جاء بتقرير الفقر الريفي لعام 2011 و الذي أصدرة الصندوق الدولي للتنمية الزراعية تحت عنوان ( واقع جديد و تحديات جديدة : فرص جديدة لجيل الغد ) أنه ما زال الفقر مشكلة ريفية بالدرجة الأولى وستظل أغلبية فقراء العالم تعيش في المناطق الريفية على امتداد عقود كثيرة قادمة و من بين 1.4 مليار نسمة من الفقراء المدقعين ) يعرفون بأنهم من يعيشون على أقل من 1.25 دولار أمريكي يوميا( في عام 2005 كان يعيش منهم ما يقرب من مليار نسمة ( أي ما يقرب من 70 في المائة( في المناطق الريفية .
ويتضمن التقرير معلومات جديدة عن كيفية وقوع البشر في قبضة الفقر ومن ثم خروجهم منها مع مرور الوقت كما يقدم التقرير معلومات حول التحديات التي تواجه سكان الريف في حياتهم اليومية و المخاطر المتنامية التي يواجهونها و كيف أن هذه المخاطر تتعلق بمعوقات الموارد الطبيعية وتغير المناخ واضطراب أسعار الأغذية كما يوفر التقرير نظرة شاملة لتبعات الفقر الريفي في العالم و يلفت الانتباه إلى الروابط بين الحد من الفقر الريفي و مواجهة تحديات الأمن الغذائي العالمي وبخاصة الحاجة إلى زيادة إنتاج الأغذية في العالم بما يعادل سبعين في المئة بحلول عام2050 و مضاعفة الإنتاج في البلدان النامية بغية إطعام سكان العالم المتوقع أن يصل عددهم إلى تسعة مليارات نسمة.
كما أشار التقرير إلي دور صناعة التمويل الأصغر و الخدمات التي تقدمها تلك الصناعة للريفيين الفقراء فأشار الي أنه تضاعفت مؤسسات التمويل الأصغر منذ عام 1990 و هذا على الرغم من ارتفاع تكاليف المعاملات والمخاطر المرتبطة بتشغيلها في المناطق الريفية فإنها تتحسن يوماً عن يوم في الوصول إلى تلك المناطق وتلبية إحتياجات و تمكين الفقراء من الخدمات المالية كما وضح التقرير أنه يتطلب العمل وقتاً مع الريفيين الفقراء لدمجهم في الخدمات المالية الرئيسية لاكتساب عادات الادخار والسداد والتدريب على فهم الخدمات المالية و تخطيط المدخرات و بناء مسار يمكنهم من التحول عن تلقي المنح أو المعونة الغذائية نحو تكوين علاقة مستقلة مع مقدمي الخدمات المالية و يشكل ذلك كله تحديات كبيرة أمام مؤسسات التمويل الأصغر .
و بالإضافة إلى ذلك يحتاج السكان الفقراء في كثير من الأحيان إلى التوفير على نطاق ضيق و الحق في السحب الفوري منه ويحتاج هؤلاء السكان إلى المساعدة في بناء المدخرات خارج النطاق الزمني المحدود و يحتاجون إلى قروض لكل أنواع الاستخدامات بما فيها الاستهلاك وكذلك الاستثمار في المشاريع الصغرى كما تحتاج الأسر الريفية الفقيرة إلى خدمات مالية تقلل التكاليف التي يتكبدها أفراد الأسرة في تحويل الأموال إلى المناطق الريفية التي يعيش فيها سائر أفراد الأسرة و هناك في هذا الصدد مجال كبير للتعاون بين خدمات تحويل الأموال ومؤسسات التمويل الأصغر لتوسيع تلك الخدمات في المناطق الريفية .
و في دراسة أجرتها منظمة سيجاب ( المجموعة الإستشارية لمساعدة الفقراء) بعنوان الخدمات المالية للفقراء الريفيين وضحت أن أهم العوائق التي تقابلها الجهات التي تقدم تلك الخدمات هي :-
1. تشتت الطلب على الخدمات المالية نتيجة انخفاض مستويات النشاط الاقتصادي و انخفاض كثافة السكان .
