ما الذي تغيّر بين زماننا وزمانهم؟!

24/03/2012 7
عبد الحميد العمري

يا للمفارقة الكبيرة جداً بين زماننا وزمان آبائنا وأجدادنا! قد لا يشعر بهذه المفارقة إلا من عاصر الزمنين (القديم الجميل، والحديث المقلق)، فارق زمني يتجاوز الخمسة والثلاثين عاماً. زمنٌ لم يعاصر أهله طوفان التغيرات المتسارعة التي يشهدها عصرنا بصورةٍ تدفع الإنسان إلى خطٍ قريب جداً من الجنون.

زمنٌ كان يخرج فيه الشاب حاملاً ملفّه بحثاً عن وظيفة، لا تأتي صلاة الظهر إلا وقد عاد إلى منزله مبشراً والديه بمسمّاه الوظيفي ومكان عمله الجديد، وبعدها بفترةٍ وجيزة قد يخرج هو ووالده بعد صلاة العصر لشراء سيارة مناسبة تقلّه إلى عمله، وتساعده على قضاء مشاويره في شوارع لا يوجد فيها زحام، ولا ساهر، ولا مفحطون، ولا تحويلات، ولا طرق ممتلئة بالتحويلات والعمّال يستغرق تنفيذها عقودا من الزمن.

وقد تراه في فترة وجيزة لاحقة «عريساً» اقترن ببنت الحلال، ثم عام إلى ثلاثة أعوام وقد تملّك منزله دون أية ضغوط مالية في حياته!

ذكرياتٌ من حملها في ذاكرته وبقي حيّاً إلى يومنا هذا؛ أنا على يقينٍ تام أنَّ من سيتذكرها منهم أنه سيُطلق زفرةً حارّة من صدره! أوّلهم ذلك الشاب أعلاه، الذي هو اليوم متقاعد، يرى أبناءه أو حتى أحفاده، وقد اختلفتْ تماماً عليهم الحياة! فلا صباح يومٍ سيجد ابنه أو حفيده عملاً حتى ولا بعد عدة أعوام، وإن وجد فسيكون تحت سطوة جلادٍ على صدره كرفتة سوداء! ولا سيارة، ولا زواج، ولا منزل، ولا يحزنون! إنه يراهم يتزاحمون مع بقية أقرانهم في طاحونة الزمن الرديء، في عصرٍ لا يمتُّ بصلةٍ بذلك العصر الجميل.

أيُّ غربةٍ هذه التي أصبح يعيشها إنسانُ هذا الزمن؟ أيُّ وحدةٍ مؤلمة هذه التي أطبقتْ على أحلامه وطموحاته؟ أيُّ رحلةٍ للعمر هذه التي دُفع فيها دفعاً تتلاطم به وعثاؤها ذات اليمين وذات الشمال؛ إن من فقر حال، أو قروض، أو ضغوط حياةٍ، إلى أن يدلف إلى قبره.