منذ نشوب الأزمة المالية العالمية قبل أكثر من ثلاثة أعوام تفاعلت العلاقات الدولية بشكل كبير جدا، لإيجاد حلول مشتركة للأزمة، ورفع مستوى التعاون عالميا، وكانت أهم التحركات بتفعيل دور مجموعة العشرين، وارتقت الاجتماعات إلى مستوى القمة وهو الأمر الذي لم يحدث من تأسيس المجموعة قبل أكثر من عشر سنوات، وطغت قرارات المجموعة على ما كان دائما ينتظر من مجوعة الثمان الكبار عالميا، فتكتل العشرين يمثل قرابة خمسة وثمانين بالمائة من حجم الناتج الاقتصادي العالمي، ويتميز بوجود دول لا يوجد فيها أزمات اقتصادية بعكس مجموعة الثمان التي انطلقت الأزمة من غالبية دولها، وعلى رأسهم أميركا مما يشير إلى أن هذه المجموعة الكبيرة بحجم تأثيرها لم تعد كما كانت وبالتالي تحول الدور إلى مجموعة العشرين، لإيجاد توازن أكبر بالعمل الدولي وتفعيل دور الدول التي لا تعاني من أزمات وتملك أوضاع مالية قوية .
إلا أن الأمر في حالة التكتلات لم يتوقف عند هذا الحد، بل تواصل بشكل أوسع بعد اندلاع أزمة الديون السيادية في تكتل منطقة اليورو، فقبل أيام أعلن عن تأسيس تجمع دول أميركا اللاتينية والكاريبي والذي يضم ثلاثة وثلاثين دولة تهدف إلى تعاون اقتصادي لتفادي آثار الأزمة الأوربية عليها، بل وتنوي هذه المجموعة إنشاء بنك خاص بها لدعم الدول المنضوية فيها وسيتطور تعاونها التجاري بشكل أوسع لتفادي آثار أي ركود بالاقتصاد العالمي، واستبعدت المجموعة أميركا وكندا منها وترغب بتعاون سياسي أيضا لإبعاد هيمنة أميركا عن تكتل دول أميركا، الذي تسيطر عليه الأخيرة وكأن النية باتت تتجه لالغاء أو إضعاف قيمة تكتل دول قارة أميركا الحالي .
أما تكتل الولايات المتحدة ودول المحيط الهادي الذي أعلن عنه قبل أسابيع قليلة فهو برأي الرئيس الأميركي أوباما أهم العلاقات المستقبلية بالنسبة لدولته وميزة هذا التكتل أنه يهدف لإضعاف هيمنة الصين على تلك المنطقة وسارعت أميركا لإرسال جنودها لأستراليا كعنوان واضح لأهمية هذا التكتل بالنسبة لها، ليلعب دورا سياسيا واقتصاديا كبيرا بالمستقبل، فالدول التي تشارك فيه كأستراليا وفيتنام وماليزيا تطل على بحر الصين الجنوبي، الذي تمر عبره تجارة تقدر بخمسة ترليونات دولار وقراءة هذا الرقم تكفي لفهم توجه أميركا الجديد .
وبخــلاف العلاقة الأميركية التي يتم تفعيلها مع الشرق الأوسط بشكل أوسع من السـابق والذي يشــهد ربيعا عـربيـا ودورا مفعلا للجامعة العربية التي أطلقت قبل عامين ولأول مرة قمة اقتصادية عربية لتطويرالعمل العربي والتصدي للأزمة الاقتصادية، إلا أن الواقع السياسي العربي لم يساعد على الانتقال لمستوى فهم تداعيات الأزمة على العالم وآثارها على العرب مما ترك آثارا سلبية خصوصا بدول شهدت تغييرا سياسيا مؤخرا .
فزيادة وبروز دور التكتلات بالمنطقة سيكون له دور برفع مستوى النشاط الاقتصادي مستقبلا، بعد أن تستقر دول الربيع العربي خصوصا مصر وليبيا وسوريا فحجم الثروات العربية والخليجية تحديدا كبير جدا، ولابد أن تتوجه لأسواق جديدة بعد أن تباينت الرؤية حول وضع منطقة اليورو، والخوف من عدم تجاوزها لأزمتها قبل عدة سنوات خصوصا أن الخلل الأوروبي يحمل اختلافات عديدة سياسية واقتصادية تحتاج لإعادة نظر وبناء واسعة . فالدول العربية تملك فرصا ذهبية لتدفق الاستثمارات لها بعد أن تستقر الأوضاع السياسية عامة، نظير وجود فرص تنمية واسعة جدا تحتاجها المنطقة خصوصا مصر الأكبر عربيا من حيث عدد السكان .
الاتجاه العالمي بات واضحا لأن تكون التكتلات سيدة الموقف ومنبع القرار لكل منطقة جغرافية بالعالم؛ فالتحولات الاقتصادية أصبحت واضحة باتجاه تفعيل التعاون الإقليمي وتفجير الطاقات واستغلال الثروات والسيطرة السياسية الإقليمية لكل تكتل سيساعد على بلورة قرار دولي يتماشى مع احتياجات الحدث الاقتصادي، حتى تتجزأ المشاكل الاقتصادية الدولية وتتحمل تلك التكتلات نصيبها من مواجهة الأزمات الاقتصادية وتبعاتها السياسية.