أسهم حقوق الأولوية.. المشكلة والحل

09/07/2012 25
د. فهد الحويماني

  تقوم الشركات المساهمة في سوق الأسهم السعودية برفع رؤوس أموالها من خلال طرح أسهم حقوق أولوية تمنح الملاك الحاليين الأحقية في الاكتتاب في الأسهم الجديدة بسعر يحدد في نشرة الاكتتاب وتكون الأحقية لملاك الأسهم، كما في نهاية يوم انعقاد الجمعية العامة غير العادية التي توافق على عملية الاكتتاب. إلا أن عملية الاكتتاب هذه تحتاج إلى تنظيم جديد مناسب يمنع اللبس والتشويش وضياع حقوق من لم يكتتب من المستثمرين لسبب أو آخر ويخسر نسبة كبيرة من رأسماله، خصوصاً أن لدينا الحلول التي تحقق المطلوب وتؤدي إلى العدالة والمرونة المطلوبة.

 أساس المشكلة هو أن المستثمر الذي يملك الحق في شراء أسهم إضافية ليس له من خيار إلا شراء الأسهم الإضافية بمال إضافي من عنده، وإلا فإنه يصبح عرضة لتلقي خسائر كبيرة من رأسماله. فيما يلي إيضاح لطبيعة هذه المشكلة مع اقتراح حل مناسب لها يضمن عدم ضياع حقوق المستثمرين ويجعل السوق تعمل بطريقة نظامية عادلة.

 في اليوم الذي يلي يوم الأحقية، وهو اليوم الذي من بعده لا يحق لأي مشتر جديد الاكتتاب في الأسهم المزمع طرحها، نجد أن سعر السهم ينخفض بشكل كبير نسبياً، ما يثير كثيرا من اللبس والتشويش لدى بعض المستثمرين، حيث هناك من لا يعرف ما تعنيه أسهم حقوق الأولوية ومن له أحقية الشراء وإذا ما كان الشراء اختياريا (كما ينبغي) أم إنه إلزامي (وهو الواقع). بل إن بعض المستثمرين قد لا يعلم عن حدوث هذه العملية بتاتاً، إما لانشغاله عن متابعة أسهمه أو لدواعي السفر أو المرض أو غيره، فالذي يتم في مثل هذه الحالات أن يخسر هؤلاء الأشخاص نسبة كبيرة من أموالهم بسبب عدم اكتتابهم في الأسهم الجديدة. ومن السهولة بمكان إلقاء اللوم على هؤلاء الأشخاص ومطالبتهم بمعرفة كامل حقوقهم ومتابعة أسهمهم بشكل يومي، لكن إذا علمنا أن سوق الأسهم السعودية سوق ناشئة ليس جميع المتعاملين فيها على علم ودراية بهذه التفاصيل، وإذا اتفقنا على أن المفترض في أي سوق مالية نظامية أن تصون حقوق المستثمرين وأن تتمتع بالعدالة والحماية لهم وتحفظ رؤوس أموالهم من الضياع، ندرك عندها أن علينا إيجاد طريقة أفضل لمعالجة هذه المشكلة.

 قبل عرض الحل المقترح، وهو ما أرفقته من ضمن التوصيات الواردة في كتاب المال والاستثمار في الأسواق المالية (صفحة 556) في عام 2006، أقوم هنا بإيضاح طبيعة عمل أسهم حقوق الأولوية ليتضح حجم المشكلة وخطورتها على المستثمرين. لنفرض أن شركة سعر سهمها 40 ريالا ورأسمالها الحالي مليار ريال وعدد أسهمها 100 مليون سهم، وترغب في رفع رأسمالها بإصدار 100 مليون سهم إضافي، بسعر 18 ريالا للسهم (عشرة ريالات قيمة اسمية + ثمانية ريالات علاوة إصدار). كما هو معلوم، فبعد يوم انعقاد الجمعية العامة فإن سعر السهم ينخفض بنهاية اليوم إلى 29 ريالا، على الرغم من أنه أغلق عند 40 ريالا، أي بنسبة انخفاض تبلغ في هذا المثال 27.50 في المائة. وهذا الانخفاض أو التعديل لسعر السهم سليم ولا غبار عليه لأن الملاك الحاليين يملكون الأحقية لشراء أسهم جديدة دون سواهم. على سبيل المثال لو أن شخصاً كان يملك ألف سهم بسعر 40 ريالا، فسيبقى لديه في اليوم التالي ألف سهم بقيمة إجمالية قدرها 29 ألف ريال، لكنه يستطيع شراء ألف سهم إضافية بسعر 18 ريالا خلال الأسابيع القليلة القادمة. المشكلة أن كثيرا من ملاك السهم لا يعلمون ما الذي حدث للسهم، خصوصاً عندما يكون الانخفاض بنسبة أقل من 10 في المائة، حيث يظن المالك أن هبوط سعر السهم ناتج عن توقعات سلبية بخصوص أداء الشركة، لا بسبب التغير الحتمي جراء عملية الاكتتاب المنتظرة، فقد يقوم الشخص ببيع أسهمه. وسواء باع أسهمه أو لم يبعها، فإن لم يكتتب لاحقاً في الأسهم الجديدة فقد تصل خسارته في هذا المثال إلى 27.50 في المائة من رأسماله في السهم، حيث إن الإجراء الذي يتم هو أن يقوم غيره من الملاك بالاستفادة من أسهمه والاكتتاب بها كأسهم إضافية علاوة على ما يستحقونه من أسهم، وهذا الإجراء نظامي بلا شك، لكنه غير عادل.

