إذا كنت تبحث عن المضاربة، فأي مضاربة تقصد؟

05/12/2011 5
محمد القويز

في البداية أود الاعتذار لأعزائي القراء عن انقطاعي عن الكتابة خلال الفترة الماضية، إذ أن ذلك كان يعود لسببين: أولهما: انشغالي بإعداد مدونة ليتم تحرير ونشر المقالات فيها على نحو يسهل معه التواصل. وثانيهما: الرغبة بأخذ قسط من الوقت لجمع مواضيع تستدعي الكتابة فيها بدلاً من أن (أغثكم) لمجرد الكتابة وفق جدول زمني ثابت.

الآن دعونا نتحدث عن موضوع اليوم، وهو المضاربة.

فقد ازداد الحديث والاهتمام في الآونة الأخيرة بالمضاربة وأنشطتها المختلفة، وذلك نظراً لما أصبح يراه المستثمرين من الفرص المميزة (للتدبيلة) في بعض أسهم (الخشاش)، حتى أصبح الشعار الدارج لدى العديد من المستثمرين: (لا للاستثمار…نعم للمضاربة). وفي هذا الصدد وددت أن أفرق لأعزائي القراء بين أصناف المضاربة المختلفة لأحاول أن أقدم التوصية المناسبة بشأنها.

فالمضاربة بشكل عام، وفي السوق المحلي بشكل خاص تنقسم إلى ثلاثة أنواع أو استراتيجيات:

أولها: التحليلي الفني (وهو الأكثر شيوعاً في الأسواق العالمية والأكثر نمواً في السوق المحلي). والذي يقوم على جمع واستعراض حركة سهم معين في الماضي من حيث السعر والكميات المتداولة وعرضها على شكل رسم بياني (شارت) بهدف استنتاج أو استقراء حركة السهم المستقبلية المتوقعة على المدى القصير، وذلك عبر العديد من الدراسات والمعادلات الرياضية والإحصائية. وهذه الاستراتيجية تقوم بشكل أساسي على نظرية (العزم) عملا بمقولة (اركب الموجة)، حيث يحاول تحديد أي موجة صعود لاستغلالها بشكل مبكر، ومن الخروج متى ما زال زخمها.

ثانيها: صناعة السوق. وفي هذه الاستراتيجية لا يحاول المضارب استقراء حركة السوق، بل يركز على المفاضلة بين الفارق السعري بين سعر العرض والطلب لسهم معين بحيث يقدم طلباً لشراء سهم معين على سعر 50.00 (على سبيل المثال) مع عرض لببعه في نفس الوقت على 50.25، وهو بهذا الصدد يقدم أمرين بالبيع والشراء على أسعار متفاوتة، وإذا تمكن بأن يكون له أفضل عرض وأفضل طلب فإنه بذلك يكون يشتري بالسعر الأدنى ويبيع بالسعر الأعلى، ليربح بالفارق السعري بينهما. هذه الاستراتيجية تنطوي على توفير السيولة للسوق من حيث التأكد من وجود البائع لكل مشرٍ أو مشترٍ لكل بائع، ولهذا سمي ممارسها (صانع سوق)، كما أن ممارسها عادة ما يتخصص بصناعة السوق في ورقة مالية واحدة لما يتطلبه الأمر من التركيز والمتابعة المستمرة لسيل الأوامر المتدفق على تلك الورقة المالية.

ثالثها: التلاعب بالسوق. وهذا المفهوم هو الذي ولد الصورة السلبية عن المضاربة والمضاربين، وهو الذي يقوم فيه المضارب بالدخول في سهم معين ومن ثم إيجاد انطباع وهمي أن السهم في تيار صاعد (وذلك إما بنشر الشائعات كما كان الأمر سابقاً، أو بإجراء سلسلة من المبادلات والصفقات الصورية من محفظة لأخرى بأسعار متزايدة)، ومع تولد الانطباع بصعود السهم، تنصب عليه طلبات الشراء من عموم المستثمرين الآملين باستمرار صعوده، ولكن ما يلبث المتلاعب إلا أن يستغل هذه السيولة المتدفقة فيبيع على هؤلاء المستمثرين المقبلين بأسعار عالية، تاركاً إياهم متعلقين في العلالي، وبذلك تتبخر الطلبات لينهار السهم. والأدهى والأمَر في هذا الصدد أن بعض المتلاعبين إذا أوصلوا السهم لسعرهم المستهدف يقلبون استراتيجيتهم على عقبها، فيبدؤن بإجراء سلسلة من الصفقات الصورية بأسعار متناقصة مما يخلق انطباعاً لدى عموم المستثمرين بتسارع وتيرة الانخفاض مما يسرع من انهيار سعر السهم.

