اقتصاديات الكدّادين «سائقي تكاسي المطارات»

19/11/2011 4
د. أنور أبو العلا

في كل مرّة أقرأ مقالا في صحافتنا ينتقد تصرفات بعض المواطنين السعوديين (بعضهم شباب وبعضهم عواجيز) الذين يجدون فرصة سانحة للحصول على حفنة ريالات للتغلب على ظروف - غالبا - عارضة (كما سيتضح من القصص أدناه) فيلجأون الى المطارات لتوصيل القادمين من السفر مقابل بعض النقود لتغطية احتياجاتهم الطارئة أشعر بضيق لا أدري ما سببه فقرّرت اليوم - بعد ان تكاثرت المقالات للتحريض عليهم - أن أفرّج عن نفسي بالكتابة عن اقتصاديات الكدّادين السعوديين الذين بالتأكيد ان سائقي ليموزين مطاراتنا يأتون في أول قائمة لستة الكدّادين.

من تجربتي الأولى مع أحد كدّادي مطار جدة قد تستغربون دفاعي عنهم ولكن صدّقوني أن هذه مشاعري الحقيقية نحوهم وكلما اركب مع احدهم وأتبادل الحديث معه أزداد تعاطفا معهم.

كداد ليموزين مطار جدة: في نهاية القرن الماضي (قبل 12 سنة تقريبا) وصلت الطائرة لمطار جدة الساعة السابعة صباحا بينما موعد الاجتماع التنسيقي لمندوبي المملكة لمؤتمر المناخ الساعة 11 في مقر مصلحة الأرصاد في مركز الباروم بالرويس فقلت للسائق الكدّاد وصّلني الى مقهى جراك ممتاز واعطيك عشرين ريالا زيادة فالتفت الى طفل هزيل بجانبه وقال فرجت يا محمد. ثم وصّلني الى مبنى من طابقين وأشار الى الطابق الثاني وقال ادعُ لي ان يفك الله كربتي ستجد أحلى راص شيشة باعشن. عندما صعدت الى المقهى وجدته مقصفا صغيرا لا يبيع الا الكبدة والشكشوكة. اضطررت ان اقف على الرصيف نصف ساعة الى ان وجدت تكسيا قلت له وصّلني الى مقهى الشلال. بعدها صرت كلما أصل جدة استأجر سيارة من المطار أسوقها بنفسي وأعيدها مصدومة اخر النهار.

كدادو ليموزين مطار الرياض: الواقع ان كدادي مطار الرياض الذين تعاملت معهم كثيرون ولكن سأختار منهم اثنين احدهما شاب في العشرينيات والآخر كهل تجاوز الأربعينيات.

كدّاد مطار الرياض الشاب: قادني الشاب في مقتبل العمر من صالة القادمين من الخارج الى موقف سيارته فرأيتها خاصة وليست تكسيا اعطيته ظهري وقلت له انا اريد تكسيا لا سيارة خصوصي. قال يالحبيب لا تقطع رزقي لي اربع ساعات منتظر واحتاج حق البنزين. قلت له بشرطين لا تزيد السرعة على 100 كيلو ولن اعطيك اكثر من 50 ريالا كما يأخذ عادة مني التكسي الى السليمانية. قال لي اركب بس ولا اريد الا حق البنزين. عندما وصلنا تحت القوس امام جامعة الامام رنّ جرس جواله وسمعته يتبادل الحديث مع شخص يبدو انهم متفقون على كشتة بالقطّة ولم يكن لديه حق الاشتراك فاستعان بالمطار. عندما وصلنا قلت له ايش رايك اعطيك عشرة زيادة على الخمسين. قال ياريت تخليها سبعين.

كدّاد مطار الرياض الكهل: لم اصدّق في البداية انه كداد يعمل على سيارته لنقل المسافرين لأنه لم يكن شكله يدل على انه كداد فهو رجل أنيق وهبه الله بسطة في الجسم والوسامة يدل على انه ابن نعمة - جارت عليه سوق الأسهم - ويبدو من حديثه انه مثقف وفاهم لمشاكل البلد (الى حد انني تخيلت انه عضو في مجلس الشورى متنكر يستطلع أحوال الشعب) وكأنه أحسّ باستغرابي من عمله كسائق فقال لي موضحا انه جاء الى الرياض من مدينة في أقصى شمال المملكة لتخليص مستحقات مالية له في وزارة المالية كان يعتقد انه سينهيها في يومين لكن تعقدت المعاملة وله أسبوع فرأى ان يوفّر بعض تكاليف الفندق عن طريق توصيل القادمين الى المطار.

سائق تكسي مطار جنيف: المسافة بين مطار الملك خالد وفنادق وسط الرياض تقارب الأربعين كيلومترا بينما المسافة بين مطار جنيف وفنادق وسط البلد الفخمة امام نافورة بحيرة جنيف (ثاني اطول نافورة بعد نافورة جدة) لا تتجاوز الأربعة كيلومترات. لكن سائق تكسي جنيف يأخذ ما بين الأربعين والخمسين فرنكا (الفرنك كان يساوي ثلاثة والآن أكثر من الأربعة ريالات) للتوصيلة. في أحد الأيام قررت ان اكتشف جنيف على القدمين (جنيف بكاملها لا تتجاوز حي العليا في المساحة) مسترشدا بالخريطة المجانية في محطة القطارات واستمريت في المشي الى ان وجدت نفسي فجأة في المطار ولأول مرة أعرف انه يوجد موقف اتوبيسات في الاتجاه المقابل لموقف التكاسي يوصّل تماما الى نفس النقطة التي يمكن ان يوصّلك لها التكسي. بعدها صرت كلما أصل مطار جنيف اخذ الأتوبيس صعودا وهبوطا للمطار وأوفّر اكثر من المائة فرنك (500 ريال يساوي حق نصف يوم انتداب).

أختم برسالة الى أعزائي المعلقين على زاويتي اذا أعجبتكم سواليف الكدادين سيكون - ان شاء الله - عمود الأسبوع القادم عنهم والا سأغثكم بالعودة للكتابة عن ذروة البترول.