أحد أسباب تعثر المشاريع الاستراتيجية في الدول النامية أنها تعتمد على أشخاص. ولأن الأشخاص يحصل لهم ما يحصل من مرض ووفاة وتغيير كرسي، فهناك أموال تنفق (في بعض الأحيان) دعما لبعض المشاريع لكنها لا تؤتي ثمارها.
ناهيك عن تولد ثقافة لدى البعض، عندما يعتلي المنصب فإنه يحاول تهميش كل مجهودات من كان قبله!.
فتجد وراء هذه المشاريع أشخاصا يكون لديهم رؤية واضحة لخدمة الصالح العام، وبحكم علاقاتهم وإمكانياتهم الشخصية فإنهم يستطيعون إقناع أصحاب القرار بها، ولذلك يتم اعتماد مشاريعهم والصرف عليها ثقة في هذا الشخص أو الأشخاص القائمين عليها ودعما لهم!.
وعلى النقيض، تتميز المشاريع في الدول المتقدمة بأنها تقدم كخطط مدروسة لمشاريع تكون أهدافها واضحة ولها أنظمة لا تتأثر بغياب شخص أو أشخاص وهذا ما يجعلها تستمر لتحقق أهدافها. وفي هذه الأيام يلوح في الأفق توجه حكومي تقوم عليه وزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية بالتنسيق مع وزارة المالية، لإنشاء صندوق لدعم المشاريع الصغيرة بخلاف ما كان معتمدا (سابقا) من دعم لهذا المجال.
وللأمانة فهذا المشروع له مردود اقتصادي واجتماعي كبير، لأن التوجه الحكومي لدعم المشاريع المتوسطة والصغيرة لا شك أنه محرك تفاعلي متضاعف.. من شأنه دفع عجلة النمو الاقتصادي وزيادة الناتج المحلي والدخل القومي. وقد سبقتنا في هذا المجال «ونجحت تجربتها» فيه دول كثيرة.. مثل ماليزيا والهند وإندونيسيا ومصر وفي بعض الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية وغيرها.
وبالنسبة لنا في السعودية، أرى أن نركز في هذا المجال على حل المشاكل التي كانت وما زالت تعترض نمو وتطور هذه المشاريع، وبعبارة أخرى ليست المشكلة في إيجاد صناديق يرصد لها اعتمادات من الحكومة أو من البنوك التجارية أو يتم إنشاء بنك جديد لدعم المشاريع المتوسطة والصغيرة.
إلا إذا كان إنشاء هذا البنك ضمن منظومة لدعم وتمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة، خصوصا ونحن نشهد حالة من دواعي الصرف على المشاريع الحيوية وبالأخص الواعدة منها، لنمو وتطوير الاقتصاد الوطني وكل ما من شأنه حل ومعالجة المشاكل الاجتماعية كالفقر والبطالة ونقل التقنية والحد من التحويلات النقدية (إلى غير ذلك). حيث لا يعقل أن يكون لدينا وفرة في المال والشباب الباحث عن العمل والمصانع، ونعجز عن دعم وتمويل المشاريع الصغيرة.
فهناك مشاكل تعرقل تنمية وتطوير المنشآت المتوسطة والصغيرة، كهذا التعامل السلبي من قبل مكاتب العمل مع احتياجات صاحب العمل للعمالة!.
والشروط المغلظة التي تنطبق على أرباب العمل بالمنشآت الصغيرة! والتكاليف التي يتحملونها للحكومة ولمكاتب الاستقدام المحلية والأجنبية، حتى يحصلوا على العمالة.. وإن بحثوا عن عمالة محلية، فالشباب الراغب في العمل بحاجة إلى الأمان الوظيفي، لأنه يتطلع لتكوين أسرة لها دخل مستقر، وليس منشأة لا يطمئن على مصيرها ومصيره فيها! كما أنه يريد تأمينا طبيا له ولأسرته، حتى إذا مرض أحد أطفاله أو أرادت زوجته متابعة طبيب أثناء الحمل وعند الولادة، أن لا يقع هذا الموظف في أزمة مالية كيف يتدبر هذه النفقات المالية الضخمة! ناهيك عن تسلط بعض أرباب العمل وعامليه الأجانب على الموظف السعودي الجديد، وما يسند له من مهام لا تتناسب ومسمى وظيفة أو حتى عامل وتوالي أساليب وممارسات «التطفيش» حتى يترك العمل ويقبل بالبطالة بديلا عن هذه الوظيفة! ناهيك عن شح الخبرات في بعض المجالات والعوائق الثقافية لدى المجتمع، مما يجعل الأفراد يحجمون عن المشاريع ببعض المهن.
وفي ذات الوقت تتشدد مكاتب العمل في منح تأشيرات لها، على أمل توظيف عمالة سعودية فيها! وفي الختام: سؤال لوزارة المالية عن سر هذا التحرك والحماس الواضح لهذه الفكرة (مؤخرا)، لدعم توجه الاقتصاد والتخطيط في هذا المسعى، أين كانت وزارة المالية منذ أن كانت الفكرة مطروحة عام 2002م؟