المراجعة الداخلية .... مهنة المتاعب... !!

21/01/2012 8
د . جمال شحات

ما بال الزمان يضن علينا برجال ينبهون الناس ويرفعون الالتباس ويعملون بعزم ولا ينفكون حتى ينالوا ما يريدون .... !!

كلما قرأت هذه المقولة للعلامة الكواكبى اعتقدت انه كان يقصد المراجعين والمدققين وذلك لأسباب عديدة منها ان من اهم متطلبات العمل الوظيفى للمراجعين والمدققين انهم اصحاب همة عالية لابد من ان تتوافر هذه الصفة فيهم بالاضافة الى الاستقلال والحياد ..!!

أتذكر بداية عملي المهني عندما تخرجت من الجامعة فى اوائل ثمانينيات القرن الماضى وبدأت اشق عملى المهنى فى احد اكبر المكاتب العالمية آنذاك وجاءت نصيحة مدرائى باننى اخترت طريق شاق وعمل صعب ووظيفة تحتاج الى الهمة العالية والسعى المستمر والانصاف والحياد والاستقلالية والرغبة العارمة فى فى المعرفة والاستزادة فى العلم ووسط اجواء مهنية لا ابالغ اذا قلت انها شديدة القسوة مع قلة العائد فى احيان كثيرة ..!!

بل إن نصيحتهم كانت اننى باختيارى هذا القطاع كنت كمن انخرطت فى سلك الجندية أو التحقت بالجيش من ناحية الصرامة واتباع القواعد الحاكمة التى لا تسامح من يتبع مسارا غير المسار او يسلك طريقا غير الطريق ..!!

وخلال مسيرتي المهنية واجهت العديد من العقبات والكثير من المشاكل – وليس وحدى – وانما كل زملائى فى المهنة ومع ذلك لم ازدد الا حبا فيها وتمسكا بها ..!! ان العمل فى قطاع المراجعة الداخلية بالشركات والمؤسسات له من التداعيات اكثر مما لقطاع المراجعة الخارجية حيث تصطدم بالكثير من الاهواء والرغبات للعديد من مدراء الادارات والاقسام ممن لا يعجبهم من يصحح مسارهم أو يلفت الانتباه الى اخطائهم بل واحيانا خطاياهم ..!!

بل الأدهى والأمر انك تصطدم احيانا باصحاب القرار ومدراء الشركات ورؤسائها التنفيذيين والذى من المفترض ان تكون اداة من ادواتهم لاستكمال النجاح المحقق فى شركاتهم بوجود ادارة المراجعة والرقابة الداخلية والتى تمثل السلطة الرقابية التى تلفت الانتباه الى الاخطاء وحدوثها بل وتصحيحها ووضع السبل والطرق لتصحيح مسار الشركة ..!! فإذا بالمراجعين الداخليين هم اعداء الجميع حتى من كنا نظن أننا عونا لهم على تحقيق النجاح ووضع النقاط على الحروف كما يقولون ..!!

ولعل ما حدث إبان الأزمة العالمية من الأخطاء الرقابية التى ارتكبت من قبل العديد من المؤسسات المالية العملاقة ضاربة بعرض الحائط بأبسط قواعد الرقابة وإجراءات الضبط الداخلي مما ترتب عليه انهيار العديد منها في مشهد بالغ السوء – وللحق – فقد شاركت بعض الجهات الرقابية فى هذه الأزمة نتيجة عدم التزامها بقواعد واجراءات الرقابة والضبط الداخلى فقد ترتب علي ذلك انهيار او فشل او عدم اكتشاف العديد من المشاكل والاخطاء والاختلاسات او الانحرافات ..!!

وبالرغم من ذلك فقد كنت احدث نفسى واقول انك تحب هذه المهنة ولابد من ان يجىء يوم تنصفك المهنة بعد ما يجاوز خمس وعشرين عاما فى العمل فى قطاع المراجعة والرقابة ..!! لم يتسرب اليأس إلى نفسى ولم يخفت الامل فى قلبي خلال هذه المدة الطويلة بالرغم من المؤشرات السلبية التى كانت تقف فى طريقى المهنى ولم ازدد مع الايام الا يقينا بان اشتداد الظلام دليل على اقتراب الفجر وانه لا يصح الا الصحيح وان التعب فى الطريق الصحيح حتما يوصلنا الى النتائج المأمولة والاهداف المرغوبة ..!!

أهيب هنا ومن هذه المقدمة باخوانى زملائى فى مهنة المراجعة والتدقيق إلا تفقدوا الامل بعظمة مهنتكم والا تفقدوا الرغبة فى التمسك باواصر المهنية والمعايير السليمة ..!! أهيب بكم والفت انتباه الرؤساء التنفيذين والمدراء واصحاب القرار بان اهمية المراجعة الداخلية فى منظماتكم وشركاتكم ومؤسساتكم مهما كانت النفس لا تحب والقلوب لاترغب والهوى لا يميل ..!! أهيب إلى مراجعي العالم وخاصة مراجعى وطننا العربى الكبير ... انتبهوا الى رسالتكم المهنية ولا تجعلوا احدا يقف فى طريق ادائها .. انتبهوا أيها السادة فالمهمة عظيمة ...!! فلقد ابينا ان نحملها ويالها من رسالة عظيمة سيأتى زمان لابد اننا سنقدر من قبلهم على اننا حملناها ..!! فمهمتنا إزالة الالتباس والعمل بعزم .. ومرحبا بمهنة المتاعب بالرغم من كل المتاعب ..!!