إدمان الإسكان

29/08/2011 22
عبدالرحمن الحمادي

قبل سنوات، لم يكن الإسكان مشكلة اجتماعية. ينهي المواطن دراسته الجامعية أو ما يعادلها فيحصل تلقائياً على قطعة أرض مناسبة. ويتقدم للصندوق العقاري فيحصل على قرض حسن يعينه على تهيئة مسكن مناسب يحقق له بعد توفيق الله حياة هانئة. ثم تردت الأوضاع وأصبحت المنح حقاً للخاصة دون العامة، ولأصحاب الواسطات وأقاربهم وحواشيهم. وتعثر الصندوق العقاري فأصبح المتقدم ينتظر خمسة عشر شتاءً حتى يحصل على القرض. ومع ذلك لم يشتك المواطن أو يتذمر.

إلا قبل سنوات أصبحت الأراضي سلعة للمضاربة. وأصبح التاجر يشتري الأرض الخام من الدولة بثمن بخس، قبح الله المشتري والمرتشي. ويكفي أن يخططها ويضع فيها الأحجار البيضاء ليبيع قطعة الأرض بمئات الآلاف من الريالات. يسانده ابتزاز المواطن بإلزامية تملك قطعة الأرض للحصول على قرض حسن من الصندوق العقاري. وساهم في الارتفاع الجنوني لأسعار قطع الأراضي مساهمة البنوك بتقديم قروض عقارية تدر لهم أرباحاً خرافية ومضمونة السداد لارتهانهم العقار مقابل رأس مال القرض.

بدأ المواطن يتذمر من الألم وارتفعت إجارات المساكن حتى أصبح موعد دفع الإجار كربة الكرب، ويترقبه المواطن والمقيم ستة أشهر. ويخشاه فوقما يخشى الآخرة. وأصبح من المألوف رفع الإجار كل سنة. "وإما أن تدفع أو تطلع". وتأخير شهر كاف للحصول على أمر من الشرطة بإخلاء المسكن.

وبعد تعالي الأصوات. وتتابع الأنات أدركت الحكومة خطورة الموقف. وقامت بعدة مبادرات. توجت بإنشاء هيئة الإسكان ٢٨ / ٨ / ١٤٢٨هجرية.

كم استبشرنا بالهيئة، وكم عولنا عليها لتلبية حاجة المواطن. وكان فهم المواطن أن اسم الهيئة الفتية ناتج عن مهمتها وهي إيجاد السبل الملائمة لإسكان المواطن. وتبين أن اسمها فعلاً ناتج عن مهمتها، ولكن ما مهمتها؟

إن مهمة هيئة الإسكان هي: إسكان آلام المواطن الذي يصيح من ألمٍ ألمّ به، حتى رثانا الأموات وأشفقت علينا السباع والحيات. أبي كان يعيش بطمأنينة في هذا البلد، فلماذا من بيتي أُطرَد؟!

وكافحت هيئة الإسكان في الإسكان، وكان آخر ما أتحفتنا به عقود إنشاء 15.891 وحدة سكنية موزعة على مناطق المملكة _ واس 1/فبراير 2011.

لم يكن المواطن بسذاجته المعهودة، إذ أدرك أن ذلك الإعلان متزامن مع الصقيع العربي الذي أصاب الشعوب العربية المضطهدة.

ومع هذا الموقف الذي لا تحسد عليه الهيئة بحيث أصبحت عاجزة عن مواصلة الإسكان ( إسكان الآلام طبعاً)، حان الوقت لترقيتها لتصبح وزارة َ "الإسكان" ويصبح محافظ الهيئة وزيرَ "الإسكان" وتتوسع قدراته لإسكان آلامٍ تتزايد كل يوم بتفاقم الأزمة وتضخم الورم.

وازدادت حيل الوزارة. وأخذت تهدد من لا يتقدم بطلب القرض العقاري بأن لن يحصل عليه، ومنذ أشهر استلموا طلبات المواطنين البؤساء دون أن نحصل على رقم طلب أو موعد تقريبي للاستفادة من القرض.

وقدموا مسرحية جميلة أمام الملك وفقه الله الذي فنّد دعوى شح الأراضي، وأخبر على الملأ أنها متوافرة. ولم تتضمن المسرحية مواعيد إنجاز العمل.

التوقعات المستقبلية:

بدا واضحاً أنّ المواطن المزعج حالةٌ مستعصية. وأن إسكانَ آلامه لم ينجع فيه الإسكان والإسكات.

فلابد من ترقية جديدة - بعد إكمال المدة النظامية- لتصبح هيئةُ الإسكان (ثم وزارة الإسكان) : المجلسَ الأعلى للإسكان . ويصبح معالي وزير الإسكان أميناً للمجلس الموقر.

يا أيتها الجهة الحكومية الموكلة بالإسكان ، أياً كان اسمك، إن كنتم نسيتم صيحات المواطن الذي أدمن الإسكان، فهيهات هيهات أن ننسى الأيمان؛ قسمَكم الذي ألقيتموه أمام الملك (وكفى بالله شهيداً). وسنظل نذكركم كلما حل موعد الإجار وكلما تبدل الجار. وإلى الله المشتكى والساعة الملتقى. والحمد لله على كل حال.