إضافة إلى دورها الأساسي في تحريك عجلة الاقتصاد، تلعب البنوك دورا بارزا في توظيف الشباب السعودي على نطاقين. النطاق الأول هو التوظيف المباشر. وعلى الرغم من النسب الجيدة للسعودة في البنوك مقارنة بالشركات من غير القطاع البنكي إلا أن لي تحفظا حول نوعية تلك الوظائف، حيث إن معظمها في الخط الأمامي الذي يظهر في الصورة، أما القطاعات الأخرى التي تشكل القلب النابض للبنوك والتي تحتوي على خبرة معرفية عالية مثل إدارة الخزينة وإدارة الائتمان فيشكل غير السعوديين نسبة كبيرة منها. ما أود أن أركز عليه في مقالي هو النطاق الثاني وهو خلق الوظائف عن طريق تمويل المشاريع.
جزء كبير من تمويل البنوك يذهب إلى مشاريع المقاولات والشركات التجارية إضافة إلى تمويل الأسماء الكبيرة بما يطلق عليه "التمويل على الاسم" الذي لا يبدو أنه كان موفقا جدا السنة الفائتة بعد أن أثبتت الأزمة المالية أنه ليس كل الأسماء الكبيرة لديها حكمة كبيرة!
لكن 85 في المائة من مكونات القطاع الخاص هي الشركات الصغيرة والمتوسطة. هذا القطاع الضخم الذي يشغّل النسبة الأكبر من المواطنين يعاني شح التمويل بشكل كبير جدا، لأن البنوك حذرة في التعامل معه نظرا لارتفاع نسبة المخاطر فيه. ولذلك تجد لدى البنوك محاولات متواضعة جدا لخدمة ذلك القطاع مقارنة بخدمة "البقرة الحلوب" الشركات الضخمة والأسماء التجارية الكبيرة. وستظل البنوك حذرة جدا في تعاطيها مع تلك الشركات الصغيرة والمتوسطة خصوصا أن اللقمة الكبيرة والسهلة موجودة لدى الشركات والأسماء الكبيرة. ولذلك ما لم يفرض على البنوك تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة بقوة النظام فلن تتطوع البنوك لخدمة ذلك القطاع.
والمشكلة في نظري أساسا أنه لا توجد لدينا الخبرة الكافية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. حتى البرامج الحكومية والأهلية لإقراض المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي برامج غير ربحية، ما يجعل عملها خارج نطاق قوى السوق ويقلل من تراكم الخبرة والمعرفة.
في نظري أن الجهة الأولى المسؤولة عن هذه المسألة هي مؤسسة النقد التي يجب عليها فرض ضوابط معينة ونسب محددة لإقراض ذلك النوع من المشاريع، تلتزم بها البنوك كما تلتزم بنسب أخرى حول كفاية رأس المال والسيولة وغيرها.
مع الزمن ستتكون لدى البنوك الخبرة والطاقات البشرية الكافية لمعرفة المشاريع الناجحة من عدمها وتمويلها. الذي بدوره لن يقوم فقط بدعم نمو اقتصاد الوطن بل إنه سيخلق مجالا لتنويع مصادر الدخل. إذ أن كثيرا من الأفكار الرائعة لرواد الأعمال الأذكياء قد تموت في محلها أو تظل محدودة الإمكانات بسبب ضعف التمويل الذي لولاه لربما قدر لها أن تنطلق خارج الوطن، لتخلق مزيدا من مصادر الدخل.