في إعلان مهم دعت وزارة التجارة الشركات إلى الالتزام بإيداع قوائمها المالية عبر برنامج الإيداع الإلكتروني "قوائم"، وهنا نقاط تستحق المناقشة بعمق، فالمادة الـ 16 من نظام الشركات الجديد الذي صدر عام 1443هـ، حدد السنة المالية للشركة بـ 12 شهرا، وفي المادة الـ 17 شدد النظام على ضرورة الاحتفاظ بالسجلات المحاسبية والمستندات المؤيدة لها لتوضيح أعمال الشركة وعقودها وقوائمها المالية، وأن يتم إعداد قوائم مالية للشركة في نهاية كل سنة مالية وفق المعايير المحاسبية المعتمدة في المملكة، وإيداع هذه القوائم وفقا لما تحدده اللوائح خلال ستة أشهر من تاريخ انتهاء السنة المالية، لقد منحت الوزارة ستة أشهر لإيداع القوائم المالية وهي مدة طويلة، مقارنة بما حددته هيئة السوق المالية بثلاثة أشهر فقط للشركات المدرجة حتى تعلن نتائج أعمالها وقوائمها المالية، وهناك سؤال تجريبي لا يهدأ في عالم مراجعة القوائم المالية، وهو السؤال عن محددات هذا التوقيت، بمعنى آخر، ما الذي يجعل الشركات تلتزم بالتوقيت أو تفشل في ذلك؟، وقبل الإجابة عن هذا السؤال أو مناقشته، فإن إعلان وزارة التجارة برر دعوته للشركات بضرورة الالتزام تحقيقا لمبادئ الحوكمة والشفافية بين الشركات والجهات الحكومية ذات العلاقة وجهات التمويل والمساهمين والمستثمرين، والحقيقة أن المسألة تعود إلى جودة المعلومات المحاسبية، التي تؤثر بشكل جوهري في جودة قرارات المستخدمين لهذه المعلومات. وجودة المعلومات المحاسبية تراعي التوقيت المناسب، بأن يتم نشر المعلومات في القوائم المالية في توقيت مناسب للمستخدمين، وبالتأكيد فإنه كلما كان نشر هذه المعلومات أقرب إلى نهاية السنة المالية "أي بعدها فورا" كانت جودة المعلومات أكثر مع بقاء العوامل الأخرى كما هي، ولذلك فإن السؤال يأتي حول تحديد ستة أشهر، ذلك أن هذا الوقت الطويل منذ نهاية السنة المالية يحد من جودة المعلومات المحاسبية. من ناحية أخري، نجد عديدا من المواعيد المختلفة بحسب الشركات، وفي إعلان "التجارة" مثلا نجد أنها أكدت إيداع القوائم المالية للشركات المساهمة المقفلة أو ذات المسؤولية المحدودة، خلال الفترة النظامية للإيداع والمحددة نظاميا بأربعة أشهر للشركة ذات المسؤولية المحدودة من نهاية السنة المالية، وقبل تاريخ انعقاد الجمعية العامة بـ 15 يوما للشركة المساهمة المقفلة التي تنعقد خلال ستة أشهر من نهاية السنة المالية. وفي المادة الـ 167 من نظام الشركات يعد مدير الشركة عن كل سنة مالية القوائم المالية للشركة وتقريرا عن نشاطها ومركزها المالي عن السنة المالية المنقضية واقتراحاته في شأن توزيع الأرباح، إن وجدت، ويضع المدير هذه الوثائق تحت تصرف مراجع الحسابات "إن وجد" قبل الموعد المحدد لانعقاد الجمعية العامة في اجتماعها السنوي بـ 45 يوما على الأقل، بينما تنص المادة الـ 165 على أن تنعقد الجمعية العامة للشركاء بدعوة من المدير أو المديرين وفقا للأوضاع التي يحددها عقد تأسيس الشركة، على أن تنعقد مرة على الأقل في السنة خلال الأشهر الستة التالية لنهاية السنة المالية للشركة، ويفهم من هذا كله أن هناك أربعة أشهر ونصف هي الوقت الأقصى لإنهاء القوائم المالية من قبل إدارة الشركة، لذلك أتساءل عن الأربعة أشهر التي أشار إليها إعلان وزارة التجارة.
الشائع هو ثلاثة أشهر من نهاية السنة المالية، وتشير دراسات عديدة إلى أن المتوسط يشير إلى 70 يوما من نهاية السنة المالية، وهناك كثير من الشركات تستطيع إنهاء قوائمها المالية خلال أقل من شهر من نهاية السنة المالية، ولم تجد الدراسات علاقة حاسمة في هذا وفقا لحجم الشركات، فالشركات الأكبر حجما قد تنتهي أسرع من الشركات الأقل حجما، وهذا يعود إلى أن الشركات الأكبر حجما تستثمر بشكل جيد في تصميم أنظمة محاسبية جيدة مع وجود مهنيين متميزين لديها في هذا الشأن ما يمكنها من إنهاء قوائمها المالية وتسليمها للمراجع مع نهاية السنة المالية مباشرة، كما أن لديها أنظمة رقابة جيدة تجعل المراجع الخارجي أكثر ثقة بما تحتويه القوائم المالية من إفصاحات، وقلما يحدث بين المراجع وهذه الشركات خلاف على شكل التقرير. لكن كلما قلت استثمارات الشركات في نظم محاسبية جيدة وممارسين على قدر كبير من المهنية تراجعت جودة التقارير المالية ونتج عن ذلك تأخير في إصدار القوائم، والسؤال المهم بعد كل هذا، هل منصة قوائم تسهم في معالجة مثل هذا الضعف؟ بمعنى أنها تجعل الشركات أفضل حالا في آليات إعداد قوائمها المالية ومراجعة تلك القوائم، الحقيقة أنا لم أقف على دراسة واحدة بهذا الشأن لا من الوزارة ولا من خارجها، ما يضعنا في جانب غير صحي بشأن تقييم ما أسهمت به منصة قوائم في جودة القوائم والمعلومات المالية.
هناك أدلة من جوانب عدة، ومنها زيادة التظلم من قرارات هيئة الزكاة والضريبة التي ارتفعت بشكل كبير عامي 2020 و2021، فبينما بلغت 12 ألفا في 2020 فإنها قد تجاوزت 35 ألفا في 2021، وهنا إشارة إلى عدم جودة المعلومات المالية نظرا إلى أن مثل هذا الارتفاع يدل على مشكلات وخلاف بين المكلف وبين الزكاة والضريبة بشأن الإقرارات التي تعتمد على البيانات المالية للشركات، لهذا كله فإنني أتمنى من وزارة التجارة أن تمول بحوثا خاصة بشأن تقييم منصة قوائم ومدى إسهامها في جودة البيانات المالية، وليس مجرد فرض استخدامها بقوة النظام.
نقلا عن الاقتصادية
موضوع مميز د. محمد ........