كل عام وأنتم بخير. هذا المقال ومقال الأسبوع الماضي هما استكمال لمقال كتبته بتاريخ 7 آذار (مارس) 2009 بعنوان (التطرف في التعامل مع أسواق المال) وختمته بجملة «وسينتعش الاقتصاد مرة أخرى وأستكمل هذا المقال بذكر التاريخ الذي انتعشت فيه الأسواق!!».
وعلى الرغم من جو التفاؤل السائد إلا أنه لا يزال هناك متشائمون حول مستقبل الأسواق تحدثت عنهم الأسبوع الماضي. والمتشائم هو من النوع الذي (يلعب على المضمون) فهو إما أن يتحقق تشاؤمه فيكون مصيبا أو ألا يتحقق فتكون النتيجة سعيدة !! وهي حيلة قديمة كنت أستخدمها بعد الخروج من الاختبار حينما كنت طالبا !!.
عموما وجود انهيار ثان في نظري أمر مستبعد لأسباب كثيرة أهمها أن الانهيار الذي حصل في الأسواق بداية هذا العام لم يكن سببه الرهون العقارية الثانوية أو عقود مخاطر الائتمان بقدر ما كان سببه الغموض حول حجم المشكلة وحجم القروض المتعثرة. ولذلك ظهرت تكهنات وافتراضات كثيرة بعضها غير منطقي حول مستقبل الاقتصاد العالمي. ثانيا: ظهرت - أخيرا - مؤشرات إيجابية في العالم كازدياد نسب حجم الإنتاج الصناعي ومبيعات الجملة والتجزئة.
وعلى الرغم من أن تلك المؤشرات هي ـ جزئيا ـ استجابة مباشرة لخطط التحفيز، إلا أن تلك الاستجابة هي بحد ذاتها إشارة جيدة حول حيوية الاقتصاد. ثالثا: كل الأدلة التي يسوقها المتشائمون ليست قاطعة.
فحجم الدين الأمريكي كبير جدا لكنه لا يزال يزيد منذ الخمسينيات ولا يوجد أي دليل على أن الزيادة اليوم هي القشة التي ستقصم ظهر البعير، أما الاستشهاد بازدياد نسب البطالة فليس دقيقا لأن البطالة تاريخيا هي آخر المؤشرات تحسنا، بل المثبت علميا أن زيادة البطالة تزيد معها الكفاءة الإنتاجية. أما الاستشهاد بحجم الأصول الفاسدة فهو غير دقيق أيضا لأن الأصول الفاسدة أقل مما سبق وأكثر وضوحا إضافة إلى أن الخطط الحكومية ستعمل على تخفيف حدتها بشكل تدريجي. صحيح أنه في الطريق إلى تقليل تلك الأصول ستمر بعض الشركات بصعوبات وربما يفلس بعضها لكن ذلك لن يعيد الأمور إلى نقطة الصفر.
في نظري أن الأسوأ انتهى ولكن الأحسن ليس قريبا فلا أظن أن الانتعاش سيكون مستديما أو حادا لسببين رئيسين: أولا: أن الحكومات نجحت في السيطرة على الأزمة لكنها لم تنجح بعد في إصلاح الأنظمة الاقتصادية والمالية.
ثانيا: أن المشرعين يعملون على سن أنظمة وقوانين تمنع أي انهيار محتمل ولكن تلك الأنظمة ستكون سببا أيضا في منع الانتعاشات الحادة، خاصة إذا علمنا أن كل الانهيارات سبقتها انتعاشات حادة. سيكون هناك في نظري تذبذب في أداء الأسواق يميل إلى الحدة يعقبه ربما هدوء. لكن في نهاية الأمر سيأتي جيل جديد بعد 10 سنوات أو 20 سنة ربما يكتشف أن لديه العلاج السحري لمشكلات العالم الاقتصادية ليخرج بمنتجات جديدة مثل ما خرج هذا الجيل بمنتجات الإنترنت والرهن العقاري الثانوي لتنطلق الأسواق بشكل صاروخي ثم يكتشف خطأه ويكتشف أن تلك المنتجات جيدة ولكنها لن تقلب مفاهيم الاقتصاد ثم تنهار الأسواق فهذه سنة الحياة، ودمتم.
أشكرك على هذا المقال الجميل. أعمل في شركة استثمار في الكويت ورأيي الشخصي المتواضع أن سبب مشاكل الشركات ونقص السيولة هو حجم القروض الكبير على هذه الشركات لدخولها في استثمارات غير مجدية بسبب مركزية الإدارة المطلقة ومن ثم التعثر في سداد هذه القروض أو حتى فوائدها.