لم أكد أنتهِ من كتابة المقال السابق حتى حدثت تطورات أخرى تدفع في نفس الاتجاه الذي أشرت إليه؛ فالين سجل مستوى قياسي جديد بارتفاع سعره مقابل الدولار إلى 78.5 يناً للدولار، وهو ما يفتح الباب لوصوله هذا العام إلى 75 يناً على الأقل، وسعر اليورو ارتفع ثانية إلى 1.4360 دولار، من 1.4150 دولار قبل أسبوع. وفي ظل هذه التحركات على جبهة العملات سجل سعر الذهب مستوى قياسي جديد بوصوله إلى 1602، كما ظل سعر نفط الأوبك عند مستوى 114 دولار بدون تغير يذكر. ولكن اللافت للانتباه أن بنك الشعب في الصين قد أقدم على رفع جديد لليوان الصيني إلى مستوى 6.4595 يوان لكل دولار بدلاً من 6.4650.
ولقد لفت انتباهي وأنا أتابع أسعار العملات مقابل الدولار أن سعر الشيكل الإسرائيلي بات يعادل 3.40 شيكل لكل دولار، أي أنه أصبح أقوى بكثير من العملات الخليجية التي تعادل 3.75 ريال سعودي، و3.67 درهم إماراتي، و 3.64 ريال قطري لكل دولار. وقد كان سعر الشيكل في سنوات سابقة يقل عن الأسعار المشار إليها للعملات الخليجية بحيث أن أي منها كان يساوي شيكل واحد وزيادة، فلماذا ارتفع سعر الشيكل أمام الدولار وبقيت أسعار العملات الخليجية ثابتة مقابله؟؟ الجواب ببساطة أن سعر صرف الدولار في حالة تراجع، فيرتفع سعر أي عملة غير مثبتة أمامه، وتظل أسعار العملات المربوطة ثابتة بدون تغير.
والحقيقة أنه في الأجل المتوسط وحتى الطويل كان الربط بسعر ثابت أمام الدولار يبدو معقولاً باعتبار أن التراجع فيه كان محدوداً مع حدوث دورات من الارتفاع والانخفاض التي تصحح بعضها بعضاً، فسعر صرف الدولار مقابل الين في العشرين سنة الماضية قد انخفض إلى 79 يناً في عام 1992، ثم عاد وارتفع إلى 147 يناً في منتصف التسعينيات، قبل أن يعود إلى التراجع دون المائة ين في السنوات الأخيرة. وسعره مقابل اليورو تقلب منذ طرحه للتداول في عام 1999 ما بين 1.2 دولار لليورو الواحد إلى 1.2 يورو لكل دولار في عام 2002، ثم عودته للتراجع منذ ذلك الحين وصولاً إلى 1.62 دولار لكل يورو في عام 2008، ثم ارتفاعه إلى 1.19 دولار قبل أن يتراجع ثانية إلى 1.455 دولار في الوقت الراهن. ولكن المعطيات التي أشرت إليها عن واقع الاقتصاد الأمريكي، باتت تدفع باتجاه تدهور سعر صرفه أمام العملات الأخرى إلى مستويات قياسية جديدة لن تكون مسبوقة. وما يؤكد هذه التوقعات أن أسعار السلع المقومة عادة بالدولار خرجت من عقالها وباتت تسجل مستويات قياسية فترة بعد أخرى.
ومن جهة أخرى نشير إلى أن الدول الصناعية السبعة أو الثمانية الكبرى لم تعد هي المقررة لمعطيات الاقتصاد العالمي، بل دخلت معها دول مؤثرة أخرى من بقية دول العالم، كالصين والهند والبرازيل والسعودية وكوريا الجنوبية. وهذه الدول لها ثقلها النسبي في التجارة العالمية وتحقق فوائض مالية كبيرة في حساباتها الجارية، ولديها صناديق سيادية تؤثر على اتجاهات أسعار صرف العملات الرئيسية. ومن ثم سرعان ما ستقرر هذه الدول أن الوقت قد حان لإعادة تشكيل النظام النقدي العالمي بعيداً عن الهيمنة المطلقة للدولار. صحيح أن لهذه الدول استثمارات ضخمة بالدولار وفي سندات الخزينة الأمريكية، ولكن هذا الأمر لن يظل قيداً على حريتها في التصرف إذا اختار الأمريكيون طباعة المزيد من الدولارات بدون إصدار سندات دين جديدة على الخزينة الأمريكية، وهو الأمر الذي قد يحدث إذا لم يوافق الكونجرس الأمريكي على تفويض الإدارة بإصدار سندات دين جديدة في الشهر المقبل.
ولدى دول مجلس التعاون الآن فرصة تاريخية للإفلات من الربط بالدولار عند سعر ثابت، عن طريق المضي قدماً في تحقيق العملة الخليجية الموحدة التي كان من المفترض أن تكون قد دخلت مرحلة التداول الآن. فما الذي تنتظره أربع من دول مجلس التعاون التي اختارت الانضمام إلى الإتحاد النقدي منذ عامين، بعد أن تشكل المجلس النقدي بالفعل؟ وإذا كان الوصول إلى هذه المرحلة قد استغرق قرابة العشرة سنوات منذ إقرار خريطة الطريق الخاصة بالاتحاد النقدي في عام 2001، بما في ذلك تثبيت أسعار الصرف ، والاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، وإقرار معايير التقارب النقدي والمالي والإلتزام بها منذ عام 2007، ثم إنشاء المجلس النقدي في عام 2009. ومن ثم فإن الاتفاق على شكل العملة الموحدة ووزنها ليس بالأمر الصعب، طالما أن السياسات النقدية تكاد تكون موحدة، والأوضاع المالية متقاربة إلى حد كبير بين اقتصاديات هذه الدول.
ويظل ما كتب رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ،،،، والله سبحانه أجل وأعلم.