وقفه مع مجموعه العشرين

05/09/2009 1
خالد أبو شادي

نشأت محموعه العشرين والتى جاءت فى اعقاب الهزات العنيفه التى تعرضت لها دول جنوب شرق اسيا ومن قبلها المكسيك فى تسعينيات القرن الماضى والتى كانت تعتبر بمثابه "ازمه ماليه عالميه مصغره"، لذا دعت الدول السبع الصناعيه الكبرى فى عام 1999 الى انضمام دول ناشئه وصاعده فى الحوار معها وذلك كاعتراف ضمنى بعدم قدره الدول السبع بعدم قدرتها منفرده على ايجاد حلول للمشكلات والمعضلات العالميه التى لا مناص من مواجهتها.

وبالطبع فان اقتصادات هذه الدول مجتمعه تمثل نسبه لا يستهان بها ابدا سياسيا واقتصاديا وتجاريا، حيث تمثل المجموعه اكثر من ثلثى التجاره فى العالم بالاضافه الى امتلاكها ما نسبته 90% من الناتج الاجمالى للمواد الخام وحتى من ناحيه عدد السكان فهى تستأثر بقرابه ثلى سكان العالم، اى اننا امام ثقل كمى وكيفى ، لذا فان الاهتمام بها وارد وقرارتها ذات فعاليه وتأثير. وقد يكون الخلل – فى رأيي – للمجموعه فى توزيعها خللا جغرافيا وهو يخص القاره السوداء – افريقيا - حيث تُمثل اوروبا تمثيلا مرضيا فى روسيا ،ايطاليا ،المانيا ،المملكه المتحده وفرنسا اضف اليهم الاتحاد الاوروبى ، وكذلك تُمثل اسيا تمثيلا جيدا فى المملكه العربيه السعوديه، اليابان، كوريا الجنوبيه، اندونسيا، تركيا"على اعتبار ان 97% من اراضيها تقع فى قاره اسيا" والصين وكذلك فان تمثيل امريكا اللاتينيه قوى هو الاخر متمثلا فى البرازيل ،المكسيك بالاضافه الى الارجنتين وبالطبع اضف اليهم كندا والولايات المتحده الامريكيه عن امريكا الشماليه ثم استراليا، ويأتى الخلل الجغرافى فى تمثيل افريقيا حيث لاتمثلها سوى جنوب افريقيا ولابكاء هنا على الفقراء والضعفاء والكسالى حيث ان المجموعه تضم الاغنياء والاقوياء والنشطاء، وربما يكون تمثيل العالم الاسلامى لابأس به فى ثلاث دول هى تركيا والمملكه العربيه السعوديه واندونسيا - رغم تحفظى على غياب ماليزيا - لكن يبقى التمثيل العربى ضعفيا بالتبعيه متمثلا فى كيان واحد هو المملكه العربيه السعوديه.

تتمثل المعضله الاساسيه التى تواجه اجتماع المجموعه القادم فى الرابع والعشرين والخامس والعشرين من الشهر الجارى - سبتمبر2009 - فى بيتسبرج بالولايات المتحده الامريكيه فى البطاله ، هذه الاشكاليه الكبرى التى من المفترض – حسب الفيدرالى الامريكى – ان تزيد الى 10% ، وذلك بعد ان بلغت مستويات عاليه حيث وصلت الى 9.5% فى دول الاتحاد الاوروبى و9.7% فى الولايات المتحده الامريكيه - فى اخر التقارير الصادرة من اوروبا وامريكا - كل ذلك رغم التطمينات التى تحمل لهفه الحذر من احتماليه عوده الاقتصادات الى النمو فى مطلع العام القادم 2010.

ورغم ضخامه الخطه التحفيزيه التى تم اقرارها فى الثانى من ابريل - نيسان2009 - من قبل مجموعه العشرين فى اجتماعها الاخير بلندن والتى بلغت التريليون دولار والتى اظهرت بعض التعافى الواضح فى الاحصائيات والمؤشرات المختلفه التى تقيس درجات انكماش ونمو الاقتصاد، لكن يبقى فقدان الوظائف - وان قلت وتيرته مؤخرا - ضاغطا قويا فى المرحله القادمه، حيث من المنتظر ان تظهر الاثار الايجابيه لبرامج ضخ السيوله فى الاقتصادات عن طريق دوران عجله النمو والاطمئنان من قبل اصحاب المصانع واعاده العماله التى تم تسريحها واكمال الكثير من الخطط والمشروعات الفعليه التى تم ايقافها، حيث يترقب الكثيرين هذا الاطمئنان الى ثبات الاوضاع الاقتصاديه للتحرك من جديد، وهذه هو ما حاولت قرارات المجموعه السابقه عمله فعلا عن طريق طمأنه اسواق المال تحديدا والتى اصابها الهلع الشديد فى العام الماضى ، لذا سنلاحظ ثباتا واضحا فى اداء مؤشر داو جونز الامريكى ومن ثم معظم المؤشرات العالميه خلال الفتره الماضيه ، لكن الحذر مازال قائما وكذلك الترقب والقلق ايضا.