2. ارتفاع تكاليف المعلومات والمعاملات المرتبطة بالبنية الأساسية الضعيفة ( مثل الطرق، والاتصالات السلكية واللاسلكية و عدم توفر معلومات عن العملاء حيث لا يوجد إثبات شخصية أو سجلات الممتلكات القائمة ) .
3. ضعف القدرة المؤسسية لمقدمي التمويل الريفي المرتبطة بالعدد المحدود للأفراد المتعلمين المدربين في المجتمعات الريفية الصغيرة .
4. الأثر السلبي للائتمان المدعوم أو الموجه من البنوك المملوكة للدولة أو مشروعات الجهات المانحة.
5. موسمية العديد من الأنشطة الزراعية و فترات الاستحقاق الطويلة للعديد منها مما يعني تذبذب الطلب على المدخرات والائتمان، والتدفق النقدي غير المنتظم، و وجود فترات زمنية طويلة بين إصدار القروض والسداد .
6. المخاطر المرتبطة بالزراعة ( مثل هطول الأمطار المتغير، والآفات والأمراض، وتقلبات الأسعار، وضعف الخدمات الإرشادية للمزارعين الصغار و عدم قدرتهم على الحصول على المستلزمات الزراعية والوصول للأسواق ) .
7. عدم توفر الضمان الفعال نتيجة لعدم وجود حدود واضحة للملكية وطول وتعقيد إجراءات تسجيل العقود، وضعف النظم القضائية.
و بالنسبة للوطن العربي يهتم القائمين علي صناعة التمويل الأصغر العربية بتقديم خدمات التمويل الأصغر الزراعي و لقد تم مناقشة هذا الموضوع في مؤتمر سنابل الماضي في إحدى جلساتة تحت عنوان ( التمويل الأصغر الزراعي و سلاسل القيمة ) و ناقش المشاركون أثناء هذه الجلسة مدى أهمية التمويل الأصغر الزراعي ( و خصوصًا في ضوء أزمة الغذاء الأخيرة ) و الصعوبات المختلفة و المخاطر المرتبطة بتقديم التمويل الأصغر الزراعي على أساس مستدام ماليًا.
بالإضافة إلى ذلك إستعرضت الجلسة حالة التمويل الأصغر الزراعي في المنطقة العربية و الابتكارات في مجال تطوير المنتجات المالية الزراعية و الوسائل التي من خلالها يمكن لخدمات التمويل الأصغر تلبية احتياجات مختلف الأطراف في سلاسل القيمة و كيف يسفر نموذج سلسلة القيمة في ازدياد نمو السوق وخفض المخاطر الائتمانية .
كما تم استعراض بعض تجارب بعض المؤسسات التي تقدم التمويل الأصغر الزراعي في الوطن العربي مثل تجربة مركز التطوير الإقتصادي في تلعفر بالعراق و أيضاً تجربة مؤسسة الإقراض الزراعي في الأردن كما يوجد في الوطن العربي مؤسسات كبيرة تقدم التمويل الأصغر الزراعي مثل بنك التنمية و الإئتمان الزراعي في مصر و البنك الوطني الفلاحي بتونس و المصرف الزراعي التعاوني في سوريا و بنك التسليف التعاوني و الزراعي في اليمن و بنك القرض الفلاحي في المغرب .
إن ما سبق يوضح كيف يتمركز الفقر في الأماكن الريفية و يبين دور التمويل الأصغر في محاربة الفقر في تلك المناطق و المعوقات التي تواجهها مؤسسات التمويل الأصغر في تقديم خدماتها لسكان تلك المناطق ، كما يبين أنه لو أردنا أن نتخلص من الفقر في الوطن العربي فعلينا أولا محاربتة في أماكنه .
إن فقراء العرب الريفيين يعانون الكثير من براثن الفقر و علي كل الجهات المعنية بذلك السعى الدئوب لمساعدتم و تقديم كل الخدمات التي من شأنها العمل علي تنميتهم و حصولهم علي حياة كريمة و من تلك الجهات مؤسسات التمويل الأصغر و التي أتمنى أن تقدم أقصى ما عندها في هذا المجال.