ما زالت آليات الرقابة الأساسية المختلفة في الدول العربية بحاجة إلى مزيد من التطوير والتنفيذ الفعلي للأطر القانونية المتوفرة والملاحقة الجدية في قضايا الفساد الكبرى
قبل شهرين أصدرت منظمة الشفافية العالمية تقريرها السنوي لعام 2011م، الذي يحتوي على مؤشر مدركات الفساد في 183 دولة للعام 2011. احتلت غالبية الدول الإسلامية والعربية الجزء الأدنى من المؤشر، بينما حققت الدول الغربية أفضل المراتب في مكافحة الفساد.
في القرآن الكريم تكررت كلمة الفساد 50 مرة، لتشمل كافة صفات الشر ابتداءاً من الكُفر والشرك والنفاق والعُلوِ في الأرض بغير حق إلى قطع الأرحام وإغلاق أبواب الخير وفتح أبواب الشر والإسراف وسفك الدماء والتعدي على حقوق الآخرين وسلبها من أصحابها وضعف الولاء وسرقة المال العام. ومع ذلك جاءت الصومال وأفغانستان وأوزبكستان والسودان والعراق في ذيل قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم، وأخفقت باقي الدول الإسلامية في تحقيق مراكز متقدمة، بينما حققت نيوزيلندا أفضل مرتبة في مكافحة الفساد، تلتها الدانمرك وفنلندا والسويد وسنغافورة والنرويج وهولندا وأستراليا وسويسرا.
منذ 16 عاما فقط بدأت منظمة الشفافية العالمية بإصدار مؤشر الفساد، الذي يضم عناصر التقييس المستمدة من ديننا الحنيف وكتابنا العظيم، والذي يحدد ترتيب دول العالم بناءً على المعلومات الناتجة عن الإحصائيات الموثقة خلال العامين السابقين لسنة الإصدار. جميع هذه الإحصائيات تعتمد على 17مصدرا للبيانات و13 دراسة ميدانية و11 نبذة تاريخية و10 درجات تقيمية.
وتختص هذه العناصر بمدى تطبيق الدول لمبدأ الشفافية وإتاحة المعلومات وقواعد المساءلة ومنع تضارب المصالح ومراقبة تحويل الأموال والحد من البيروقراطية المفرطة في القطاع العام، إلى جانب مدى كفاءة الأجهزة الرقابية والقضائية وقدرتها على تنفيذ الأحكام وحصر الفساد.من الواضح أن الدول الإسلامية والعربية لم تعد قادرة على ضبط الفساد بين المسؤولين ومدى وقوفهم عقبة في وجه الأعمال التجارية، وانخفضت درجة إدراكها للفساد الموجود في أوساط القطاعات الإنتاجية، إضافة إلى أنها لا تمتلك الحد الأدنى من مؤشرات أخلاقيات المهنة.
في معاجم اللغة، تم تفسير الفساد بأنه عكس الإصلاح، لأنه نوع من اللهو واللعب وجنيّ المال ظلماً والعلو في الأرض دون وجه حق، ولكونه انحرافا وتدميرا للنزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال المحاباة والمحسوبية. لذا اختصت منظمة الشفافية العالمية بنوعين من الفساد المتفشي بين الدول: الفساد الإداري الناتج عن إساءة استخدام السلطة في القطاع العام لأهداف غير مشروعة كالرشوة والابتزاز والاختلاس والتقاعس في أداء الواجبات، والفساد المالي الناتج عن جرائم المؤسسات والشركات في القطاع الخاص مثل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام القانونية التي تحكم سير الأعمال.
كما جاء في القرآن الكريم قبل أكثر من 14 قرنا، أقرت المنظمة منذ إنشائها في عام 1993 بالنتائج الخطيرة للفساد، التي تؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. الفساد هو السبب الرئيس للفقر والجوع والمرض والحرمان وتعريض حقوق الإنسان للإنكار والضياع وتشويه التجارة المحلية والدولية، مما يؤدي إلى تهديد الأمن الوطني والدولي وديمومة المصادر الطبيعية.
