يبدأ العام الدراسي في العالم بفتح المدارس والجامعات أبوابها لينهل طلبة العلم من قاعات الدروس ومن المكتبات علمآ يبني المستقبل لغد أكثر اشراقآ مما هم عليه ، فيما يبدأ العام الدراسي في مصر بفتح المغارات والقبور المعروفة بمراكز الدروس الخصوصية أبوابها وذلك قبل المدارس والجامعات لتستقبل طلابآ أعيتهم تلك المنظومة التي لا تخرج الا طلابآ في معظمهم متواكلين وغير قادرين على الابداع والتطوير والتحليل وحفظة للنصوص والكلمات غير مدركين لمداركها ومعانيها.
وأولياء أمور أنهكتهم أكثر من أبنائهم هذه المغارات التي لا تكتفي مالآ ، فوفقآ لأحدث الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع فان أولياء الأمور ينفقون قرابة 20 مليار جنيه سنويآ على ما يسمى بالدروس الخصوصية وهو مايوازي 40-50 % تقريبآ من دخل الأسر المصرية تستقطعها من دخلها الذي كان بالمكان انفاقه على أمور أخرى تكون تلك الأسر في أمس الحاجة اليها بل ان هذه الأموال كان بالمكان انفاقها في مجالات كثيرة تساهم في انعاش التجارة والسياحةوالاقتصاد في البلاد بما ينعكس في النهاية على رفاهية الناس وتطور وتحسن مستويات معيشتهم بشكل كبير .
فتخيل أن 40- 50 % من دخل المصريين يذهب الى مجموعة قليلة جدآ تمثل حوالي 0005,% من سكان مصر مؤهلات معظمهم أنهم يرفضون أن يعملوا بجد واجتهاد في مدارسهم مجبرين طلابهم أو بمعنى أصح زبائنهم على أن يرضخوا لهم ويتعاطوا هذه المخدرات المعروفة بالدروس الخصوصية فهي مخدرات للتفكير الواعي والتحليلي وتنشئة فاسدة للطلاب منذ نعومة أظافرهم كيف أن عدم اتقان واحترام العمل تؤدي بصاحبها الى أن يكون من أصحاب الثروات الطائلة .
ان مدرسي الدروس الخصوصية هم محط أموال المصريين وكثير منهم فعليآ أغنى بكثير جدآ من كثير جدآ من رجال الأعمال الذين تملأ صورهم وأخبارهم صفحات المجلات والجرائد ولكن الفارق هو أنهم يعملون بعيدى عن الأضواء الاعلامية من خلال مغاراتهم المعلنة واعلانتهم التي تملأ الشوارع والميادين وأعمدة الكباري متفنين في الألقاب بعد أن تفننوا في ملئ خزائنهم وحساباتهم البنكية بالأموال التي لا آخر لها فكل يوم مزيد ومزيد .
كل ذلك على حساب غالبية الشعب المصري المطحون الذي يضطر بعضهم الى أن يسلك مسالك لا تتفق مع ضميره ودينه ليوفر لهؤلاء المدرسين لا أقول ما يحتاجونه بل ما ينعموا به من مزيد من الأموال والكنوز ليكونوا بذلك سببآ هامآ من أسباب انتشار الفساد في المجتمع ، بل ان كثيرآ من أصحاب المهن الأخرى عندما يجدوا معرفهم وجيرانهم من مدرسي الدروس الخصوصية يتمرغون في هذا النعيم الغير منطقي والغير شرعي سببآ وفعلآ ونتيجة فانهم يصيبهم الاحباط والحقد ويدفعهم ذلك دفعآ الى أحضان الفساد وبغض الوطن.
بل انه قد وصل الوضع بكثير بل بغالبية الناس أن ترى في ظاهرة تفشي الدروس الخصوصية انما هي خطة ممنهجة أو مسكوت عليها من النظام المصري السابق بقيادة الرئيس السابق مبارك لكي يلهي الناس عن متابعة النظام السياسي والحكومة وتدبر قراراتهما والابتعاد عن الاهتمام بشؤون الوطن وتكريسآ للفساد في المجتمع.
