إلى أي مدى يمكن ضبط أثر الزيادة على الأسعار؟

18/09/2011 0
بشير يوسف الكحلوت

لا يزال صدى القرار الخاص بزيادة رواتب الموظفين القطريين في الجهاز الحكومي وبعض المؤسسات الرسمية، يتردد في أجواء المجتمع القطري بمجالسه وصحفه وإذاعته ومواقعه الإلكترونية، وقد اختلطت الإشاعة بالحقيقة فصنعت دوامة لا تنتهي من الأقاويل عما إذا كانت ستشمل القطريين في المؤسسات التي لم ينص عليها القرار صراحة، وعن مقدارها لكل موظف، وعما إذا كانت ستمتد في مرحلة لاحقة لتشمل غير القطريين أم لا، وعن تأثيرها على أسعار السلع والخدمات.

وعن هذا الموضوع الأخير تفاوتت الآراء ما بين جازم بأن الأسعار لم تنتظر كي تدخل الزيادة المقررة في جيوب الموظفين بنهاية شهر سبتمبر الحالي، وأن بعضها قد ارتفع بالفعل، وبين من يرى أن الأسعار لم ترتفع بعد، وأن ما يراه البعض ارتفاعاً هو في حقيقته اختلاف في سعر السلعة الواحدة باختلاف بلد الصنع والماركة وجودة الخدمة المقدمة، وما إذا كان المحل عادي أو سياحي. وإذا نظرنا إلى مكونات سلة السلع والخدمات التي يقيسها الرقم القياسي لأسعار المستهلك في قطر، فسنجد أن ثلثها تقريباً أو 32.5% منها يقيس التغير في أسعار السكن والإيجارات والوقود، وهذه لم يطرأ عليها تغير في المجمل –وإن كانت هناك حالات من الزيادة في أسعار الوحدات السكنية أو التجارية التي كانت لا تزال مؤجرة بالأسعار القديمة- كما أن أسعار الأغذية والمشروبات التي تشكل ما نسبته 18% من إجمالي مكونات السلة والتي يغلب عليها أنها سلع مستوردة، نجد أنه لم يطرأ عليها في الأغلب تغيرات ملحوظة في شهر سبتمبر باعتبار أن سعر صرف الدولار لم ينخفض بل أظهر تحسناً في الأسابيع الأخيرة أمام اليورو وبعض العملات الأخرى. وبالمثل لم يطرأ تغير على أسعار خدمات الاتصال والإنترنت خلال الأسابيع الماضية.

والحقيقة التي لا جدال فيها هي أن سعر أي سلعة أو خدمة هو رهن بمستويات العرض والطلب عليها، فإذا تعرضت مصادر إمدادات أي سلعة لاضطراب وانقطاع فإن الكميات المتاحة منها ستنخفض وبالتالي ترتفع أسعارها. ورغم حدوث اضطرابات سياسية في بعض دول المنطقة مثل سوريا ومصر واليمن وليبيا، فإنه لم يكن لذلك تأثير على ما يصل قطر من سلع من هذه الدول أو عبر أراضيها.

ومن جهة أخرى فإن الطلب على السلع والخدمات يزداد بزيادة عدد السكان، ووفقاً لأحدث البيانات المتاحة بتاريخ 31 أغسطس الماضي، فإن عدد السكان كان منخفضاً بـ 150 ألف نسمة عن الإجمالي الذي بلغ 1.7 مليون نسمة في وقت سابق من العام. صحيح أن التاريخ المشار إليه كان يصادف عطلة عيد الفطر المبارك، واستمرار الإجازة السنوية للمدارس والجامعات، إلا أن العدد الكلي للسكان على أي حال لم يشهد زيادة تضغط على الكميات المتاحة من السلع والخدمات كي ترتفع أسعارها على نحو غير مبرر.

ومع التنويه بأن وزارة الأعمال والتجارة تراقب مستويات الأسعار وتعاقب المخالفين، فإنه في ظل عدم وجود زيادة فعليه في السكان، فإن أي زيادة في الأسعار يمكن أن يقابلها المستهلكون بامتناع عن الشراء أو بالبحث عن سلعة أو خدمة بديلة في مكان آخر. ويشكل ذلك عنصر ضغط على التجار للإبقاء على الأسعار دون تغيير مخافة فقدان زبائنهم. وعلى المستهلكين التردد على عدة أماكن قبل الشراء للتعرف على مستويات الأسعار المتاحة للسلعة الواحدة، من أجل اختيار السوق الذي يوفر أقل الأسعار وأجود البضائع.

على أن مجرد إقرار الزيادة العامة للرواتب في حد ذاته قد أوجد وضعاً مختلفاً للكثير من الذين شملتهم الزيادة بالفعل، من حيث أنها أهلتهم للحصول على قروض مصرفية جديدة، وهو ما ساعد على ضخ كميات إضافية من النقود في جيوب الموظفين، مكنتهم من زيادة إنفاقهم على بعض السلع والخدمات، ومن ثم ازداد الطلب الكلي لهذا السبب دون زيادة عدد السكان، وهو ما قد فاجأ التجار الذين بنوا تقديراتهم للطلب على ظروف مختلفة، فأوجد لديهم مبرراً لارتفاع محدود في أسعار بعض السلع لحين حدوث توازن جديد بين العرض والطلب عليها.

وفي تقديري الشخصي أن أهم عامل يمكن أن يرفع الأسعار في الوقت الحاضر هو حدوث موجة جديدة من الزيادات في أسعار المحلات التجارية نتيجة اختلال العرض والطلب عليها فارتفاع إيجار المحل الواحد هو مبرر قوى لدى التاجر لرفع سعر السلعة لديه استناداً إلى ارتفاع تكاليف التشغيل. وقد اشتكى لي بعض التجار من أن إيجار محله القديم قد جاءته زيادة مفاجئة من 6 آلاف ريال شهرياً إلى 16 ألف ريال، وهو ما قد يضطره إلى زيادة أسعاره.

والخلاصة أن تأثير الزيادة على الأسعار تحكمه عوامل عديدة وسيظل يتفاعل مع عوامل أخرى في الفترة القادمة، فإذا ما بدأ سريان الزيادة الفعلي وانتقلت مبالغها إلى جيوب المنتفعين منها، فإنها ستعمل ولا شك على زيادة في الطلب على بعض السلع والخدمات، ولكن ذلك لن يكون مبرراً لزياد الأسعار طالما أمكن موازنة العرض والطلب على السلع والخدمات، وطالما ظل سعر صرف الدولار مستقراً، وطالما أحكمت وزارة الأعمال والتجارة والرقابة من مراقبتها للأسعار، وطالما قام المصرف المركزي بدوره في ضبط السيولة وعرض النقود. وقد يكون على المسئولين في مصلحة التخطيط العمراني مراعاة عدم حدوث خلل في ميزان عرض وطلب المحلات التجارية.

ويظل ما كتبت رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله جل جلاله، أجل وأعلم،،،