بوبيان ارتفاعا وصل 100% من القاع، تبعه سهم بنك الكويت الوطني الذي سجل 47.1% نموا، ثم بنك الكويت الدولي (39.7%)، وبيت التمويل الكويتي (32%)، وبنك برقان (31.5%) فبنك الكويت والشرق الأوسط (14.2 %). غير أن صعود هذه الأسعار لم يعوض الانخفاض الحاد الذي شهدته الأسهم المصرفية بين القمة والقاع. فالفرق ما زال كبيرا ويتراوح بين 6.7% لبنك بوبيان وبين 62.1% لبنك برقان.
مكررات الربحية
ومع ارتفاع الأسعار في القطاع، باتت أسهم المصارف تتداول عند معدل مرتفع للسعر إلى الربحية P/E مقارنة مع أسواق الخليج الأخرى. فحسب بيانات بلومبرغ وكريدي سويس، تبدو أسهم البنوك الكويتية اليوم مكلفة أكثر من نظيراتها في السعودية وقطر والإمارات، على الرغم من أن معدل الـ P/E لمصارف الكويت كان مستقرا تاريخيا منذ عام 2004، على عكس القطاعات المصرفية الخليجية. ومعدل السعر إلى الربحية اليوم للبنوك الكويتية مستقر عند 14.9 وهو أعلى من السعودية (12) وقطر (10.8) والإمارات (7.2). يذكر أن سوق الكويت للأوراق المالية يتداول عند معدل P/E 14.6 مرة، وهو الأعلى خليجيا (متوسط P/E أسواق الخليج 12.3)، على اعتبار المحللين العالميين أن الأسهم في البورصة الكويتية مكلفة وغير مضمونة الأرباح في كثير من شركاتها المدرجة. بيد أن بعض مديري الاستثمار في السوق المحلي يشيرون إلى أن أسهم البنوك ما زالت سائلة ومربحة، مفيدين بأن المحفظة الوطنية لعبت دورا مهما في الحفاظ على ارتفاع هذه الأسعار واستقرارها.
مخصصات ونتائج
معدل السعر إلى الربحية لا يدل فقط على كلفة أسهم البنوك بل يعكس أيضا ربحية المصارف وتوزيعاتها المحتملة في نهاية العام. وحتى الساعة، تشير جميع المعطيات إلى أن توزيعات أرباح البنوك لن تكون سخية كما كانت عليه في الأعوام الماضية، نظرا لحجم هذه الأرباح وظروف السوق وتوصية البنك المركزي بالتحفظ في هذا الصدد. فجميع مصارف الكويت دون استثناء اعتمدت، على مدار الأشهر ألاثني عشر الأخيرة، إستراتيجية تحفظية تتركز على ترحيل الأرباح وتجنيب المخصصات، مما خفض حجم الأرباح بشكل ملحوظ عن مستويات العامين الماضيين. وقد بلغ حجم مخصصات الديون والاستثمار لدى البنوك التسعة المحلية 141.7 مليون دينار في الربع الأول من 2009، ليرتفع إلى 232.5 مليون دينار في الربع الثاني. وبالإجمال، تقدر مخصصات المصارف في النصف الأول من 2009 حوالي 374.3 مليون دينار (أي 1.3 مليار دولار تقريبا)، تضاف إلى مبلغ 726 مليون دينار مخصصات الربع الأخير من 2008، مما يرفع الرقم إلى 1.1 مليار دينار في أول 9 أشهر من الأزمة (أي 3.84 مليارات دولار).
وعلى الرغم من تحسن أسعار الأصول نسبيا محليا وعالميا، فان أوساطا مصرفية تفيد بأن إستراتيجية أخذ البنوك للمخصصات ستستمر حتما في الربعين الثالث والرابع من 2009، بسبب عدم اتضاح الرؤية حتى الساعة حول حجم وحقيقة تعثر العملاء عن سداد التزاماتهم. وهذه المخصصات ستأكل بطبيعة الحال من الأرباح الإجمالية.
