جاء العيد هذا العام بمشاعر مختلطة للناس ما بين فرح وسرور، وألم في الصدور على آلاف الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن حريتهم وكرامتهم في ليبيا وفلسطين ومصر، ولا زالوا يسقطون في سوريا واليمن. وحملت الأسابيع الماضية أخباراً طيبة للقطريين تمثلت في الزيادة العامة للرواتب، وفي ارتفاع مؤشر بورصة قطر إلى أعلى مستوى له منذ منتصف العام الحالي. وساهمت قرارات مصرف قطر المركزي هذا العام في وضع سقف على معدلات فائدة القروض الشخصية لا يزيد عن 6%، بما ساهم في التخفيف من معاناة المقترضين ومشاكلهم المالية، يستوي في ذلك القطريين وغير القطريين. وفي مقابل هذه التطورات الإيجابية التي أسعدت الناس، فإن القلق لا يزال قائماً بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، وانعكاساته على الاقتصاد المحلي وعلى أحوال الناس وظروف معيشتهم. وقد انعقدت يومي الخميس والجمعة قمة العشرين الاقتصادية في كان بفرنسا لتبحث عدداً من الخطط والمشروعات التي تهدف إلى إعادة ترتيب الأوضاع الاقتصادية العالمية، ولكن هذه القمة الدورية تعثرت في مشكلة الديون اليونانية، فانحرفت عن برنامجها الأصلي وراحت تبحث في كيفية إقناع اليونان بضرورة التمسك ببرنامجها التقشفي الصارم حتى لا ينهار المعبد الاقتصادي على رؤوس أوروبا والعالم. وقد نجح القمة جزئياً في ذلك، ولكنها فشلت في الاتفاق على أي من المشروعات والخطط الأصلية المدرجة على جدول أعمالها، واكتفت بدعوة الدول الغنية التي لديها فائض بزيادة مساهماتها ودعمها لصندوق النقد الدولي ليتمكن بدوره من زيادة دعمه للاقتصاديات الغارقة في ديونها فضلاً عن الدول النامية.
وإذاً، فالعالم قد نام بالأمس على جملة من المشاكل التي تحمل في طياتها منغصات كثيرة على مستقبل الشعوب فيما سيأتي من أيام. وأول هذه المنغصات قنبلة ديون اليونان الموقوتة، التي من الواضح أنها ستنفجر إن عاجلاً أو آجلاً رغم ما وضعه الأوروبيون من خطة إنقاذ لتفادي الانفجار. ويجمع المحللون على أن مستقبل الأزمة في أمرين: إما أن تنفجر في يوم قريب، وتخرج اليونان من منطقة اليورو لتعالج مشاكلها بنفسها دون تدخل من أحد، أو أن تظل على ما هي عليه الآن مصدر قلق متجدد وصداع مستمر للأسرة الأوروبية وللعالم بأسره. والصداع يأتي من تأثير الأزمة الدائم على بنوك أوروبا وعلى سعر صرف اليورو. وقد تمنى الزعماء الأوروبيون مؤخراً، ومنهم ساركوزي، لو أن اليونان بقيت خارج منطقة اليورو، وقد ذكرني ذلك بما كان يتمناه زعماء إسرائيل ومنهم رابين والمخفي عن الأنظار شارون من أن يبتلع البحر غزة فلا يبقى لها وجود. ولكن غزة بقيت بحفظ الله، وخرج منها الإسرائيليون منذ عام 2005، وذهب الاثنان إلى الجحيم. فهل تخرج اليونان من الحضن الأوروبي في عام 2012؟ ربما هذا ما سيحدث بالفعل، لأن الأمور تبدو غير قابله للعلاج في الزمن المنظور، وعلى أوروبا أن تتقبل صدمة انهيار دولة من منظومتها بدلاً من أن تقضي العمر في محاولة استبقائها ولو ضعيفة هزيلة. وما يعزز من هذا الاعتقاد بعض الشواهد التي أسوقها على النحو التالي:
1- أن اليونان ليست مصدر الصداع الوحيد في البناء الأوروبي، وهناك مصادر أخرى مرشحة أن تلعب الدور ذاته في مراحل لاحقة ومنها إيطاليا وأسبانيا والبرتغال.
2- أن قدرة أوروبا على النهوض من الأزمة مرهون بتوافق دولها العديدة على الحلول، وبإمكانية حدوث نمو اقتصادي قوي في أوروبا وفي العالم بما يساعد على تعزيز مداخيلها الوطنية. وهذا الأمر الأخير مشكوك في حدوثه في عام 2012 وفق توقعات صندوق النقد الدولي. ومما يزيد من قتامة الصورة أن قاطرة الاقتصاد الأمريكي التي أخرجت أوروبا من أزماتها بعد الحرب العالمية الثانية بمشروع مارشال، تبدو عاجزة اليوم عن مداواة الواقع الأمريكي المثقل بدوره بتريليونات الدولارات من الديون، وبمعدل بطالة مرتفع 9%، وبمعدلات نمو ضعيفة.
3- أن رغبة الدول الغنية ذات الفائض- وفي مقدمتها الصين والبرازيل ودول الخليج- على تقديم العون لأوروبا يبدو مشروطاً بأن يتم تعديل النظام النقدي العالمي بما يعكس التغير الحاصل على الأرض، فلا يعقل أن تظل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية هي المسيطرة والمهيمنة على صنع القرارات في المؤسسات المالية الدولية، وتظل الدول المانحة الجديدة خارج قواعد اللعبة. ولذلك فشلت قمة العشرين في الأسبوع الماضي في تحقيق انجاز مهم في مهمة إعادة ترتيب التوازنات الدولية المالية، لأن الدول المعنية ظلت رافضة لتقديم التنازلات المطلوبة.
واستناداً لما تقدم، فإن المشاكل المالية والأوضاع الاقتصادية المتردية في أوروبا والولايات المتحدة ستظل تضغط على العالم في الشهور القادمة، وهو ما قد يهدد بحدوث ركود اقتصادي كبير. وقد يكون القبول بحدوث مثل هذا الركود هو الحل في أيدي الدول الصناعية للخروج من أزمتها، فذلك سيضغط على أسعار النفط فتهبط بقوة، وسيضغط على صادرات الصين فتتراجع، ويتراجع معدل نموها الأسطوري، بما يعطي الأوروبيين والأمريكيين فرصة لالتقاط الأنفاس والعودة للنمو من جديد. وقد يضطر الصينيون إلى بيع ما اكتنزوه من ذهب والقبول بشراء السندات الأوروبية، فتنخفض أسعار الذهب عن مستوياتها المرتفعة، وتنفجر فقاعة الذهب. ويظل تحقق هذا السيناريو مرهون بما سيحدث من تداعيات في مشكلة اليونان.
ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله جل جلاله، أجل وأعلم،،،