الاكتتابات غاية أم وسيلة؟

06/05/2012 4
محمد العنقري

خلال ستة أعوام تضاعفت أعداد الشركات المدرجة بالسوق المالي السعودي مما وضع سوق الاكتتابات المحلي من بين الأكبر عالمياً وتعد الاكتتابات خطوة مهمة لأي سوق مالي حيث تتجدد من خلاله الفرص الاستثمارية وتفتح آليات تمويل مهمة أمام قطاع الأعمال.

لكن السؤال يبقى هل كانت الاكتتابات غاية أم وسيلة والإجابة على هذا السؤال لا تحمل وجهة نظر واحدة فكل طرف معني بالسوق المالي له وجهة نظر مختلفة؛ فهيئة السوق قد ترى فيها الاحتمالين أي غاية لتعميق السوق وزيادة الفرص الاستثمارية فيه ووسيلة مساعدة على إصلاح السوق بتوزيع السيولة فيه وتخفيض مكررات الربحية وتعظيم القيمة والفائدة فيه وتوفر لقطاع الأعمال وسيلة مساعدة للتمويل وأيضا وسيلة للمستثمر لينوع استثماراته ويقلل من المخاطر عليه.

لكن لقطاع الأعمال وجهة نظر مختلفة لمفهوم الغاية والوسيلة فبعض الشركات التي طرحت استهدفت الحصول على تمويل لمشاريعها وهو ما يمثل النظرة الإيجابية للسوق من قبلها بأنه وسيلة للتمويل ولم تستهدف هذه الشركات الإدراج بالسوق إلا بعد أن وصلت لمرحلة الحاجة الماسة للتمويل من هذه القناة الكبيرة.

لكن بعض الشركات وخصوصا التي قامت بعمليات تخارج ووضعت علاوة إصدار إضافية على القيمة الاسمية اتضح بأن نظرتها للسوق لم تكن أكثر من غاية جمعت مبالغ طائلة من الاكتتاب ذهبت لجيوب الملاك ولم توجه للضخ بمشاريع الشركة وتمويل أنشطتها بل ويواجه بعضها خطر الإيقاف الآن بعد أن تعاظمت خسائرها فقد باع ملاكها 30% من الشركة بأكثر من رأس مال الشركة وما زالوا يحتفظون بالحصة الأعظم ولم تتقدم هذه الشركات بأي خطوة تطويرية بأدائها فلم يكن تجهيز الشركة وتهيئتها للاكتتاب أكثر من غاية تنتهي معها الطموحات للملاك المؤسسين حيث إنهم عظموا استثمارهم واسترجعوه بعدة أضعاف من الأموال التي ذهبت لجيوبهم فيما أعطى سعر الشركة ثروة إضافية لهم إذ لم يكن لاستثمارهم تقييم واضح قبل الطرح والإدراج.

لكن المستثمر يرى بالاكتتابات وسيلة لزيادة وتنويع مصادر دخله لكنه يصبح ضحية لهذا النوع من الشركات بعد إدراجها في ظل غياب الشفافية عن واقع الشركة والذي تحول بعضها من شركات رابحة وبأرقام كبيرة في سنوات قليلة جداً إلى حافة الإفلاس فيما يرى بعض المستثمرين المضاربون أن هذه الشركات خصوصا صغيرة الحجم فرصة إضافية لتعظيم ثرواتهم بسرعة وتوسيع لرقعة المضاربة وزيادة بمساحة الحركة بالسوق توفر لهم المجال للاستحواذ على مشاركة أوسع من المتداولين وأحجام السيولة بالشركات التي يسيطرون عليها ويتحكمون بمسار حركتها.

أما وجهة النظر الاقتصادية للأسواق المالية فهي ترتكز على أن السوق هو وسيلة للتمويل والاستثمار لكلا طرفي المعادلة أي الشركات والمستثمرين فإذا كانت أنظمة السوق تتيح لأي منشأة الحق بطلب إدراجها فإن الهدف يكون الحصول على تمويل لمشاريع الشركات مما ينعكس على الاقتصاد بفوائد متعددة وينظم تدفق الاستثمارات لينعكس على دخل المستثمر.

وقد يقول قائل إن بيع حصص الشركات وذهاب الأموال المتحصلة للملاك المؤسسين موجود بكل الأسواق العالمية لكن ذلك لا يعني أن ما يصلح بتلك الأسواق يصلح بالسوق المالي السعودي، فالاقتصاد المحلي ناشئ ويعتمد على إيرادات النفط الثروة الناضبة فكل ريال يدخل للاقتصاد لا يمكن تعظيم فائدته إلا باستثمارات توسع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد وتعظم الإنتاج وتفتح فرص عمل.

ومن هنا تأتي أهمية التركيز بسوق الاكتتابات على أن تكون شركات من صلب القطاعات الأساسية والكبيرة بالاقتصاد وأن تتحول الأموال المتحصلة إلى مشاريع تدعم تنويع مصادر الدخل بالاقتصاد المحلي وترفع من نسبة مساهمة القطاع الخاص فيه والدور المطلوب منه في الخطط الاقتصادية التي تطبقها الحكومة والتي من أهدافها توظيف الشباب السعودي الذي تنفق الحكومة سنويا ربع ميزانيتها لتعليمه وتأهيله بخلاف تقليص الاعتماد على الاستيراد في أكبر سوق عربي من حيث الإنفاق والاستهلاك.

سوق المال هو للتمويل والاستثمار وهيئة السوق وفرت قنوات كبيرة لتمويل الشركات ووضعت أنظمة متطورة لتوفير البيئة الصحية لذلك ولكن لا بد من الاستفادة من الدروس السابقة لكي يبقى السوق وسيلة يستفيد منها الجميع فتبقى علاقتهم بالسوق ذات طابع إيجابي ومستمرة لا تنقطع عند تحقيق الغاية ذات النظرة الضيقة والقصيرة الأجل وإلا انطبقت المقولة الانتهازية الشهيرة الغاية تبرر الوسيلة.