التعثرات والديون الخطيرة
وعن إستراتيجية تجنيب المخصصات ومدى نجاحها بتفادي الأضرار في القطاع المصرفي، تعتبر أوساط مالية أنها أحد الحلول فقط، ويجب اعتمادها ضمن سلة كاملة متكاملة. وتوضح هذه الأوساط أن الانكشاف الكبير للبنوك على قطاعي شركات الاستثمار والعقار يشكل قلقا و«عوار رأس». فهذا الانكشاف، خصوصا على شركات الاستثمار صاحبة الديون المرتفعة، أدى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى تدهور جودة الأصول.
وتبلغ نسبة القروض الخطرة اليوم 44% من إجمالي القروض المصرفية، أي أن حجمها يصل 10.5 مليارات دينار. وهذه الديون الخطرة، ممثلة بالقروض الممنوحة للعقارات والبناء وشركات الاستثمار، قد تنتقل إلى قروض سيئة أو متعثرة إذا لم تتغير ظروف السوق الحالية. وحسب أرقام غير رسمية حصلت عليها «القبس»، من المتوقع ارتفاع معدل القروض السيئة والمتعثرة NPL إلى 10% من إجمالي القروض في نهاية 2009. فحتى ديسمبر 2008، بلغت نسبة هذا النوع من القروض في الكويت 5.3%، وهي أعلى نسبة خليجيا، حسب معهد التمويل الدولي، في حين أن المخصصات وصلت 78% فقط، وهي أقل نسبة خليجيا.
غير أن مصرفيين محليين أشاروا إلى أن نسبة المخصصات ارتفعت في النصف الأول كما هو ظاهر من الأرقام المذكورة سابقا، معتبرين أن سلة الحلول لصعوبات القطاع يجب أن تضم إلى جانب المخصصات، إعادة رسملة بعض البنوك وتنظيف الميزانيات، والتي قد تظهر نتائجها في الربعين: الأخير من 2009 والأول من 2010.
انكماش النمو الائتماني
ونتيجة مخاطر التعثرات والديون السيئة، انكمش النمو الائتماني في الكويت بشكل لافت، مما أثر ويؤثر في محافظ البنوك. وزادت أزمة تعثر مجموعتي سعد والقصيبي السعوديتين الطين بلة. فبات القلق كبيرا من احتمال تعثر شركات عائلية أخرى في المنطقة. ومن المتوقع أن تسجل القروض المقدمة للقطاع الخاص في الكويت نموا 4% في 2009، مقارنة مع 19% في 2008 و33% في 2007. وهي نسبة مقبولة في ظل ظروف الأزمة، على حد تعبير محللين وبعض العاملين في القطاع.
ويشرح هؤلاء أن القلق من المخاطر الائتمانية مستمر وسيخيّم على دفاتر ونتائج بعض البنوك في المرحلة المقبلة، وذلك حتى تتضح الصورة بالنسبة لشركات الاستثمار المتعثرة وأداء السوق العقاري. يذكر أن حجم انكشاف البنوك الكويتية على القروض العقارية هو الأعلى خليجيا كما في نهاية 2008.
وتلقي الأوساط المصرفية الضوء على عوامل أخرى ساهمت في انخفاض نمو الائتمان في الكويت بشكل كبير: • الحذر من وضع الشركات والبيئة التشغيلية وضعف الطلب المحلي. • الأزمة أجبرت المصارف على التركيز مجددا على إدارة المخاطر. • عدم إطلاق مشاريع جديدة في القطاع الخاص، وتعليق أو إلغاء مشاريع أخرى.
وفي آخر تقرير أصدره عن المنطقة، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن البنوك في الدول الخليجية المصدرة للنفط قد تتعرض لضغوط خطيرة إذا توترت الظروف المالية العالمية مجددا. لكن أغلب التقارير الدولية الصادرة أخيرا تفيد بأن أسهم البنوك الكويتية سائلة ومربحة، وأن معدلات كفاية رؤوس أموالها مقبولة، وتتمتع بحجم مرتفع من السيولة.
