الدول الخليجية تعمل على تخصيص صناديق تمويلية لدعم المجالات المحتاجة للتمويل. كصندوق التنمية الصناعي والزراعي والعقاري والتسليف والادخار.. وكلها صناديق تهدف إلى تنمية قطاعات حيوية تعود بالنفع على الوطن والمواطن في الحاضر والمستقبل. وسؤالي: ما الاستراتيجية التي يتم انتهاجها لإنشاء مثل هذه الصناديق؟! وحسبي بأن حاجة المجتمع والجدوى الاقتصادية هي الفيصل في ذلك.
قابلت أحد هواة جمع القطع الأثرية المختلفة الذي ملأ بها جدران ومداخل وأسقف منزله. ما بين مخطوطات وطوابع وأسلحة قديمة وقوارير وأوان وصور وأدوات طبخ أثرية وأجهزة راديو ومسجلات وبكمات وأسطوانات قديمة إلى غير ذلك من الأثريات.. بعضها شبه جديد وبعضها في حالة جيدة، وبعضها أجري عليه عمليات صيانة. وأعرف عن هذا الرجل أنه من المداومين على متابعة ما يُعرض بحراجات الخردة المحلية والخارجية لينتقي منها ما هو أثري. سألته بنوع من المداعبة: هل ما يقوم به نوع من المهن، أم ليتكسب منه، أم أنها مجرد فتنة؟! فقال إن جميع ما قلته مجتمع فيه، لكن أكثر ما يجذبه لها هو الهواية، ثم سألته: هل ما قام بجمعه حتى الآن يستحق أن يقيم له معرضا يطوف به مناطق المملكة أو حتى دول العالم؟ فقال: إنه جعل من بيته معرضا يأوي إليه المهتمين بالآثار من المسؤولين والباحثين والأكاديميين وهواة جمع القطع الأثرية. وتحدث كثيرا عن هذه المهنة وهواتها وذكرني بمتحف المهندس موسى عبد الكريم، المعروف بـ«متحف قلعة موسى» في مدينة بيت الدين على جبال الشوف بلبنان. لكن المفاجأة أن صاحبنا تعلل بصعوبة الحصول على التمويل.
وسؤالي هنا: لماذا لا يكون هناك صندوق يخصص لدعم رواد مثل هذه المشاريع، عوضا عن المجهودات التي تقوم بها هيئة السياحة لتدبير القروض لأصحاب المشاريع السياحية؟! فمثل هذا الصندوق يعول عليه ليشمل دعم وتمويل مختلف أنواع المشاريع السياحية، ليكون له نظام واضح كما هو الحال ببقية الصناديق الحكومية التنموية. (وبالطبع) ليس بالضرورة أن يكون حجم رأسمال هذا الصندوق بحجم رأسمال الصندوق العقاري أو الصناعي. المهم أن يلبي احتياجات الهواة والمستثمرين في مجال السياحة والآثار.. فالمال هو عصب التنمية في جميع المجالات، كما أنه عصب الحياة (كما يقال). ولو دققنا النظر في أهمية إنشاء صندوق للتنمية السياحية، لوجدنا الكثير من الفرص السياحية المرشحة لتكون نواة مشاريع كبيرة. التي يقع بعضها في مناطق ريفية لا يقدر أهلها على إقامة مشاريع سياحية تستغل هذه الفرص والمعطيات.
والذي ينبغي ملاحظته، أنه لا يكفي وجود هيئة عامة للسياحة والآثار. لأن معوقات التنمية السياحية تبدأ من الدعم الفني لأصحاب الأفكار في صورة استشارات. ومن ثم الدعم المالي لمن يحتاج للتمويل، يلي ذلك التسهيلات المختلفة لدى الجهات المعنية بإنشاء وتشغيل المشاريع السياحية المختلفة. وبطبيعة الحال هناك الكثير من الجهات المعنية بدعم التنمية السياحية.. كالبلديات والنقل والطيران والجوازات والأرصاد والتعليم وغيرها.
وختاما.. فإنني أهيب بالجهات المختصة وفي مقدمتها مجلس الشورى الموقر، النظر في دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروع صندوق دعم وتمويل المشاريع السياحية والآثار. فهذا الصندوق سيوفر للمستثمر السياحي ولذوي ملكات التفكير الإبداعي في مجالات السياحة والآثار التمويل اللازم لإقامة مشاريعهم. وبما يسهم في إيجاد فرص وظيفية للشباب السعودي الراغب في مختلف المجالات السياحية. وسيوفر للاقتصاد المحلي مصدر دخل استراتيجيا في الحاضر والمستقبل. إضافة إلى تطوير مهنة وقطاع السياحة المحلية والمساهمة في عملية تدوير رأس المال المحلي.