التنافسية... لا تتحقق بالأحلام فقط

31/01/2012 0
د. فواز العلمي

مكانتنا الفريدة كأكبر مُنتج ومصدِّر للنفط في العالم؛ أَمْلَتْ علينا أن نتحمل مسؤولياتنا بجدارة تجاه الاقتصاد العالمي. اليوم نعتز بقوة اقتصادنا الذي قفز للمرتبة الـ18 بين أكبر اقتصادات الدول في العالم، لندخل بجدارة في مجموعة العشرين، وتكتمل عضويتنا في المنظمات الدولية

مؤتمر التنافسية العالمي الذي عقد قبل أيام في العاصمة الرياض، أثبت مجدداً أن السعودية تعيش اليوم أكثر الفترات ديناميكية وأشدها منافسة في تاريخها الحديث. تحرير التجارة وشيوع مفاهيم العولمة وثورة المعلومات والاتصالات والامتداد الدولي للتمويل، أدت جميعها إلى ترابط الأسواق العالمية ودفعت أسواقنا لاتخاذ خطوات نوعية جريئة وبوتيرة متسارعة لتطوير سياساتنا الاقتصادية ورفع قدرتنا التنافسية.

مكانتنا الفريدة كأكبر مُنتج ومصدِّر للنفط في العالم؛ أَمْلَتْ علينا أن نتحمل مسؤولياتنا بجدارة تجاه الاقتصاد العالمي. ولكوننا من أكبر الدول المساهمة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أصبحنا جزءاً مهماً من منظومة الأسواق العالمية وعضواً فعّالاً في المؤسسات والمنظمات الدولية. ولأن اقتصادنا الوطني يعتبر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، أصبحت قطاعاتنا الخدمية تنعم بالنشاط والحيوية وباتت تجارتنا المتكاملة والمندمجة تتصدر المراتب المتقدمة على صعيد التجارة العالمية.

في خضم هذه المزايا والمعطيات، حددنا لأنفسنا هدفاً طموحاً واضحاً لكي نتمكن من التكيف مع المتغيرات العالمية بنجاح، دون التخلي عن عاداتنا الموروثة وشمائلنا القيمة.

خلال العقد الماضي عكفنا على تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي متكامل وهيكلة إدارية شاملة، تتمتع بإستراتيجيات تنموية مرنة لكي تكتسب صفة الديمومة، وتتلخص في تنفيذ الآليات الأساسية التالية:

أولاً: تسريع عملية صنع القرار من خلال تعديل النهج التقليدي بما يتفق مع الوتيرة المتسارعة للأحداث العالمية، لذا بادرنا بإنشاء العديد من الهيئات التنظيمية والأجهزة المتخصصة ودعمها بالصلاحيات اللازمة لتسريع عملية صنع القرار، مثل المجلس الأعلى للبترول والمعادن، والمجلس الاقتصادي الأعلى، والهيئة العليا للسياحة، والهيئة العامة للاستثمار، وهيئات سوق المال والغذاء والدواء والاتصالات وتقنية المعلومات.

ثانياً: تنويع وتوسيع القاعدة الاقتصادية من خلال تشجيع النمو الحقيقي في الصناعات التي تتمتع بالقدرة التنافسية والقيمة المضافة العالية. اليوم نفتخر بأن قيمة صادراتنا غير النفطية تضاعفت خلال السنوات الخمس الماضية لتحقق نمواً صافياً بنسبة 22% في العام الماضي بعد تصديرها لأسواق 122 دولة، واقتربت من الاستحواذ على 15% من حصة السوق العالمي في البتروكيماويات. هذا بالإضافة إلى تفوقها في نسبة توطين الوظائف القيادية والفنية لتفوق نسبة 88%.