ان مسألة ضعف أجور ومرتبات المدرسين كمفسرة لتفشي لعنة الدروس الخصوصية لم تعد محل اعتبار أو ذات بال ، ذلك أن من يريد راتبآ يكفيه ليعيش كريمآ (وهو الحق)لا يأتي بأعمال ويطالب بأجور تجعله يعيش على حساب أغلبية الناس (وهو الباطل) وهو ماتفعله الغالبية العظمى من مدرسي الدروس الخصوصية ، كما أننا نجد كثيرآ من المدرسين اللذين يذهبون في اعارات الى دول الخليج التي تكفل لهم راتبآ وفيرآ وسكنآ مريحآ يشرعون فور وصولهم الى مدارس هذه الدول في نسج شباك وفزاعة ضرورية الدروس الخصوصية وذلك للطلبة وأولياء أمورهم تطبيقآ منهم لمذهبهم هل من مزيد ؛ بل انه لكثرة وهائلية الأموال التي يحصل عليها كثير من مدرسي الدروس الخصوصية فانهم يرفضون الذهاب في الاعارة خشية خسارة جزء مما ينعمون .
وكذلك فان الذين يرون أن مسألة تكدس الفصول المدرسية وراء انتشار هذه اللعنة فالأفضل أن يذهبوا بأنفسهم الى مراكز الدروس الخصوصية ويضطلعوا على أحوال فصولها وزبائنها المكدسين فيها .
ناهيك عن أن الحكمة القائلة قف للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا لم تعد تعني لكثير من الطلبة أكثر من مقولة تتزين بها الكتب الغابرة ، ذلك أن هؤلاء الطلبة أضحوا زبائن يعطون تجارهم أقصد مدرسيهم الخصوصيين المال والمال الوفير فأصبحوا مصدر الدخل وأولياء النعم فكيف لولي النعم أن يقف لأجيره يوفه التبجيلا .
صحيح أن بعضآ من المدرسين يعملون بضمير حي وبجد واجتهاد في مدارسهم وأن بعضهم يضطر للرضوخ بالموافقة باعطاء دروس خصوصية بعد ذلك اما لحاجة مالية لا توفيها رواتبهم الضئيلة ولكنهم في النهاية لا يفترون ويتحصلوا على اموال هائلة ترهق الاسر والفقراء من الناس ، واما لرغبة حقيقية في ايصال العلم لطلاب ذوي ظروف خاصة فعلآ لا كسلآ في حضور الفصول المدرسية .
وتثور الأقاويل الداعمة للدروس الخصوصية أو على الأقل الرافضة للعمل الجدي للتخلص منها بأن اغلاق مراكز الدروس الخصوصية أمر صعب لغياب دور المدرسة ، ان غياب دور المدرسة أضحى نتيجة لوجود هذه المراكز ولم يعد سببآ فكيف يمكن أن تطالب التلميذ او الطالب بأن يعود الى وضعه الحقيقي كتلميذ وطالب بعد أن أصبح صاحب عمل ومورد مال تتجاذبه تلك المغارات ، وكيف يدرس المدرس باجتهاد وهو سيجتهد مساءً في تلك المراكز ، وكيف سيواظب الطالب على المدرسة ويركز فيها وهو يوفر تلك المواظبة وذلك التركيز للبديل المنتظر مساءً بتلك المراكز .
فعندما يضيع حوالي 50% من دخل الأسر المصرية على سرطان الدروس الخصوصية فان منبعآ وسببآ ونتاجآ آخر للفساد والافساد في مصر يصبح واضحآ وبينآ لكل ذي عين وقليل من عقل، فلنا أن نتخيل كم المنافع الاقتصادية اذا أنفقت هذه الأموال الضخمة على مجالات الحياة المختلفة ومناحي الحياة المعيشية للأسر المصرية سواء في المأكل أو في الملبس أو في الترفيه والسياحة وعائد ذلك على معدلات الانتاجية والتطوير والنمو الاقتصادي ، بديلآ عن ذهاب هذه الكميات المهولة من الأموال الى الحسابات البنكية الخاصة بالمدرسين الخصوصيين.