ربما يمثل الابقاء على الخطط التحفيزيه حافزا بحد ذاته للمطلعين والمهتمين ، لكن سيبدأ الامل بالتلاشى فى تلك الخطط مالم يظهر ذلك فعليا على ارض الواقع ، لان ثبات الفائده فى معظم البنوك المركزيه العالميه يعنى عدم التحرك الملموس للسيوله، اضف الى ذلك الثبات النسبى لنسب التضخم الذى يؤكد ذلك وايضا معدلات التوظيف المنخفضه واسعار المنتجين والمستهلكين التى لم تتحرك لاعلى بشكل ملموس.

ولكننا انصافا للامر سنعطى مجموعه العشرين فرصه زمنيه اخيره كى نرى آثار ونتائج تحفيزاتهم التى اقروها حتى لاتكون استنتجاتنا يشوبها العجله والتسرع. ربما يكون من ايجابيات هذه المجموعه هى زياده موارد صندوق النقد الدولى وذلك لمساعده الدول الاكثر فقرا فى العالم فى مواجهه الازمه لكن يبقى التساؤل الاهم مطروحا :مقابل ماذا؟؟؟ هذا اذا اهملنا فوائد الصندوق ذاته لانه بالخبره العمليه والتجربه مع هذا الصندوق فان الدول المساهمه او المانحه فيه لاتعطى دون اشتراطات واملاءات معلنه او غير معلنه فلا فرق، لانها تظهر فى النهايه فى السياسات الاقتصاديه للدول المقترضه من الصندوق.

ومن الايجابيات ايضا فرض نظام رقابى على صناديق التحوط وكذلك على العلاوات والمكافأت التى يحصل عليها المدراء والعاملون بالقطاعات الماليه ولنا ان نتذكر هنا تقرير صحيفه الاندبندنت عن المكافأت التى حصل عليها مدراء بنك ليمان براذرز المنهار فى نيويورك والتى اثارت استياء مسئولي بنك باركليز الذى اشترى اصول البنك المفلس والتى وصلت الى 2.5 مليار دولار. ايضا جلسه المحاسبه التى خصصها مجلس النواب الامريكى لكبار المسؤولين فى شركه AIG للتأمين والذين تقاضوا 160 مليون دولار كمكافأت، الامر الذى اضطر الحكومه الامريكيه الى منح الشركه 180 مليون دولار- من اموال دافعى الضرائب - لبث الحياه فيها من جديد.

وكان احد النواب الديمقراطين قد خاطب ادوارد ليدى المدير العام لـ AIG قائلا : اسمح لي أن أقول لك ياسيدي إمضغ هذه اللقمة المُرة الآن واطلب من موظفيك إعادة المكافآت المالية التي حصلوا عليها قبل أيام لأن هذه القضية ستتطور مستقـبلا بشكل لا تحمد عقباه وتتحول هذه اللقمة إلى سم قاتل قد يقضي عليك تماما. وكانت تلك الكلمات تعبيرا عن الغضب الشعبى العارم الذى تصاعدت حدته بعد تناقل وسائل الاعلام الحديث عن تلك المكافأت الضخمه والغير مبرره. وبالطبع فان هذين المثالين هما من رؤوس العناوين والتى يندرج تحتها تفصيلات كثيره عن الفساد الادارى فى القطاعات الماليه حول العالم اجمع فما ننشر لا يعد كثيرا مقارنه بما هو مخبأ وراء الستار. لذا فانه – فى رأيى - يعد تطبيق مبدأ : من أين لك لهذا ؟؟؟

هام وضرورى ، ومراجعه حسابات واصول مديرى ومسؤولى البنوك والشركات ايضا ، خصوصا بعد انتفاء السريه والحمائيه التى يقاتل من اجل هدم اخر معاقلها فى سويسرا الامريكان حاليا للكشف عن الحسابات المتهربه من الضرائب والتى تقدر بـ 5.11 تريليون دولار فى العالم اجمع، تحتفظ سويسرا بحوالى 25% منها فى بنوكها ويقوم اقتصادها عليها وتتوزع 75% الباقيه على انحاء متفرقه من العالم فى هونج كونج، بنما، قبرص وجزر الكايمان وغيرها. وربما نتذكر قصه "برادلى فيلد" والذى قضى من عمره 15 عاما كمصرفى فى البنك السويسرى المتحد  UBS، والذى يُعد من اكبر البنوك الخاصه فى العالم والتى تحمل طابع السريه التامه لحسابات عملائها.

