تأملات في موضوع الخارطة الصناعية لدول المجلس 2-2

17/06/2012 0
بشير يوسف الكحلوت

عرضت في مقال الأسبوع الماضي لموضوع الخارطة الصناعية لدول مجلس التعاون التي قامت بإعدادها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية، وشرحت كيف أنها تمت استناداً إلى ثلاثة مسوحات أولها مسح صناعي للتعرف على الصناعات القائمة بالفعل، وثانيها دراسة لبيانات الواردات السلعية لدول المجلس للتعرف على المنتجات التي يتم استيرادها ويمكن تصنيعها محلياً، وثالثها مسح لإمكانيات البحث والتطوير المحلية من أجل ضمان استمرارية القدرة على تطوير المنتجات. وأشرت إلى أن خلاصة الخارطة قد تمثلت فيما قدمته من معلومات عما سُمي "بالصناعات الغائبة"، وهي صناعات تتوفر لها مدخلات انتاج، ولم يتم انتاجها بدول المجلس رغم وجود طلب متزايد عليها، وهي كذلك الصناعات المستقبلية الواعدة وخاصة الصناعات المعرفية والتي من أهمها: الصناعات الكيماوية، والمعدنية الأساسية، وتشكيل المعادن، والغذائية، وصناعة المعدات والآلآت والمضخات". وأشرت في نهاية المقال إلى حقيقة أن أي من الصناعات الغائبة كما رأتها الخارطة قد تكون صناعة ممكنة في بلد خليجي دون آخر، كما أن توافر عناصر المواد الخام والطاقة في أي بلد قد لا يكون كافياً لقيام صناعة قادرة على المنافسة في ظل الأجواء المفتوحة التي تراقبها منظمة التجارة العالمية. وفي مقال سابق عن نتائج الشركات الصناعية في المملكة العربية السعودية أشرت إلى أن عدد من تلك الشركات في مجال الصناعات الكيماوية بالذات هي شركات خاسرة، وفي قطر مُنيت شركة المستلزمات الطبية بخسائر تتراكم سنة بعد أخرى منذ تأسيسها رغم توافر عناصر النجاح لها من وجود طلب محلي وشريك أجنبي متخصص تعهد بتسويق نصف الإنتاج عالمياً. وفي تاريخ قطر الصناعي وجدنا أن كبريات الشركات الصناعية مثل قاسكو وقابكو قد تعثرتا في بدايات عملهما واستمر ذلك طيلة فترة الثمانينيات من القرن الماضي. وعليه فإن الدخول في المشروعات الصناعية لا يتوقف فقط على توفر الطلب المحلي، أو بتوفر المواد الخام أو الطاقة، وإنما يتعدى ذلك إلى ضرورة توفر الخبرات والمهارات التنظيمية، ومعرفة أوضاع الشركات العالمية المنتجة لنفس المادة إقليميا وعالمياً وتطور أسعار تلك المنتجات أو مدى تذبذبها في السنوات السابقة، ومدى حاجة هذه الصناعات إلى البحث العلمي لتوفير منتجات متطورة، أو بتوفير تقنيات حديثة للإنتاج بتكلفة أقل، ومن ثم استمرار القدرة على المنافسة.

لهذه الأسباب وغيرها، قد يكون من الضروري أن تتحرك الجهات الحكومية المعنية وأقصد بذلك إدارة التنمية الصناعية بوزارة الطاقة والصناعة وإدارة المشاريع الصغيرة والمتوسطة من أجل دراسة البيانات التفصيلية للمشروعات الصناعية الغائبة التي تضمنتها الخارطة من أجل الاختيار بينها، واستبعاد المشروعات التي قد لا تتوافر لديها فرص النجاح الكامل، أو أنها بمتطلباتها من العمالة الأجنبية، واعتمادها على بعض المستلزمات التي قد لا تتوافر محلياً أو إقليمياً، قد تشكل في المحصلة عبئاً على الاقتصاد الوطني.

وعلى المهتمين بالدخول إلى مجال الاستثمار الصناعي أن تكون لديهم الخبرات التنظيمية الكافية، فإن لم يكن الأمر كذلك فلبعضهم على الأقل. ومن هنا قد يكون من المناسب أن تتولى الموضوع شركات صناعية عرفت الميدان وجربته مثل شركة الصناعات التحويلية. وقد يكون مفيداً أن تقوم الشركات الصناعية الكبرى مثل قاسكو وقافكو وقابكو وكيوكيم وغيرها بدراسة الفرص المطروحة، والنظر في المشاركة في تأسيس صناعات جديدة وخاصة تلك التي توفر لها عناصر ومستلزمات لازمة لصناعاتها الأساسية. ولا ننسى في الختام إمكانية البحث في تأسيس بعض المشروعات الصناعية على أساس من التعاون الخليجي، وخاصة مع دولة مثل السعودية بات لديها باع كبير في التصنيع، ولديها سوق استهلاكية واسعة، وبما يحقق خطوة إلى الأمام على صعيد التكامل الاقتصادي المنشود بين دول مجلس التعاون.