الأجهزة الرقابية
قراءة الوضع الحالي للقطاع المصرفي وتوقع مساره في المستقبل لا يكتملان من دون إلقاء نظرة على سير الإصلاح في الأنظمة الرقابية المحلية. وتشير مصادر مصرفية أجنبية إلى أن مسئولين رسميين يعترفون بطريقة أو بأخرى بأن الأجهزة الرقابية تحتاج إلى تطوير وإعادة هيكلة. فجزء من الأزمة الحالية تتحمل مسؤوليته السلطات بسبب ضعف رقابتها على آليات عمل القطاع المالي. ويشدد معهد التمويل الدولي على أن السلطات الرقابية باتت مطالبة اليوم بأنظمة إدارة صلبة وأنظمة رصد معلومات دقيقة وأنظمة إنذار مبكر، وذلك لتحديد المخاطر والمشاكل التي قد تتحول إلى نظامية. وتنبع أهمية هذه الأنظمة من ضعف الشفافية التي ترافق عملية الكشف عن حقيقة وضع البنوك. وحسب المعهد، تتطلب عملية تعزيز الشفافية توفير المعلومات اللازمة للأجهزة الرقابية بما فيها الأنشطة خارج الميزانية وحجم الانكشاف على العقارات وعلى شركات الاستثمار المتعثرة.
ويعتبر المحللون في هذا المجال أن اختبارات الضغط، لو تمت بشكل علمي في البنوك الكويتية، من شأنها أن تشكل إنذارا مسبقا عن أي مشاكل. فمتى ستشجع الأجهزة الرقابية على الشفافية الكاملة في القطاع؟ ومتى ستعتمد اختبارات الضغط العلمية؟ وهل ستكون نتائج الربع الثالث مشابهة للربعين الأولين؟ وهل ستبقى أسهم البنوك ملاذا آمنا للمستثمرين؟ وحدها الأيام المقبلة ستجيب عن هذه الأسئلة.
البنوك الكويتية التالية بعد السعودية في إعادة هيكلة ديون مجموعة سعد
أشارت مصادر مصرفية أجنبية مطلعة على ملف ديون مجموعة سعد إلى أن البنوك الكويتية قد تكون التالية بعد نظيراتها السعودية في حل مشاكلها مع المجموعة السعودية المتعثرة. وتفيد المصادر بأن للمسألة وجها سياسيا قد يطغى على المفاوضات بين الدائنين ومجموعة سعد. فبتدخل سياسي مرجح، أعادت البنوك السعودية هيكلة ديون «سعد»، وستكون الخطوة التالية مع البنوك الكويتية، على أساس أن الكويت كانت الداعم الأكبر للمملكة في عملية اختيار الرياض مقرا للبنك المركزي الخليجي (هذا هو أحد التفسيرات)، والتي اعترضت عليه دولة الإمارات وانسحبت من مشروع العملة الخليجية الموحدة. وتذكر المصادر أن البنوك الكويتية مكشوفة على مجموعتي سعد والقصيبي بحوالي مليار دولار تقريبا، في حين أن حجم انكشاف المصارف الإماراتية تعدى الـ3.4 مليارات دولار.
القطاع المالي الخليجي تعامل بشكل جيد مع الأزمة
يقول معهد التمويل الدولي أنه باستثناء بعض البنوك في الكويت والبحرين والمؤسسات المالية غير المصرفية في الكويت ودبي، تعامل القطاع المالي في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل جيد مع تداعيات الأزمة المالية العالمية. ويعود ذلك جزئيا إلى الأداء القوي للاقتصاد العام خلال الأعوام القليلة الماضية مما ساعد المصارف على بناء دفاتر قوية.