ثالثاً: تعزيز دور القطاع الخاص من خلال تشجيعه على الاستثمار والمشاركة في إدارة وتنفيذ كافة الأنشطة الاقتصادية. ولعل القرارات الإستراتيجية المتخذة بتخصيص 20 منشأة حكومية رئيسية؛ حققت أهدافها في تطوير قطاعات الاتصالات والبريد والموانئ والطيران المحلي والتعليم، إضافة لتوليد وتوزيع الطاقة الكهربائية ومعالجة مياه الصرف الصحي وتحلية المياه والسكك الحديدية. ولتحقيق الهدف الأمثل من هذا التخصيص؛ فتحت السعودية 211 قطاعاً فرعياً أمام تدفق الاستثمارات، ودعمتها بالسياسات التجارية والأنظمة واللوائح التنفيذية لتحقيق مصالح المستهلكين وتعزيز المنافسة العادلة.

رابعاً: إيجاد مناخ استثماري مواتٍ من خلال إنشاء الهيئة العامة للاستثمار، التي تهدف لتنظيم استقطاب المستثمرين ونقل التقنية والاستفادة من الخبرات وتعزيز فرص التبادل التجاري وتوطين الوظائف.

بادرت الدولة باختصار "القائمة السلبية" للاستثمار وإزالة العوائق التي كانت تعترض سبل النفاذ للأسواق وإصدار 42 نظاماً جديداً، مما أدى الى تحسين كفاءة أدائنا والقفز بتصنيف بيئتنا الاستثمارية من المرتبة 67 إلى 11 بين دول العالم. هذه الأنظمة واللوائح عالجت سلسلة واسعة من القضايا، التي شملت التثمين الجمركي وتراخيص الاستيراد والعوائق الفنية أمام التجارة والتدابير الصحية والصحة النباتية ومكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والحماية الوقائية ومراقبة شركات التأمين التعاوني، والمختبرات الخاصة المعتمدة وحماية حقوق الملكية الفكرية، مما أهَّل اقتصادنا الوطني لاستحقاق التقدير السيادي المميز من الهيئات الدولية المستقلة.

لاستقبال النمو الجوهري المتوقع في تدفق الاستثمار؛ عكفت الدولة على إجراء توسعة طموحة في المدن الصناعية بالجبيل وينبع ورأس الخير، وبدأت بإنشاء أربع مدن اقتصادية في رابغ وحائل والمدينة المنورة وجازان، وذلك للتأكيد على هدف تحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة. وواكب هذه الإجراءات إنشاء الجسر البري لتسهيل نقل الثروات المعدنية إلى منابع الطاقة ومنافذ التصدير.

خامساً: تعزيز تكامل واندماج الاقتصاد السعودي في الاقتصاد العالمي من خلال اكتساب عضوية منظمة التجارة العالمية، فأصبحنا نشارك بفعالية مع أقراننا من الدول النامية في صياغة الاتفاقات الدولية وتحييد عشوائية العولمة، وذلك ضماناً لمصالحنا الاقتصادية وتحقيقاً لأهدافنا التنموية، لذا تتصّدر تجارتنا اليوم قائمة أكبر دول العالم في حجم التجارة الخارجية التي فاقت نسبتها 70% من ناتجنا المحلي، وتفتخر صادراتنا الوطنية بتحقيق المركز 12 ووارداتنا المركز 16 بين أكبر دول المعمورة في حجم الصادرات العالمية. وبجدارة تربعنا اليوم مركز الصدارة في حسن إدارة خدماتنا المالية وتحقيق الملاءة الائتمانية المميزة التي منحتنا تصنيفاً سيادياً عالمياً مرموقاً على سلم التقديرات الدولية.

اليوم نعتز بقوة اقتصادنا الذي قفز للمرتبة الـ18 بين أكبر اقتصادات الدول في العالم، لندخل بجدارة في مجموعة العشرين، وتكتمل عضويتنا في المنظمات الدولية، وتقدمنا المميز في القدرات التنافسية لنصعد خلال 5 سنوات من المرتبة 67 إلى المرتبة 11 بين 183 دولة في العالم. اليوم نواصل تصّدرنا المرتبة الأولى بين الدول العربية ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في استقطاب الاستثمار وتدفق الصادرات. واليوم نواصل تقدمنا للمركز الخامس بين 135 دولة في أسرع دول العالم بمقياس "التنمية البشرية"، وذلك نتيجة لما حققناه من إنجازات في مجالي الصحة والتعليم.

التنافسية على المراتب العليا.. لا تتحقق بالأحلام فقط.