ارتفع معدل التضخم في قطر في شهر أكتوبر الماضي إلى أعلى مستوى له منذ نهاية عام 2008، بوصوله إلى مستوى 2.5%، مقارنة بـ 2.2% في شهر سبتمبر، وبارتفاعه إلى 5.8% بعد استبعاد بند الإيجار والوقود من الرقم القياسي العام. كما لوحظ أن وتيرة الارتفاع في المعدل بوجه عام قد تسارعت في النصف الثاني من العام، بعد أن ظل المعدل يتذبذب ما بين 1.55% و 1.80% في النصف الأول منه. فهل يواصل المعدل ارتفاعه ويخرج عن السيطرة في العام القادم؟ قد لا تكون هناك إجابة قاطعة حول الموضوع، باعتبار أن معدل التضخم يتألف من ثمانية معدلات فرعية تؤثر فيه بدرجات مختلفة. ونعرض في هذا المقال التحليلي- الذي نقدمه بمناسبة اليوم الوطني للإحصاء- إلى شرح مدعم بالرسومات البيانية لأسباب ارتفاع المعدل في الشهور الأربعة ما بين يوليو وأكتوبر.
ونشير بداية إلى أن معدل التضخم يمثل الزيادة السنوية التي تطرأ على الرقم القياسي للأسعار الذي يتم إعداده شهرياً بمعرفة الإدارة المعنية في جهاز الإحصاء. ويتم حساب الرقم القياسي بمتابعة ما يطرأ على أسعار سلة كبيرة من السلع والخدمات ما بين شهر وآخر. ويتم تقسيم السلة في العادة إلى ثمان مجموعات رئيسية يتفرع كل منها إلى عدد كبير من السلع والخدمات التي يغلب استهلاكها في المجتمع. ويكون لكل سلعة -وبالتالي لكل مجموعة- وزن ما يتم ترجيح التغيرات السعرية به كل شهر. وتشكل مجموعة الإيجار والوقود والطاقة أكبر وزن في السلة يصل إلى 32.15%، يليها مجموعة النقل والمواصلات بوزن 20.47% ثم الغذاء والمشروبات والتبغ بوزن 13.22%، ثم مجموعة التسلية والترفيه والثقافة بوزن 10.85%، ثم مجموعة الأثاث والمنسوجات والأجهزة المنزلية بوزن 8.22%، فالسلع والخدمات المتفرقة بوزن 7.23%، فمجموعة الملابس والأحذية بوزن 5.82% ثم مجموعة العناية الطبية والخدمات الصحية بوزن 2.04%. وتعكس هذه الأوزان الأهمية النسبية للسلع والخدمات في ميزانية الأسرة في قطر، من واقع بحث ميداني تم إجراؤه في سنوات سابقة.
والملاحظ أن أكبر خمس مجموعات تشكل في مجموعها ما نسبته 84.9% من إجمالي سلة الرقم القياسي للأسعار، ومن ثم فإن التغيرات التي تطرأ على أسعار السلع والخدمات في هذه المجموعات يكون لها التأثير الأكبر على اتجاهات معدل التضخم. وعلى ضوء هذه المقدمة عن الكيفية المستخدمة في حساب المعدل فإننا يمكن أن نلاحظ ما يلي:
1- أن الأرقام القياسية الفرعية لمعظم المجموعات كانت –وفق ما هو مبين في الرسمين المرفقين- في حالة استقرار وقليل منها في حالة تراجع في النصف الأول من العام ، مع كون الرقم الخاص بالإيجار-وهو أثقل المجموعات وزناً- في حالة تراجع ، مما جعل معدل التضخم يتحرك ضمن الهامش المشار إليه في بداية المقال.
2- أنه في حين بقي الرقم الخاص بالإيجار في حالة تراجع في النصف الثاني من العام، فإن الأرقام الخاصة بثلاث مجموعات مهمة قد ارتفعت وبشكل ملحوظ. وهذه المجموعات هي كالتالي: النقل والمواصلات، وارتفع معدل تضخمها من 5.89% في شهر يونيو إلى 8.3% في شهر أكتوبر، وارتفع الرقم الخاص بمجموعة التسلية والترفيه والثقافة إلى 5.6% بعد أن كان سالباً بنسبة 0.99%، وارتفع الرقم الخاص بمجموعة الأثاث والمنسوجات والأجهزة المنزلية إلى 5.4% مقارنة بـ 1.67% في يونيو. وارتفاع أرقام هذه المجموعات عائد إلى ارتفاع تكاليف التعليم، وارتفاع أسعار السيارات وخاصة موديلات العام الجديد، وانخفاض سعر صرف الريال مقابل العملات بخلاف الدولار في تلك الفترة.
3- أن التراجع في معدل مجموعة الإيجار والطاقة والوقود قد بلغت نسبته 5.8% في شهر أكتوبر مقارنة بــ 4.3% في سبتمبر ، و 3.54% في أغسطس. أي أن أسعار الإيجارات قد عادت إلى الانخفاض-ولو بشكل محدود- في الشهرين المذكورين، بعكس التوقعات التي كانت ترجح توقفها عن التراجع نتيجة تقلص الفائض من المعروض.
4- أن الرقم الخاص بمجموعة الغذاء والمشروبات والتبغ قد سجل تراجعاً إلى 3.1% في أكتوبر مقارنة بـ 5.88% في شهر يونيو.
وبمحصلة التغير الذي طرأ على هذه المجموعات، فإن معدل التضخم قد ارتفع في النصف الثاني من العام نتيجة ارتفاع أسعار مكونات رئيسية لها وزنها في سلة الرقم القياسي للأسعار ومنها : النقل والمواصلات والتسلية والثقافة والترفيه، والأثاث والمنسوجات والأجهزة المنزلية، وأما بقية المجموعات الأخرى فكانت إما على تراجع أو على ارتفاع ولكن بتأثير محدود بسبب وزنها المنخفض في السلة، باستثناء مجموعة الإيجار التي لها وزن كبير ولا تزال على انخفاض، ولولا انخفاضها هذا لقفز معدل التضخم إلى أكثر من 6%-كما يشير إلى ذلك معدل التضخم المستبعد منه مكون مجموعة الإيجار- وهو ما يجب أن نتحوط له، حتى لا يخرج المعدل عن السيطرة في العام الجديد.