ربما يكون عنوان المقال صادم لمن يقرأه و لكني أتمنى أن كل من ينتهي من قراءة هذا المقال يؤمن بأن التمويل الأصغر له قلب ينبض مثلما أشعر به أنا بعد ممارستي لتلك الصناعة لمدة عشر سنوات .
بدأت صناعة التمويل الأصغر بعزيمة و إيمان و عطف رجل واحد رق قلبه لرؤية تلك النساء الفقيرات التي وقعن فريسة جشع التجار و المرابين فأقرضهن من ماله الخاص مبالغ صغيرة لا تتعدي قيمة القرض الواحد الثلاثون دولار بغرض أن يتحررن من هذا الجشع و يصبحن أكثر قدرة علي إدارة نشاطهن ، وهكذا بدأت الصناعة بفكرة بسيطة حملت بين طياتها الخير كل الخير للنساء الفقيرات لتصل الي ما هي علية الآن حيث تخدم الملايين من فقراء البشرية أغلبهم من النساء .
و أتصور أنه بعد مرور أربع عقود من عمر الصناعة لم تفقد قلبها النابض بالخير ، هذا بالرغم من الإنتقادات الموجهة لها كإرتفاع أسعار الفائدة أو الأساليب المجحفة في تحصيل أقساط القروض أو إغراق العميل بالديون و غيرها من الإنتقادات الموجوده فعلاً و لكن الوجه الحقيقي للصناعة هو أنها تعمل علي تحقيق الهدف الأساسي لها و هو خدمة و مساعدة الفقراء كما أنها تسعى لتحقيق و تفعيل رسالتها الإجتماعية حيث يبذل القائمين علي الصناعة المجهود المضني لمعالجة و تلافي ما يظهر من أخطاء يدفعهم في ذلك حبهم الشديد لعملهم و رغبتهم الأكيده لتحقيق الأهداف الإجتماعية الساميه للصناعة .
إن القلب هو وعاء السمع و البصر و مما لا شك فيه أن من يمارس صناعة التمويل الأصغر سوف يسمع و يبصر الكثير من آلام و معاناة الناس فتلك أرمله تعول أطفالها و تلك عجوز طاعن في السن لا تجد من يعولها و تلك زوجة لزوج مريض تعوله و تعول اطفالها و ذلك رجل رقيق الحال يعمل طول اليوم ليوفر بالكاد قوته و قوت أطفاله و هذا شاب في مقتبل حياته عاطل لا يعمل غلت يده لأنه لا يجد مصدر للكسب و غيرهم الكثير الكثير من قصص عملاء التمويل الأصغر فلكل عميل قصة كفاح طويلة ، إن من يسمع و يبصر تلك المعاناه يرق قلبه حتما ًلمن يعاني .
و لكي لا أطيل في سرد كلام رومانسي دون المناقشة المهنية الواقعية للعلاقة الحقيقية بين مؤسسات التمويل الأصغر و عملائهم فسوف أطرح مثال حدث بالفعل لأحد مؤسسات التمويل الأصغر العربية و هي مؤسسة أندا الوطن العربي التونسيه أثناء أحداث الثورة التونسية فعند سؤال الأستاذه أسماء بن حميده في حوار لها مع موقع البوابه العربيه للتمويل الأصغر هذا السؤال :-
تجلت مشاعر الولاء لعملاء وموظفي أندا أبان الثورة تجاه أندا فقد عملوا علي حماية مقرات المؤسسة في فترة الانعدام الأمني فكيف تحقق للمنظمة أن يكون لها هذا الرصيد من الولاء لدى العملاء و الموظفين ؟
أجابت سيادتها نتيجة سنوات من العمل مع العملاء ومن اجلهم توصلت المؤسسة إلى ربط علاقات وطيدة مع عملائها وموظفيها فكانت هي الرصيد الذي دفعهم تلقائيا إلى المبادرة بمواصلة العمل وحماية الفروع وتجهيزات المؤسسة، ورغم أننا تعرضنا إبان الثورة، مثل بقية المؤسسات، إلى إشاعات وتهم مغرضة، فإن عملائنا وموظفينا كانوا في الموعد لحماية المؤسسة ومقرها الرئيسي وفروعها المنتشرة في كافة المحافظات.
وقد سجلنا في هذا الصدد مبادرات عميلات في المناطق الداخلية يرافقن أعوان القروض في تنقلاتهم لاستخلاص القروض وتكذيب الإشاعات، كذلك قضى عديد الموظفين الليالي الأولى بعد الثورة في فروع المنظمة ومقرها الرئيسي وهذا ما أشعرنا حقيقة بالفخر والطمأنينة أكثر على مستقبل المؤسسة ومستقبل تونس لأن بلادنا اليوم في حاجة إلى أندا أكثر من أي وقت ولذلك نحن في حاجة أكثر لولاء الموظفين والتزامهم .
و من أجل الصور التي أراها تظهر رومانسية صناعة التمويل الأصغر هو تحول ملكية بنك جرامين ليكون ملك المقترضين أنفسهم فالمقترضين الفقراء الذين يتعاملون مع البنك أصبحوا بعد سنوات هم أنفسهم الذين يملكون البنك و وفق النظام الذي ابتكره الدكتور محمد يونس يمكن للمقترض أن يشتري سهماً في رأس مال البنك قيمته عشرة دولارات، وبذلك فإن قروض البنك ساعدت النسبة الكبرى على تملك نصيب في رأس مال البنك يفوق ما تملكه الدولة .
و أخيراً سوف أطرح سؤال للمناقشة و هو لماذا نحتاج أن نتكلم عن رومانسية التمويل الأصغر الآن ؟ و للإجابة علي هذا السؤال أقول أن الصناعة في الوطن العربي في الفتره السابقه تعرضت لهزه شديده بسبب ثورات الربيع العربي ففي اليمن مثلاً تأثرت الصناعة بنسبة 20% و كذلك تأثرت الصناعة في مصر تأثر شديد و الوضع لا يختلف في تونس و مع ذلك ظل القائمين علي الصناعة في الوطن العربي يقاتلون للخروج بمؤسساتهم من تلك الأزمه و بعد هذا المارثون الطويل في المحافظه علي وضع مؤسسات التمويل الأصغر العربية و المحافظة علي استمرارها نحتاج الي ترسيخ الشعور بالحب و الإنتماء الي مؤسساتنا و عملائنا و لهذا نحتاج أن نتكلم في موضوع رومانسة التمويل الأصغر الآن .
ان صناعة التمويل الأصغر ليست مجرد تقديم خدمات إئتمانية للفقراء و لكنها هي أقرب ما يكون بالشعور بإحتياجاتهم و معاناتهم و لهذا فإني أطلقت علي المقال عنوان رومانسة التمويل الأصغر .