تدني الإنتاج في القطاع الحكومي مقارنة بالقطاع الخاص ظاهرة معروفة على مستوى العالم أجمع، لكن هذه الظاهرة ترتفع نسبتها في المملكة مقارنة بالدول المتقدمة، والتسيب الوظيفي أيضا ظاهرة واضحة في الأجهزة الحكومية وليس جديدا الحديث عنها، ونتج ذلك في تقديري بسبب الوضع الروتيني والنمطية التقليدية المعمول بها حاليا لمعرفة الانضباط الوظيفي، حيث يُطالب الموظف بالحضور إلى مقر عمله وتواجده (بدنيا) طوال ساعات العمل، مع إغفال تام لمعايير قياس الإنتاجية والأداء والإتقان والجودة، في ظل وضع روتيني ونمطية تقليدية معمول بها حاليا لمعرفة الانضباط الوظيفي، كما أن الأعداد المتزايدة من العاملين في الجهاز الحكومي تشكل ضغطاً كبيراً على فعالية الأداء الإداري بشكل عام، بسبب كون التوظيف في حالات متعددة يخضع لاعتبارات اجتماعية وليس لاعتبارات فنية تقوم على الكفاءة، مما جعل العمل الإداري في القطاع العام في وضع صعب لأنه مترهل ومبعثر وقليل الكفاءات، أو طارد للكفاءات التي تهاجر منه متجهة للقطاع الخاص، والجهاز الإداري الحكومي كذلك كأي جهاز حكومي في أي دولة نامية، تتفشى فيه ظواهر سلبية كثيرة منها، البيروقراطية الإدارية، والروتين الإداري، وضعف الولاء الوظيفي لدى الموظفين، وجميع أنماط الفساد الإداري الأخرى كاستغلال الوظيفية، والمحسوبية، وإهمال المصلحة العامة، وسرقة وهدر المال العام، وليس خفيا القول أن المواقع الإدارية العليا أصبحت مطمحا - لمن لا ترده نفس زكية وأمانة مهنية وشعور وطني- بهدف تحقيق ثروة مادية والتمتع بامتيازات رفيعة، وترتب على ذلك فشل أو ضعف أداء الأجهزة الموكل إليها خدمة الناس عن القيام بوظائفها بالشكل المطلوب، مما يكون له عادة انعكاسات سيئة وغير مطلوبة بل وخطيرة أحيانا على مختلف نواحي الحياة في المجتمع.
هناك مشاكل وسلبيات متعددة يعاني منها الجهاز الإداري الحكومي في الدولة خلال عملية إدارته للشأن العام بمجالاته المختلفة، وهو ما يتطلب التطوير والإصلاح واستهداف هذه المشاكل والظواهر السلبية، ولعل في مقدمة هذه المشاكل الابتعاد عن تطبيق قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب حيث يتم إسناد بعض المناصب الإدارية إلى عناصر غير كفوءة مع اعتماد معايير ضيقة وغير مهنية في ذلك، ولنا أن نتصور النتائج الوخيمة المترتبة على ذلك مع شيوع الممارسات الإدارية الخاطئة في الجهاز الإداري وخاصة تلك المرتبطة بقضايا التعيين وعدم وضع إجراءات مهنية وسياقات إدارية جديدة لمعالجة ظاهرتي الروتين والبيروقراطية، إلى جانب عدم اعتماد برامج فعالة للتنمية الإدارية لدى القيادات الإدارية العليا، مع شيوع النزعة التسلطية لدى هذه القيادات وإهمالها أسلوب إشراك العاملين في المؤسسة الحكومية في وضع الخطط والبرامج المطورة للعمل الإداري.
إن الإصلاح الإداري ليس هدفاً بحد ذاته، لأن الهدف منه وجوهره هو تقديم خدمة للمواطن بمستوى جيد وبتكلفة قليلة وضمن زمن قياسي، غير أن هناك متطلبات أخرى لعملية الإصلاح الإداري تتمثل في تعديل وضع القطاع العام من خلال إعداد موازنات حقيقية كاملة ومعبرة عن الواقع، وتشديد المحاسبة والرقابة على الأداء الوظيفي، والتصدي المهني لجميع أنماط الفساد الإداري والمالي، إعادة النظر في منظومة الأجور والرواتب والمكافآت، وإعداد وتأهيل وتطوير النواحي المهنية لجميع الموظفين العامين، وحتى ينجح الإصلاح الإداري لابد من التأكيد على موضوع التدريب بحيث يؤدي تطوير الإمكانات والقدرات الذاتية للعاملين في الجهاز الإداري إلى زيادة الكم المعرفي لديهم.
وإذا كان القول صحيحا بأن الإصلاح الإداري يتداخل معه الإصلاح السياسي والاقتصادي ولا قيمة له دونهما، وانه لا بد من رؤية سياسية وإرادة سياسية داعمة لذلك، فانه خلال السنوات العشر الأخيرة، يلاحظ توقف مسيرة تحديث الجهاز الإداري الحكومي المحلي أو أن هذه المسيرة أصبحت تمشي ببطء واضح، الأمر الذي أدى إلى إرباك أداء القطاع وأجهزته الإدارية المختلفة وعجزه بالتالي عن القيام بواجباته بالفاعلية المطلوبة، وإذا أخذنا نشاط (اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري) التي حلّت محل (اللجنة العليا للإصلاح الإداري) التي تم إنشائها في أواسط الثمانيات الهجرية – الستينات ميلادية - من القرن الماضي لإعادة تنظيم الجهاز الإداري للدولة وتبسيط الإجراءات في الأجهزة الحكومية، سنلاحظ أن نشاطها انحصر فقط في تنظيم وهيكلة الأجهزة الحكومية، دون الدخول في تطوير كفاءة أجهزة الدولة، أو تعديل الإجراءات، أو تطبيق ما يضمن منع التسيب والبطالة المقنعة، واتخاذ إجراءات تسهل عمل الوزارات الخدمية التي لها مساس مباشر بخدمة المواطن.