هل ينخفض سعر نفط الأوبك إلى 85 دولار للبرميل؟

01/07/2012 6
بشير يوسف الكحلوت

من المتوقع أن يكون سعر نفط الأوبك قد انخفض في شهر يونيو بنسبة تزيد عن 12.5% إلى مستوى 94.25 دولار للبرميل، وهي أكبر نسبة انخفاض شهرية منذ شهر ديسمبر 2008، وكان هذا الانخفاض هو الثالث على التوالي بعد انخفاض بنسبة 9.4% في مايو، وآخر بنسبة 3.9% في شهر إبريل. وكان سعر نفط الأوبك قد بلغ ذروته في شهر مارس الماضي عندما بلغ مستوى 122.97 دولار للبرميل. فلماذا ارتفع السعر؟ ولماذا عاد إلى الانخفاض ثانية وبقوة؟ ، وهل يواصل السعر انخفاضه في الشهور القادمة إلى 85 دولار أم تراه يستقر حول مستوى 90 دولار للبرميل؟ وأسارع إلى القول بأن مبعث الاهتمام بمستقبل أسعار النفط نابع من تأثير ذلك على المالية العامة لدولة قطر والتوقعات المتصلة بفائض الموازنة العامة للدولة التي بُنيت تقديراتها على أساس 65 دولاراً للبرميل.

للإجابة على التساؤلات المطروحة أشير بداية إلى أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر على سعر النفط، لعل في مقدمتها ميزان العرض والطلب العالمي على هذه السلعة، والتغير في سعر صرف الدولار الذي يستخدم كعملة لتسعير النفط ولتسديد فواتير مشترياته. فعندما يختل ميزان العرض والطلب ويصبح هناك نقص في المعروض فإن الأسعار ترتفع، ويحدث العكس عندما يكون هناك فائض في المعروض يتبعه بناء للمخزونات النفطية ومن ثم تنخفض الأسعار. وعندما يتراجع سعر صرف الدولار أمام اليورو، فإن سعر النفط يرتفع، وهو ينخفض إذا ما حدث العكس وارتفع سعر صرف الدولار مقابل اليورو.

وبالنسبة للعامل الأول الذي هو اختلال ميزان العرض والطلب نجد أنه بدوره يتوقف على عوامل أخرى كثيرة نذكر منها في جانب الطلب حدوث تسارع في معدلات النمو الاقتصادي العالمي وبوجه خاص في الدول المتقدمة، لأن ذلك يُترجم إلى زيادة في الكميات المطلوبة من النفط ومشتقاته. وعندما تظهر بوادر على تباطؤ النمو أو حدوث ركود اقتصادي فإن ذلك ينعكس سلباً على الطلب على النفط وعلى أسعاره. وقد يتأثر حجم الطلب العالمي بمدى التحول لاستهلاك بدائل الطاقة الأخرى، فعندما تحولت اليابان في عام 2011 –بعد حادثة انفجار أحد المفاعلات-عن استخدام الطاقة النووية إلى النفط ومشتقاته، فإن ذلك كان سبباً في زيادة الطلب العالمي على النفط وارتفاع أسعاره. وفي جانب العرض نجد أن توقف إنتاج النفط الليبي بالكامل في عام 2011 قد أحدث خللاً كبيراً في ميزان العرض والطلب وانعكس ذلك على ارتفاع أسعار النفط وخاصة عندما جاء فصل الشتاء وبلغ الطلب ذروته الموسمية، إضافة إلى تأثير قرارات أوروبية بمقاطعة استيراد النفط الإيراني.

ومن ناحية أخرى أدى انخفاض سعر صرف الدولار أمام اليورو في الخريف الماضي بعد تفجر مشكلة تغطية العجز في الموازنة العامة الأمريكية إلى تعزيز فرص ارتفاع سعر برميل النفط، بينما يعمل ارتفاع سعره الراهن بسب مشاكل الديون السيادية في أوروبا إلى انخفاض سعر النفط.

وقياساً على ما تمت الإشارة إليه فإن معظم العوامل تصب في الوقت الراهن لجهة تراجع أسعار النفط وعدم ارتفاعها على الأقل ومن ذلك:

1- تراجع معدلات نمو الاقتصاد العالمي لتباطؤ النمو في الولايات المتحدة، والصين وركود الاقتصاد الأوروبي. وينتظر العالم يوم الجمعة القادم صدور بيانات التشغيل والبطالة في الولايات المتحدة عن شهر يونيو للاستدلال في ذلك على مدى تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي.

2- تراجع الطلب على نفط الأوبك في عام 2012-وفق تقديرات منظمة الأوبك- إلى 29.9 مليون برميل يومياً في الوقت الذي تنتج فيه دول المنظمة عند مستوى 31.58 مليون ب/ي، وخاصة بعد عودة انتاج النفط الليبي إلى مستوياته السابقة هذا العام، بما يؤدي إلى تراكم المخزونات العالمية من النفط بمعدل قد يصل إلى 2 مليون برميل يومياً- مع التسليم بأن الطلب على نفط الأوبك يرتفع موسمياً في النصف الثاني من العام-.

3- أن زيادة إنتاج النفط من خارج دول الأوبك -وبخاصة في الولايات المتحدة- سترفع الإنتاج إلى 52.7 مليون ب/ي، وسيرتفع انتاج بدائل النفط من سوائل ومكثفات الغاز الطبيعي من دول الأوبك إلى 5.6 مليون ب/ي، بما يقلص الطلب على نفط الأوبك. وستعمل جهود التضييق على النفط الإيراني في الاتجاه المعاكس، وإن كانت هذه الجهود تتم ببطئ .

4- أن استمرار دوامة الديون السيادية في أوروبا وعدم قدرة دول الاتحاد الأوروبي على معالجة المشكلة المتفجرة في اليونان واسبانيا ودول أخرى ، سوف يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل اليورو، بحيث قد يصل إلى 1.2 دولار لكل يورو.

5- أن أسعار النفط تتأثر بشكل مباشر بما يجري في أسواق النفط الورقية- حيث يتم في البورصات العالمية شراء وبيع أضعاف أضعاف ما يحدث في السوق الفعلية، وعندما تكون الأجواء غير مواتية على النحو المشار إليه، وترجح التوقعات حدوث تراجع في أسعار النفط، فإن المضاربين يعمدون إلى التخلص من عقود شراء النفط ويذهبون في الإتجاه المعاكس، وهو ما يساهم في الضغط على أسعار النفط وتراجعها.

لهذه الأسباب مجتمعة، -وما لم تحدث تطورات مفاجئة تؤثر سلباً على ميزان العرض والطلب على النفط لجهة نقص المعروض-فإن التحليل أعلاه يرجح تراجع سعر النفط إلى 85 دولار للبرميل خلال الشهرين القادمين. وهذا رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ.

ملاحظة: بعد الإنتهاء من كتابة المقال حدث أن اتفق زعماء أوروبا على دعم أسبانيا في مواجهة قروضها المتعثرة، فانتعش اليورو مقابل الدولار وارتفع سعر برميل النفط، وذلك قد يؤخر بعض الشيئ من الانخفاض المتوقع في سعر النفط.