يبدو أن فصول الإثارة لن تنتهي أبدا من أسواق المال ، فها هو الذهب يصل إلى مشارف الحاجز الألفي -1000 دولار- للمرة الخامسة ورغم انه استطاع تجاوز هذا الحد والوصول إلى ما فوق 1030 دولار للأوقية في منتصف مارس 2008 وفشل في المرات الثلاثة التالية في تخطى هذا الحاجز العنيد ، إلا انه قد وصل إليه مره أخرى أخر الأسبوع المنصرم معلنا تمسكه بمناوشه هذا الخط المغناطيسي والذي يمثل له نقطه الصفر التي سيتحدد من عندها الاتجاه الجديد.
ربما تكون عقود الفضة أفضل حالا وأكثر ثباتا وتماسكا من الذهب ، فقلد استطاعت منذ أوائل العام الحالي أن تضيف ما يربو على 60% لقيمتها السعرية. لقد تم تضييق الخناق بإحكام على حركه الدولار ، فالمتابع لمؤشر الدولار اندكس والذي يوضح حركته - أي الدولار- أمام سله من العملات سيجد هذا الأمر جليًا وفى اعتقادي أن ذلك هو كل التوابل الحارة التي أضافت مذاقا مميزا لأسواق المال في الآونة الأخيرة.
فقد تم تحديد أقامه الدولار أمام اليورو والفرنك السويسري وكذلك الجنيه الإسترليني- على سبيل المثال - بعد قمة مجموعه العشرين الأخيرة بلندن في ابريل 2009 ، حيث نلاحظ ضيق حركه التذبذب المسموح بها للسيد المبجل "الدولار" وكأن يد خفيه تتدخل دائما لضبط الإيقاع إذا حدث نشاز في النغمات، وكأنها توصيه غير معلنه أتت من منتدى مجموعه العشرين لمصلحه عليا،وهذا يبدو منطقيا نتيجة لما يعانيه مؤشر الدولار.
بالطبع هذه الاقامه الجبريه احدثت – ومازالت – تُحدث كثيرا من الفوضى والتردد داخل اسواق المال وخصوصا اسواق البضائع التى تعب متداولوها نفسيا من هذا الوضع المحير والذى اتضح على شارتات هذه السلع فى ضعف اصاب بعضها بالعشوائيه فى الحركه. وربما يكون الغاز الطبيعى اشد تضررا وهلعا من السلع الاخرى، فلقد هبطت اسعاره بشكل متسارع الى مستويات لم ترها الاسواق منذ سبع سنوات حين وصلت اسعار العقود فى نايمكس الى ما دون الدولارين ونصف مدعومه بانباء سيئه عن زياده المخزونات ووفره الانتاج ، اضف الى ذلك ضعف الطلب الصناعى نتيجه للانكماش العالمى الناتج عن الازمه الماليه.
ولان للبترول ابعاد اقوى سياسيا واقتصاديا مقارنه بباقى السلع فلقد كان تحركه اكثرا اتزانا ، واقوى سعريا من الذهب حيث اكتسب مايزيد عن 125% منذ بدايات 2009 مقارنه مع الذهب الذى لم يحقق اكثر من 25% تقريبا ، لذا فالذهب مرشح الى مناطق سعريه اعلى فى حال تخطيه حاجز 1000 دولار وهذا لن يأتى الا بمزيد من اضعاف حركه الدولار او على الاقل الحفاظ على حركه"الجرى فى المكان" التى يمارسها الدولار ، فالعلاقه عكسيه دائما بين السلع والدولار. ومن بين السلع الغذائيه تطل علينا عقود السكر وكأنها طاووس الاسواق ، حيث واصل ارتفاعاته المحمومه ليزور مناطق سعريه لم نرها منذ ما يربو على ثلاثين عاما اي اوائل ثمانينات القرن الماضى، اتي ذلك بعد خروج المارد من القمقم ، حيث ظلت اسعار السكر تتعارك فى مثلث متماثل - احد النماذج الفنيه المحايده - يتضح بقوة على الفريم الاسبوعى والشهرى آخذا مدى زمنى تجاوز العام الكامل متحركا بين تسعه دولارات ونصف الى الاربعه عشر دولارا الى ان جاء اختراق المثلث لتصل الاسعار قرب 25 دولارا.