ولعله من المعلوم أن النوع الأول (التحليل الفني)، يمثل مدرسة استثمارية نظامية وثابتة ولها العديد من الممارسين في أنحاء العالم. بينما النوع الثاني (صناعة السوق) غير واضح التكييف في السوق المحلي، فبالرغم من أنه يعد استراتيجية استثمارية معتبرة حول العالم وتتخصص فيه العديد من المؤسسات المالية، كما أنه ذو فائدة للسوق بشكل عام من حيث توفير السيولة للبائعين والمشترين، إلا أن السوق المحلي كثيراً ما يخلط بينه وبين التلاعب (مما يضع ممارسيه في خطر من العقوبة، كما أنه يحجم الاهتمام المؤسسي في ممارسته ويترك مجاله للأفراد). أما النوع الثالث (التلاعب في السوق) فهناك اتفاق عام (محلياً وعالمياً) على منعه ومخالفته للأنظمة، كما أن هناك اتفاق على ضرره نظراً لاتسامه بشكل من الغرر والتدليس ونظراً لاستغلاله لجهل العديد من المستثمرين الأفراد (الذين عادة ما يكونون الضحايا في النهاية).

وبناء على ذلك فإني أتقدم بالتوصيات التالية:

أولاً: إذا كنت ستضارب فعليك بأساليب واستراتيجيات المضاربة الجائزة وابتعد عن استراتيجيات المضاربة المشبوهة والممنوعة، والأمر نفسه إذا كنت تضارب بناء على توصية من شخص آخر، فيبغي لك التيقن من مصدر تلك التوصية والاستراتيجية التي بنيت عليها.

ثانياً: وإذا كنت ستضارب فعليك بالأسهم ذات السيولة العالية من حيث الكميات المصدرة والمتداولة، الأمر الذي يقلل معه تعرضها للتلاعب.

ثالثاً: في جميع الأحوال، إذا كنت تميل للمضاربة فينبغي عليك تحديد حد أعلى للخسارة في كل مركز قبل الدخول فيه، ومن ثم الالتزام به بالبيع وإقفال المركز حال وصول الخسارة لذلك الحد عن طريق أمر (وقف الخسارة). إذ أن عدم الالتزام بتحديد الخسارة هو من أكبر أخطاء المضاربين النشطين.

رابعاً: أقترح على هيئة سوق المال التفرقة بشكل أكبر بين (صناع السوق) وبين (المتلاعبين) لإزالة اللبس وبهدف تشجيع الفئة الأولى وفق إطار مؤسسي وتحجيم الفئة الثانية بشكل أكبر، خصوصاً بالنظر إلى المضاربات الأخيرة في بعض أسهم التأمين والتي تميل أكثر إلى التلاعب.

خامساً: أقترح على فضيلة المشايخ والباحثين ومتخصصي المعاملات المالية الإسلامية واللجان الشرعية إيضاح حكم التلاعب في سوق الأسهم بشكل أكبر. إذ أني بحثت في محركات البحث عن (حكم التلاعب في الأسهم) فلم أجد سوى مقالين ذوي علاقة وكان موضوعهما (بحث) مسألة التلاعب في الأسهم وليس الحكم القاطع فيه، بينا عندما بحثت عن السؤال (هل يجب استلام المبيع قبل إعادة بيعه) والذي أتوقع أن موضوعه أقل ضرراً بكثير من التلاعب، فقد وجدت العشرات أو المئات من المقالات الصريحة بحرمته. وفي هذا الصدد كان لي حديث من العديد من الأشخاص الذين دافعوا عن التلاعب بصفته عمل غير محرم، الأمر الذي يستدعي إيضاحه بشكل صريح.