في بداية التسعينات أكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الفساد هو نتيجة قصور في أداء الحكومات في المجالين العام والخاص، مما أضعف الجهود المبذولة للحد من نتائجه الوخيمة وتحقيق الأهداف الإنمائية في الدول وتعزيز التنمية البشرية وأمن الإنسان. ونظراً لاعتبارها من المنظمات السبّاقة إلى تطوير وتنفيذ برامج متخصصة لمعالجة الفساد وكبح عناصره، تواصل برامج الأمم المتحدة في دورها القيادي لتقديم المساعدة الفنية في مجال مكافحة الفساد، وذلك ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
ضعف مكانة العالمين العربي والإسلامي في مكافحة الفساد وتراجع مرتبتها في مؤشر الشفافية العالمي أصبحا من أهم تحديات التنمية البشرية، وذلك لتأثيره السلبي على مسيرة الإصلاح في هذين العالمين. ولعل الربيع العربي يؤكد أن عواصف التغيير والتطوير بدأت في اجتياح الدول التي لا تؤمن بالإصلاح وتتراجع في التنمية، لا سيما في ضوء ما أنتجته الاحتجاجات العارمة من ضغط كبير باتجاه مكافحة الفساد الذي يعد من أهم أسباب استياء الشعوب العربية.
من أصل 57 دولة إسلامية و22 دولة عربية التزمت 33 دولة فقط بتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، 15 دولة منها أصدرت سلسلة من الإصلاحات القانونية الهادفة إلى الوقاية من الممارسات الفاسدة ومعاقبة مرتكبيها، و18 دولة بادرت بإنشاء هيئات متخصصة لمكافحة الفساد، وتعزيز قدراتها القانونية لملاحقة المفسدين وتطبيق العقوبات الصارمة بحقهم. إلا أن هذه الدول مازالت تعاني من الفجوات العديدة على صعيد الأطر التنظيمية والقدرات الفنية، التي تحدّ من قدرة الأجهزة الرقابية على التصدي الفعّال للفساد. وما زالت آليات الرقابة الأساسية المختلفة في الدول العربية بحاجة إلى مزيد من التطوير والتنفيذ الفعلي للأطر القانونية المتوفرة والملاحقة الجدية في قضايا الفساد الكبرى.
على الدول العربية أن تبدأ فوراً بتأسيس هيئآتها الوطنية وتنظيم أجهزتها القضائية بمشاركة فعالة من مجتمعاتها المدنية وتعزيز الحوكمة الرشيدة في قطاعاتها الإنتاجية مع التركيز على تطبيق مبدأ الشفافية. بل على الدول الإسلامية أن تثبت للعالم أجمع بأن ديننا الحنيف كان سباقاً في مكافحة الفساد ووضع ملفه على قائمة أجندة العالم من خلال شريعتنا السمحاء التي سبقت الأمم المتحدة ومنظمة الشفافية العالمية في اجتثاث هذه الآفة الخطيرة كعقبة رئيسة للتنمية.
للحد من علو المفسدين في الأرض بغير حق، نحن في أمس الحاجة لتطوير وسائل مكافحة الفساد والعمل على تنفيذ أحكامها بصرامة شديدة.
ايوه هنا مربط الفرس اللي ذكرته في اخر الموضوع شريعتنا (السمحاء)الغالبية الساحقة من المسلمين فاهمين الكلمة غلط وهذا الفهم مترسب في عقلهم الباطن وانه افعل كل ما تريد فالله غفور رحيم والتشديد المتكرر على مسألة الصلاة فاصبح الدين عند المسلم الالتزام الشكلي بالطقوس اما المعاملة التي هي الدين الحقيقي فالمسألة فيها سعة.
قال الله تعــالى : ( ولكم في القصــاص حيــاة يا أُلي الألبــاب ) ؟!؟!؟ فالقصــاص ... ليس فقط قــتل القـــاتل ؟!؟! بـل يتعداه إلى ... تطبيق ما أمــــر الله به ونهــى عنـه في الأمـور كلــــها ؟! ، وعلى النـاس كلــــهم ؟؟؟!!!!
في الصميم..رجاءًشنواحملات متواصلة ضدالفسادبكل اشكاله