عندما يهز الأسواق بعض الأزمات التي تدفعها للتذبذب الحاد وربما خسارة جزء من قيمتها السوقية ودخولها في موجات هابطة ينتج عن ذلك بعض الاضطراب في مواقف بعض المستثمرين، وربما التخلي عن استراتيجياتهم التي يتبعونها، وهذا الأمر بحد ذاته يعد أكبر خسارة للمستثمر من خسارة السوق نفسها، حيث إن التنازل عن الاستراتيجية التي تم اختبارها واستخدامها في السوق بكل اتجاهاتها الصاعدة والهابطة يجب ألا يؤدي إلى التنازل عنها تحت أي سبب كان سواء بضغط من السوق أو خارجها ما يكون ناتجا عن مواقف بدافع العاطفة أو الهلع.
وهنا على سبيل المثال فيما يخص المستثمر في السوق السعودية التي تشهد انخفاضا بنسبة تزيد على 20 في المائة من قمتها التي حققتها في أيار (مايو) من العام الماضي، فعلى المستثمر أن يطرح على نفسه هذا السؤال: هل هذا الانخفاض الذي تمر به السوق كان مدفوعا بتغيرات في الاقتصاد المحلي أم خارجه؟ وللمساعدة على الإجابة عن هذا السؤال، فالحقيقة أولا أن السوق أعطت بسخاء خلال العامين اللذين سبقا الهبوط، حيث ارتفعت السوق من قاع كورونا في آذار (مارس) 2020 من منطقة ستة آلاف إلى أن وصلت إلى قمتها في 2022 عند 13945 نقطة، محققة بذلك ارتفاعا بمقدار ثمانية آلاف نقطة، وبنسبة ارتفاع تجاوزت 130 في المائة خلال أقل من عامين فقط، ومن الطبيعي أن تصحح السوق جزءا من المسافة التي قطعتها صعودا وكذلك جزءا من الفترة التي صعدت بها، وهو الأمر الذي يمنحها الزخم مجددا، ففي نهاية المطاف فلا صعود أو هبوط يستمر في اتجاه معين.
أما ما يتعلق بالجانب الثاني للإجابة عن السؤال السابق، فالاقتصاد المحلي يمر بأفضل حالاته ومن عدة جوانب كل جانب منها يمنح المستثمر مزيدا من الطمأنينة في الاقتصاد ككل، وبالتالي في السوق التي تعد جزءا منه، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فالناتج المحلي الإجمالي للمملكة تخطى حاجز تريليون دولار لأول مرة في تاريخه مرتفعا 28 في المائة عن العام الذي قبله، بل كان اقتصاد المملكة الأكبر نموا بين مجموعة دول العشرين التي تمثل أكبر اقتصادات على مستوى العالم، حيث نما اقتصاد المملكة العام الماضي 8.7 في المائة، في عام كانت تمر كبرى الدول اقتصاديا بين انكماش ونمو ضعيف. كما أن المملكة حققت فائضا في ميزانيتها يزيد على 100 مليار ريال لأول مرة منذ عشرة أعوام، كذلك فقد تخطت موجودات البنوك السعودية حاجز ثلاثة تريليونات ريال لأول مرة، وتراجع معدل البطالة إلى 8 في المائة، ما دعا أكبر وكالات التصنيف الائتماني العالمية، إلى رفع تصنيف المملكة وتعديل نظرتها المستقبلية لاقتصادها بين مستقرة وإيجابية. كل هذه المعطيات تمنح المستثمر الثقة بالاقتصاد المحلي، وهو ما زاد من شهية الاستثمار الأجنبي في السوق السعودية التي شهدت تدفقات أجنبية خلال الفترات الماضية تجاوزت 400 مليار ريال حتى الآن.
إذن ما يحدث حاليا هو تصحيح لموجة صاعدة كانت طويلة في قيمتها قصيرة في مدتها، ولن تكون السوق المحلية بمعزل عن الأسواق العالمية التي تأثرت بعوامل تنوعت بين ارتفاع نسبة التضخم، وعمليات رفع الفائدة، وعوامل جيوسياسية سرعان ما ستخف حدتها بزوال مسبباتها، فالمستثمر ينظر إلى المعطيات الاقتصادية ويتخذ قراره بناء عليها.
نقلا عن الاقتصادية