 وكي أكون أكثر دقة في عرض هذه المشكلة، أشير إلى أن النظام الحالي في السوق السعودية يقدم تعويضاً، قليلاً في أفضل الحالات ولا شيء في كثير من الحالات، لأولئك الملاك ممن لم يمارس حقه في الاكتتاب، وذلك اعتماداً على نتيجة الاكتتاب في الأسهم الإضافية لاحقاً. فبحسب طريقة الاكتتاب المتبعة، من حق الملاك أن يكتتبوا بأسهم إضافية علاوة على ما يستحقون من أسهم وذلك بتحديد طلباتهم وفقاً لفئات سعرية تصاعدية موضحة في نشرة الاكتتاب، أي أنه يكون هناك مزاد للأسهم التي لم يكتتب بها تكون من نصيب من يدفع أعلى سعر لها. فلو كانت هناك طلبات لشراء أسهم إضافية من قبل بعض الملاك الحاليين بأسعار أعلى من سعر الاكتتاب، عندها فقط يتم تعويض من لم يكتتب بفارق السعر بين سعر الاكتتاب والسعر الذي يتم به شراء الأسهم غير المكتتب بها. وغني عن القول إن هذه الطريقة تعيد جزءاً بسيطاً من مال الشخص، بينما تمنح المكتتبين الآخرين فرصة الحصول على أسهم غيرهم. بل إن هذه الطريقة في واقع الأمر تزيل المجازفة عن متعهد التغطية الذي من المفترض أن يشتري الأسهم التي لا يكتتب بها، وهذه نقطة جديرة بالطرح لولا ضيق المساحة في هذه المقالة.

 الحل المقترح يتمثل في قيام شركة تداول بإصدار أسهم جديدة لجميع المستحقين للاكتتاب فوراً بعد اجتماع الجمعية العامة غير العادية وتدرج في حساب الملاك تلقائياً، جنباً إلى جنب مع أسهمهم الحالية، وتحمل الأسهم الجديدة رمزاً خاصاً بها. فبهذه الحالة يكون وضع الشخص المالك لعدد ألف سهم قبل الأحقية في المثال السابق كما يلي: يمتلك ألف سهم من الأسهم القديمة بسعر 27 ريالا، ويمتلك ألف سهم من أسهم حقوق الأولوية يكون سعرها خاضعاً لقوى العرض والطلب، لكنها ستكون بنحو 11 ريالا للسهم. فتكون قيمة ما يملكه من الأسهم 40 ألف ريال، وهي القيمة السابقة نفسها، فلا يكون قد خسر شيئاً من ماله. لاحظ هنا أن الشخص يستطيع بيع أي من أسهمه الجديدة أو القديمة دون وقوع أي ضرر عليه ولا خسارة كما في الطريقة السابقة. حتى من لم يعلم عن عملية الاكتتاب فإنه لا يخسر شيئاً لأن الأسهم الجديدة تضاف إلى محفظته وتبقى فيها إلى أن يقرر الاكتتاب، أو يتركها في المحفظة حتى انتهاء فترة الاكتتاب، وعندها يقوم متعهد الاكتتاب (أو حسبما تقرره شركة تداول) بشرائها والحصول على الأسهم الإضافية.

 حقيقة إن هذا الإجراء متبع في دول كثيرة وفوائده كثيرة، منها أن هناك من الملاك من يعلم عن الاكتتاب، لكنه لا يرغب في الاكتتاب لسبب أو آخر، فبهذه الحالة لديه الحرية لبيع أسهم حقوق الأولوية التي في حوزته دون الحاجة إلى شراء أسهم إضافية من ماله. وأتمنى أن تنظر الهيئة الموقرة وشركة تداول لهذا الاقتراح الذي سبق أن أرسلته لمقام الهيئة من ضمن توصيات أخرى وردت في الكتاب، وأن يعمل به لما فيه من فوائد، وتكون لدينا سوق مالية متطورة تحمي المستثمرين من خسارة أموالهم بسبب إشكالات في أيدينا حلول مناسبة لها.