وبرادلى بدأ اسمه فى الظهور اعلاميا مع رفض البنك السويسرى صرف مستحقاته بعد ان قدم استقالته. المثير ان برادلى كان مطلعا بحكم طبيعه عمله على اسماء الامريكيين الذين لديهم حسابات سريه بالبنك ، وكنوع من رد الاعتبار الذاتى المغلف بالانتقام والرغبه فى الحصول على مردود مادى، قام برادلى بابلاغ السلطات الامريكيه عن الحسابات السريه الخاصه بالبنك السويسرى - يحصل اى مُبلغ عن التهرب الضريبى فى الولايات المتحده على عموله تصل الى حوالى 30% من قيمه الضرائب المُلبغ عنها عند ثبوت ذلك – وكادت القصه ان تنتهى نهايه سعيده بالنسبه لبرادلى بعد ثبات تواجد حسابات سريه لـ 52 الف مليارديرا امريكيا. وتأتى الرياح بما لاتشتهى السفن حيث انقلب السحر على الساحر وصارت القصه اكثر دراميه عندما فوجىء برادلى الذى يعيش حلما ورديا منتظرا قيمه العموله الضخمه التى سيحصل عليها، فوجىء باتهامه الصريح بمساعده الكثير من الامريكين فى التهرب الضريبى. بالطبع قاتلت السلطات السويسريه من اجل عدم الافصاح عن التعاملات السريه فى بنوكها لكنها بالطبع خضعت للاداره الامريكيه وبدأت تدريجيا فى كشف النقاب عن اسماء 4500 عميلا من اصل 52 الف عميل امريكى.

وتتكرر القصه فى بلدان اخرى وان اختلف السيناريو لحسابات سريه لسلاطين وملوك صناعه البيزنس حول العالم مسلطه الضوء وملفته انتباه العالم اجمع على ضرورة انتفاء الحمائيه ومتابعه وملاحقه الاسماء مهما كانت ضخامتها، وسيطرتها ونفوذها وان يتساوى الجميع امام القانون ، والا يسرق الغنى من مستحقات الفقراء بالتهرب من دفع ما عليه من ضرائب. وحقيقه فان ذلك يعد احد مساوئ الرأسماليه والتى تسمح ان تزداد الفجوه بين الاغنياء والفقراء وتسمح ايضا بقتل روح العداله الاجتماعيه والتى ادركها العالم مؤخرا ووضعها على طاوله مجموعه العشرين كأحد التحديات القويه والحقيقيه بجانب سؤال من اين لك هذا، وتكمن الاشكاليه ويظل السؤال حائرا : هل سيُطال هؤلاء الفارين والهاربين اذا كانوا من صناع القرار والسياسة؟؟؟ سؤال سيكون بلا جواب ولا تعليق.

ومن الاشكاليات القويه والتى لا ادرى الى متى سيكون السكوت عليها صحيا ألا وهي تجاره العملات،والتى صارت هوسا عالميا تجاوز الحدود ، والتى ازدادت وطأه حدتها بعد اتجاه الكثيرين للتجاره فى العملات بعد هبوط اسواق الاسهم العنيف خلال اواخر العام الماضى. ورغم ان التعامل الفعلى وشراء" لوطات "العملات لايتجاوز 5% بأى حال من الاحوال ، والباقى يعد سوقا مهووسا ارغم السوق الفعلى على احتوائه والذى ينذر بكارثه كبرى ان ظل حاله على ما هو عليه من التضخم والكبر غير المبرر بتجاوز التداول فيه تريليونات الدولارات يوميا فى ظل توافر ادوات الرفع المالى التى توفرها شركات الوساطه. ورغم ان مجموعه العشرين كانت قد اُنشأت اصلا بعد انهيارات اصابت عملات المكسيك وجنوب شرق اسيا الا ان المجموعه – حتى الان - تصر على القيام بدور النعامه ودفن رأسها فى الرمال - رغم ان هناك اقاويل تنصف النعام وتقول ان النعام يفعل ذلك باحثا عن الماء- الا ان المجموعه لا ترضى ان تقوم بدورها بمواجهه هذا الخطر المحدق ، والذى بدأ تاريخيا بعد فك ارتباط الدولار بالذهب فى اوائل سبعينيات القرن الماضى، وترك العملات لسوق العرض والطلب، وازدادت ضراوته فى السنوات الاخيره منذرا بكوارث لاحقه لن تُحمد عقباها ابدا.

يبقى احد المآخذ التى اتصور اننى سأكون خَجِلا وانا اطرحها للنقاش ألا وهو : من المتسبب الحقيقى فيما يعانيه العالم اجمع من ويلات اشد ضراوه من حرب فعليه؟؟؟ فلقد درج الامريكيون على ارسال فرق تحقيق تتولى متابعه اى حدث يتعلق بأمنهم – امن العالم يتمثل فى امن امريكا اولا - وتتدخل سياسيا او عكسريا او اقتصاديا فى اى امر تراه مخالفا لسياساتها، لكننا هذه المره سنُطالب من بالتحقيق مع من؟؟ حقيقه اعفى مجموعه العشرين من هذا التسأول ويبقى لها النقاط السابقه التى اتمنى ان تخرج منتصره فى تحقيق نجاح عادل فى احدها لاننا من سابق خبرتنا فى التعامل مع المنتديات والمؤسسات الدوليه ومن واقع الاحداث لم نحقق لا كل ولا جزء مما نطمح اليه.