أخيراً أصبح لدى الباحثين عن فرص الاستثمار الصناعي في دول مجلس التعاون الخليجي خارطة طريق صناعية أو خريطة صناعية استغرق إعدادها نحو ثلاث سنوات،وتضافرت على إعدادها خبرات صناعية قادتها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية وشاركت فيها كوادر خليجية، وخبرات أجنبية. فما هي هذه الخارطة الصناعية التي تم تفصيلها وفق احتياجات دول المجلس، وإلى أي مدى تفي باحتياجات المنطقة في المرحلة القادمة؟؟؟
الخارطة الصناعية هي مسح كامل لثلاثة من الجوانب المتعلقة بالصناعة في دول مجلس التعاون وهي:
أولاً: مسح صناعي للتعرف على الصناعات القائمة بالفعل، وقدرة هذه الصناعات على تلبية الاحتياجات المحلية فضلاً عن إمكانياتها التصديرية.
ثانيا:دراسة لبيانات الواردات السلعية لدول المجلس للتعرف على المنتجات التي يتم استيراداها بالكامل أو بكميات ومبالغ كبيرة، ويمكن تصنيعها محلياً استناداً إلى توفر المواد الخام اللازمة لتصنيعها أو الطاقة اللازمة لتشغيلها.
ثالثاً: مسح لإمكانيات البحث والتطوير المحلية سواء كانت في الجامعات والمعاهد التطبيقية أو في مراكز وطنية متخصصة، باعتبار أن وجود هذه المؤسسات البحثية ضرورة ملحة لتطوير المنتجات الصناعية، أو لإيجاد منتجات جديدة.
ويشير التقرير الرئيسي الصادر عن منظمة الخليج للاستشارات الصناعية ، والذي تم توزيعه يوم الأربعاء الماضي على هامش الاحتفال بإطلاق خارطة الصناعة لدول المجلس، إلى أن القائمين على الدراسة قد أوسعوا المجالات الثلاث المشار إليها بحثاً وتحليلاً. ومع ذلك أكد التقرير على حقيقة مهمة مفادها أن المعلومات الكثيرة التي تم التوصل إليها تبقى مجرد بداية لعمل كبير يجب أن تقوم به الجهات المعنية في كل دولة خليجية على حدة، بحيث تتولى الجهات الرسمية استكمال تأسيس مراكز البحث والتطوير من ناحية، وأن يقوم المهتمين من المستثمرين بالتعاون مع المسئولين في غرف التجارة والصناعة ووزارات الصناعة، بدراسة الفرص الصناعية التي أشارت لها الخارطة لاختيار الصناعات المناسبة لظروف كل بلد على حدة.
ولم تنشر الخارطة المعلومات التفصيلية عن الصناعات المطلوب تأسيسها وإنما أشارت إليها بإيجاز في الفصل الثالث من التقرير تحت عنوان" الصناعات الغائبة". وقد عرفت الدراسة الصناعات الغائبة بأنها:" تلك الصناعات التي تتوفر لها مدخلات انتاج ولم يتم انتاجها بدول المجلس رغم وجود طلب متزايد عليها، وهي كذلك الصناعات المستقبلية الواعدة وخاصة الصناعات المعرفية والتي من أهمها: الصناعات الكيماوية، والمعدنية الأساسية، وتشكيل المعادن، والغذائية، وصناعة المعدات والآلآت والمضخات".
ومن بين الصناعات الكيماوية؛ ركزت الدراسة على إنتاج المواد المحفزة المساندة وغير المساندة ومادة الإكرينولايات التي هي مادة أساسية في إنتاج النايلون. كما تتضمن المجموعة كيماويات الألمنيوم وكيماويات معالجة المياه بأنواعها، وكيماويات مواد البناء. وفي قطاع الصناعات الغذائية ركزت الدراسة على إنتاج وحفظ لحوم الدواجن، والأسماك، وزيوت الطعام، والألبان ومنتجاتها والسكر الخام. وفي مجال الصناعات المعدنية ذكرت الدراسة المنتجات الحديدية شبه الجاهزة، وشرائح الحديد المسحوبة على الساخن، والمسحوبة على البارد، وشرائح وصفائح الحديد والصلب. وفي مجال الألمنيوم أشارت إلى الصفائح المسحوبة على البارد، وأنابيب الألمنيوم، ومسحوق الألمنيوم، ومنتجات القولبة ، وانتاج خبث الألمنيوم. كما اهتمت الدراسة بالصناعات الغائبة في مجال المعادن الفلزية غير الحديدية مثل منتجات النحاس وسبائك النحاس، شرائح وصفائح النحاس، انتاج المساحيق، وغيرها.
وبعد فقد كانت هذه إطلالة سريعة على حدث مهم في الشأن الاقتصادي الخليجي، قصدت منه أن أنبه المهتمين بفرص التصنيع إلى أن الكرة باتت في مرماهم وأن عليهم مراجعة الجهات المعنية في بلدانهم من أجل الاستزادة من المعلومات التفصيلية التي باتت متاحة لديهم. كما أن المسئولين الحكوميين عليهم دراسة التقرير بالتفصيل لمعرفة أوجه القصور في البنى الأساسية اللازمة للصناعة من أجل سرعة استكمالها ضمن خططم القادمة.
وتظل نقطة أخيرة في هذه العجالة عن الموضوع وهي أن أي من الصناعات الغائبة كما رأتها الخارطة قد تكون صناعة ممكنة في بلد خليجي دون آخر، كما أن توافر عنصري المواد الخام والطاقة في أي بلد قد لا يكون كافياً لقيام صناعة قادرة على المنافسة، ليس فقط في الأسواق الخارجية وإنما داخل الأسواق المحلية في ظل مبدأ حرية التجارة التي ترعاها منظمة التجارة العالمية. وربما لذلك فإن على المهتمين بالتصنيع القيام بدراسات جدوى تفصيلية معمقة قبل اتخاذ أي خطوة لإنشاء واحدة من تلك الصناعات في دول المجلس.