فالمسألة لم تعد مسألة احتياج مالي للسواد الأعظم من المدرسين بل أضحت مزيدآ واستكثارآ من الأموال والثروات و كثير من هؤلاء المدرسين المعارين الى الخارج يشرعون فور وصولهم للدولة الجديدة باعطاء دروس خصوصية أيضآ هذا اذا قبلوا من البداية السفر الى الخارج والتضحية بجنة الدروس الخصوصية في مصر، ولم تعد المسألة كذلك ضعف مؤسسي مدرسي يعاني منه الطالب فيعيقه عن تحصيل العلم بل أضحت داعمآ للكسل والخمول والبلادة ومحفزآ لضياع أهمية المدرسة وهيبة المعلم.
انه من الضروري بل من الحياتي أن نجد لا حلآ بل اقتلاعآ وتدميرآ لهذه المراكز ان كنا فعلآ نريد نهضة حقيقية لوطن يربي نشئً يعلم أن العلم يطلب لا يسقى ، وأن العلم بحث ودراسة لا مذكرة والقاء ، وأن العلم فهم وتحليل لا حفظ واستظهار ، وأن المعلم فعلآ كاد أن يكون رسولا لا أجيرا .
على هذا فانه من الوسائل التي يمكن اتباعها في هذا الصدد :
1- تشريع قانون بشكل واضح يجرم اعطاء الدروس الخصوصية أو تسهيلها ويفرض غرامات كبيرة على معطيها ومتعاطيها والعاملين فيها وأولياء الامور اللذين يثبت في حقهم تهمة تسهيل حصول أبنائهم وأبناء الآخرين لهذه الدروس في منازلهم او في مراكز هنا أوهناك ، ويفصل ويسجن المدرس الذي يثبت في حقه تهمة اعطاء دروس خصوصية ولا يقبل تعيينه في أية جهة حكومية أو أية جهة تعليمية بعد ذلك سواء عامة أو خاصة .
وكذلك يحرم الطالب الذي يثبت في حقه تهمة الحصول على دروس خصوصية من دخول الامتحانات لنفس العام ، مع رصد مكافآت مجزية للمبلغين ولمن لهم حق الضبطية القضائية ومعاقبتهم في حال تقصيرهم ، حيث يحق لهم مراقبة ومتابعة هذه المراكز أو المنازل التي يتم فيها تسهيل هذه الدروس دون تقيد بحدود جغرافية تتعلق بحدود أماكن صلاحيات هذه الجهة أو تلك باعتباره أمن دولة ومستقبلها وذلك تجنبآ لأية شبهة فساد أو افساد من قبيل أن يقوم مدرس من هؤلاء برشوة أحدهم كأن يعطي ابنه أو ابنته دروسآ مجانية مقابل تسهيل هذه الدروس وما الى ذلك من أمور يقع فيها البعض من هذا وذاك .
2- أخذ تعهد على كل مدرس عند تعيينه بعدم اعطاء دروس خصوصية من أي نوع فردية كانت أو جماعية وهو ما يمثل التزامآ معنويآ مضاعفآ و يفرض عقوبات مادية مضاعفة اضافة الى تلك الواردة في القانون المراد عاليه .
3- استخدام كافة وسائل الاعلام لعمل حملة توعية قوية للناس بأضرار الدروس الخصوصية وضرورة مواجهتها ، وأن الأموال التي يتم انفاقها على هذه الدروس يمكن اعادة توجيهها لمجالات أخرى تمكن الناس من تحقيق نمو معتبر في مستويات معيشتهم وتلغي جانبآ هامآ من جوانب الضغوط الحياتية الواقعة عليهم .