وكانت اسواق الاسهم افضل حالا من غيرها خلال تلك الفتره حيث صعد مؤشر داو جونز الامريكى بما يوازى 50% تقريبا من اقل قاع حققه فى الثلث الاول من ابريل 2009 عند 6440 ، حيث وصل الى قمته الاخيره عند 9630 فى اواخر الشهر الماضى – اغسطس 2009 - ، ورغم الانفراجات السلبيه الكثيفه التى تعتلى واجهه كثيرا من مؤشرات السوق الامريكى مثل داو جونز الصناعى، داو جونز للمواصلات ،S&P 500 وغيرهم الا ان حافز الصعود مازال قائما بتحديد اقامه الدولار.
ان البيانات الاقتصاديه التى باتت تطل علينا كل صباح تأتى مذيله بعباره صارت ممله وسمجه الى حد كبير، ورغم ان فحوى كثير من التقارير والاحصائيات الاخيره يبدو ايجابيا ومشجعا ،سواء ا من الاتحاد الاوروبى ، الولايات المتحده او حتى اليابان ، الا ان عباره "ان الطريق لايزال وعرا امام الاقتصاد للتعافى او اننا نحتاج لمزيد من الوقت للتأكد من الانتعاش الاقتصادى" مهما اختلفت الصيغه الا ان المدلول يظل واحدا فى كل الحالات ، وقد تبدو عباره سياسه اكثر منها اقتصاديه او قد تدل على عدم المقدره الفعليه للقاده الاقتصاديين على تحديد ابعاد المشكله بدقه ومن ثم علاجها.
ويبدو ان الزعماء فى قمتهم القادمه سيوقعون على تمرير مزيد من البلايين ، وان الفاتورة سيتبعها فواتير اخرى لاحقه ربما لانعرف ولا يعرفون هم متى ستكون نهايتها. الا اننى فى كل الاحوال على قناعه ان الفاتوره الباهظه ربما تباغتنا قريبا بانتهاء مهله سدادها ، انها فاتوره البطاله التى اقرت اخر بياناتها فى الولايات المتحده زياده مفرطه وصلت الى 9.7% وفى اوروبا الى 9.5% وهى ارقام لم تشهدها هذه الدول منذ زمن ، وهى ارقام مرشحه للزياده بالطبع وحسب المصادر الرسميه.
ان الثبات النسبى الذى شهدته اسواق العالم الماليه فى الفتره الماضيه مع بدايات هذا العام استطاع امتصاص جزء بلا بأس به القلق والضغط الذى عانته الشعوب، ربما يكون اشبه بالمسكن لكنه لم يرق بعد الى المضاد الحيوى ممتد المفعول ، ذلك لان "التحفظ" على الدولار اثبت جدواه بعد تحديد اقامته وتحركه السعرى امام باقى سله العملات تقريبا لكن الامر من الممكن ان يتحول الى قنبله انشطاريه لن تترك احدا ، خصوصا وان اسواق الفوركس صارت اكبر واوسع مما هو محتمل . والبقاء على نفس نوع التوابل مطلوب حاليا بالطبع لانه لابديل له فعليا- اي التحكم فى الدولار- لكن قوانين العرض والطلب لن تسمح باستمرار هذا الوضع وعندها سيكون الثمن باهظ ، ومهما تكن مقدره من يتحكم بالايقاع المتزن بين العرض والطلب ، فان التاريخ يقول ببساطه ان السوق اقوى من الجميع ودائما يقول كلمته فى النهايه رغم كل شىء. ودمتم بخير
البيانات الاقتصاديه التي اصبحت تبشر بانتهاء الازمه او انها على وشك الانتهاء لم يوضح لنا أحد كيف انها انتهت وماذا فعل لكي يوقف هذا السيل العرم ما اعتقده ان هذا الكلام لايعدو كونه ذرا للرماد في العيون .والمحاولات لعمل توازن لتحرك الدولار امام سلة العملات والظغط على عليه كي يراوح مكانه له شبيه بقنبله اذا انفجرت سوف تكون وخيمة العواقب والسوق هو من سوف يقول كلمته كما قال كاتبنا اوفقك الرأي اخي وان غدا لناظره لقريب