تحقيق الأمن المائي والغذائي يقع على رأس أولوياتنا، ويشكل أهم تحدياتنا التي نواجهها، لذا من واجبنا البدء بإنشاء هيئة وطنية عليا، تعمل على إنشاء المخزون الاستراتيجي الآمن للماء والغذاء
لكل من يحاول إقناع الرأي العام بأن تحقيق الاكتفاء الذاتي في الماء والغذاء ليس من ضمن أهدافنا وأوليات أمننا الوطني، يخطئ خطأ فادحا في حق وطننا ويجني جناية كبرى على مستقبل أجيالنا.
بالمعنى الاستراتيجي المطلق، يحتل الأمن المائي والغذائي أعلى مراتب تحقيق مقومات الأمن الوطني، لأنه يمنح المواطن الحق الشرعي المطلق في الدفاع عن وطنه، الذي منحه الحياة الكريمة والرفاهية الحقيقية. لذا أصبح تراجع الأمن المائي والغذائي في منطقة الشرق الأوسط مرشحا لإشعال ثورات الربيع العربي، خاصة أن أغلب الدول العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها وقوت شعوبها.
وبالمعنى الاستراتيجي النسبي، يتحقق الأمن المائي والغذائي عندما يتم توفير الماء والغذاء لسكان الوطن بما يعادل أو يفوق الطلب المحلي على هاتين السلعتين من خلال تواجدهما الدائم بالأسعار الحقيقية المعقولة.
من الإجمالي العالمي للأمطار، يحصل الوطن العربي على نصيبه الذي لا يتجاوز نسبة 1% فقط، بينما تزيد مساحته على 10% من إجمالي المساحة اليابسة للكرة الأرضية. لذا تواجه الدول العربية عجزا مائيا سنويا يقدر بنحو 261 مليار متر مكعب، علما بأن كمية الأمطار الهاطلة على الوطن العربي تساوي 2238 مليار متر مكعب.
كمية الأمطار التي تهطل على السعودية سنويا تساوي في المتوسط 227 مليار متر مكعب، وتعادل 10 أضعاف احتياجاتنا السنوية من المياه. إلا أننا لا نستفيد من هذه الكمية الضخمة من الأمطار لأن 60% منها يتسرب إلى الأماكن غير الآمنة في جوف الأرض و30% يذهب إلى البحر والباقي 10% تحجزها السدود في مختلف المناطق ليتبخر نصفها. خلال عقد من الزمن تضاعف الطلب على المياه في السعودية 800%، وذلك رغبة من الدولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي لبعض المواد الغذائية، وزاد الاستهلاك المنزلي بمقدار 300% خلال نفس الفترة، بسبب تحسن مستوى المعيشة وزيادة عدد السكان.
أهمية المياه محليا ودوليا تكمن لصلتها المباشرة بالتنمية بوجه عام، وبصلاتها الوثيقة بالقطاع الزراعي بوجه خاص، إلا أن سياسات الدعم الحكومي للقطاع الزراعي كانت وما زالت أحد أبرز الأسباب المؤدية إلى استنزاف المياه وإرهاق الميزانية العامة للدولة الساعية لتوفير مصادر أخرى للمياه.
في العام المنصرم أوضح تقرير البنك الدولي أن معدل موارد المياه المتجددة سنويا في المنطقة العربية يبلغ حوالي 350 مليار متر مكعب، وتغطي نسبة 35% منها عن طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة، إذ يأتي عن طريق نهر النيل 56 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر الفرات 25 مليار متر مكعب، وعن طريق نهر دجلة وفروعه 38 مليار متر مكعب، ومع ذلك فإن متوسط نصيب الفرد العربي السنوي من الموارد المائية المتجددة سينخفض بنسبة 80% إلى 667 مترا مكعبا في عام 2025. وهذا يعني أن الأمن المائى العربي أصبح رهن طبيعة الوطن العربي، حيث تقع 60% من منابع الموارد المائية خارج أراضيه، مما يجعلها خاضعة لسيطرة الدول الأجنبية.
وأوضح التقرير أن إثيوبيا وتركيا وغينيا وإيران والسنغال وكينيا وأوغندا تتحكم بحوالي 60% من منابع الموارد المائية في الوطن العربي، الذي لا يزيد متوسط نصيب الفرد فيه عن 1000 متر مكعب من المياه سنويا. وأكد التقرير أن هنالك 13 دولة عربية، من ضمنها الدول الخليجية، التي تقع ضمن فئة الدول ذات الندرة المائية المتفاقمة باستمرار بسبب الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية وزيادة معدلات النمو السكاني العالية.
في دراسة أعدها المركز العربي للمناطق الجافة وناقشها وزراء الزراعة والمياه العرب قبل عامين، اتضح أن الوطن العربي يملك مخزونا ضخما من الموارد المائية غير المتجددة ويعتبر احتياطا استراتيجيا، ولا يستثمر منه حاليا سوى 5%. كما أوضحت الدراسة أن الاحتياجات المائية المستقبلية مرتبطة بمعدلات الزيادة السكانية في العالم العربي، التي أصبحت بين الأعلى في العالم، حيث من المتوقع أن يرتفع عدد السكان إلى 735 مليون عربي عام 2030 مقابل 340 مليونا في العام الجاري.
أما الأمن الغذائي، فإنه لا يقل خطورة عن تراجع مقومات الأمن المائي. وفقا لبرنامج الأغذية العالمي، هنالك 75 مليون جائع عربي، تزداد نسبة نموهم بمقدار 5% سنويا، حيث ارتفعت واردات الوطن العربي من الغذاء إلى 45% من احتياجاتهم بتكلفة فاقت 47 مليار دولار سنويا.
وعلى المستوى الخليجي، هنالك العجز الغذائي المتفاقم، الناتج عن اختلال التوازن بين زيادة السكان وانحسار الإنتاج، بسبب التصحر وجفاف الطبيعة وندرة المياه، التي أفشلت جميع خططنا الزراعية المحلية، وأرهقت ميزانيات دولنا الخليجية بدعم الأسعار لمواجهة آفة التضخم المستورد.
الدول الخليجية تستورد 100% من احتياجاتها من الأرز و90% من الحبوب و85% من السكر و63% من الزيوت النباتية و60% من الأعلاف و47% من اللحوم. خلال العقد المنصرم، شكلت هذه السلع نحو 76% من قيمة الفجوة الغذائية الرئيسية في الدول الخليجية، وارتفعت تكلفتها بنسبة 27% سنويا لتضاعف مستقبلا مرة واحدة كل ثلاث سنوات طبقا للأسعار السائدة في العام الجاري.
تحقيق الأمن المائي والغذائي يقع على رأس أولوياتنا الملحة ويشكل أهم تحدياتنا التي نواجهها، لذا من واجبنا البدء فورا بإنشاء هيئة وطنية عليا، تهدف وتعمل على إنشاء المخزون الاستراتيجي الآمن للماء والغذاء وتحقيق غاياته، فلا حياة بدون ماء ولا أمن بدون غذاء.
نتظر قلمك وفكرك حول الشهادات الاكاديمية الوهمية واثرها على المجتمع اقتصادياً او اجتماعياً او غيره