4- رفع الرواتب والأجور بشكل يكفي لحياة كريمة للمدرسين على الرغم أننا أكدنا سابقآ أنها لم تعد ذات بال لهؤلاء من أصحاب الملايين من مدرسي الدروس الخصوصية الا أنها من قبيل أداء الحكومة لما عليها وتماشيآ مع تجريم الدروس الخصوصية ، فالمدرس في النهاية موظف وكثير من الموظفين ان لم تتوافر لهم رواتب وأجور توفر لهم معيشة مريحة لا ضنكا فانه لا يمكن أن تتوقع أن يؤدي عمله على الوجه الأكمل أو حتى نصفه وكثير منهم سيلجأ الى طرق غير مشروعة وفاسدة .
5- التطوير الكمي والكيفي للمدارس والجامعات وذلك من خلال بناء المزيد من المدارس والجامعات لتخفيض كثافة الفصول وضمان وصول نور العلم والتعليم الى كل مكان في مصر هذا كمآ ، أما كيفآ فان تلك المدارس والجامعات الجديدة لابد أن يتم بناؤها على أسس مغايرة لسابقاتها حيث تراعى فيها أن الأنشطة الرياضية والاجتماعية والفنية هي ضرورة أساسية لمكافحة الجهل والتخلف والتعصب شأنها شأن الكتب والمراجع المستنيرة، كذلك فان وزارة التربية والتعليم شرعت في مراجعة مناهج التعليم وتعمل على خفض الحشو والتكرار الموجود في الكتب المدرسية وذلك أمر جد محمود ومن الضروري أن تكون مناهجنا التعليمية علمية بمعنى مواكبتها لكل جديد ومتطور في عالم العلم والمعرفة .
6- لا بد ولا مفر من تغيير أساليب الامتحانات والتقييم من عالم قائم على تقييم ملكات الحفظ والصم لدى الطلاب الى عالم أساسه الفهم والتحليل ومتابعة الجديد وزرع ملكات التطوير والابداع والاحترام وتقديس النظام والنظافة والمشاركة والفاعلية والفعالية ، وعدم الالتفات الى أية معارضات تنشأ في هذا الشأن أيآ كان مصدرها فدومآ الجديد الثوري محل انتقاد وخوف من القديم الجامد التقليدي حتى ولو كثر فالناس عادة ما تكون ضحية لما تعودوه .
7- وتغيير طريقة اعداد المعلم بشكل ثوري منذ التحاقه بكليات التربية أو حتى الآداب ليكون في النهاية معلمآ قادرآ على الابداع وتنشئة جيل يهوى الابداع .
8- التغيير الجذري في طريقة القبول بالجامعات فيكون القبول بأحد الكليات بناءً على امتحان خاص بالقبول في هذه الكلية يقيس قدرة وامكانيات الطالب الفكرية والعقلية على استيعاب وفهم مناهج هذه الكلية لتخريج طالب متمكن وقادر على التطوير .
9- تغيير نظام التقييم في المراحل الدراسية كالثانوية العامة التي هي بدورها شأنها شأن كل المراحل الدراسية التي تسبقها يكون التقييم فيها تراكمي مع اعطاء نسبة 60% من الدرجات والتقييم لأنشطة الطالب المدرسية وأبحاثه وانتظامه في الحضور والتعامل مع مدرسيه وزملائه فالتعليم في النهاية ليس تعذيب وانما تنوير .
10- بالتوازي مع الغاء الدروس الخصوصية فانه يمكن فرض رسوم رمزية (حوالي مائتي جنيه أو أزيد قليلآ تتناسب طرديآ مع مستوى المدارس والجامعات )على الطلبة تدفع سنويآ ويتم تحديدها بكل شفافية من قبل وزارة التربية والتعليم يتم من خلال هذه الحصيلة تمويل عمليات الاحلال والتجديد والتطوير في المدارس وبناء وتمويل المدارس والجامعات ومراكز البحوث العلمية على أسس حديثة تكفل لها التطور والتقدم وتزويد الطلبة بوسائط علمية وتعليمية الكترونية وغير ذلك من الوسائل والأمور التي يهدف من خلالها بناء مجتمع يقدس ويرعى رعاية حقة العلوم والمعارف.
شكرًا استاذ احمد عرضت المشكلة ووضع بعض الحلول المقترحة. والمهم أيضاً رفع كفاءة المعلم واعطاءه اجر تو راتب يوازي هذه المهمة