ان التحول الاقتصادي أو تغير مستوى المعيشة قضية تتسم بالتعقيد لكونها تمس الكيان الاجتماعي بأكمله فهي سلسلة من العلاقات الدقيقة بين المكونات الاجتماعية ذات العلاقة بالإنسان وحياته.
بمعنى آخر تأثر المجتمع يحدث بشكل أسرع عندما يكون التغير في محيط الاقتصاد ومنهجية الاستهلاك لديه.
ان التحولات الاقتصادية وهي جزء من البناء الاجتماعي الأساسي تعتبر واحدة من أكثر الحالات تأثيراً، فغلاء المعيشة على سبيل المثال ذو أثر كبير في البنية الاجتماعية فالعلاقات التي وجدها علماء الاجتماع بين انخفاض مستوى المعيشة وظهور الكثير من المشكلات الاجتماعية كفيلة بتوقع الآثار التي من الممكن أن تظهر نتيجة ارتفاع مستويات المعيشة وخاصة في المجتمعات التي اعتادت على مستويات مرتفعة من الدخول المادية بالإضافة إلى اعتيادها الدائم على الدعم الحكومي لموادها الاستهلاكية.
الآثار المحتملة لارتفاع الأسعار ليست مجرد عدم قدرة الفرد على اقتناء سلعة بعينها القضية ابعد من ذلك بكثير فما سوف يحدث هو عملية إعادة تشكيل البنية الاجتماعية من جديد بما في ذلك تحريك الأسرة من موقعها الذي تمتلكه في الطبقة الاجتماعية الآن إلى موقع آخر ومقاومة ذلك.
فما تحدثه تلك التحولات يتبعه بشكل مستمر حركة ارتدادية تعيد توازن المجتمع من جديد مما يعني انتقال الكثير من الأسر إلى مواقع جديدة في البناء الاجتماعي وغالباً مواقع اقل في الطبقة الاجتماعية ، ما أطرحه هنا ليس نقدا لغلاء المعيشة فتلك لها مبرراتها الاقتصادية .
ولكن القضية الحقيقية هي ضرورة القراءة الاجتماعية الصحيحة لما سوف يحدث من اثر لتلك الحالة فلابد من عمليات اجتماعية دقيقة لمساعدة المجتمع للسماح بعملية إعادة ترتيب لواقعه الاقتصادي لأن الانتقال والتحرك المفاجئ للمجتمع سوف تكون له آثار كبيرة سوف تظهر نتائجها تباعاً على الحالة الاجتماعية والاقتصادية معا.
الذين يعتقدون أن المجتمع مجرد كتلة بشرية وبنائية يمكن تحريكها ودحرجتها في أي اتجاه يخطئون كثيرا، المجتمع يمكن أن يكون كل شيء إلا أن يكون على شكل كرة تلتقي أطرافه حيث تفقد فيها ملامحه، المجتمع حاد الأضلاع واضح المعالم له حدود معتبرة اجتماعية واقتصادية وسياسية وهذا ما يفسر اختلاف المجتمعات وتنوع الثقافات وطريقة أدائها وإدارتها.
ان المجتمع إذا تأثر بحالة اقتصادية أو فكرية ظهرت آثار تلك الحالة بشكل أسرع من الصوت أحياناً وهذا يلاحظ من خلال ردة الفعل التي يحدثها الأفراد من الشكوى وعدم الرضى وبسبب تلك الحالة من العلاقات الدقيقة بين المجتمع ومكوناته الاقتصادية والسياسية وكيف تلعب تلك المكونات دورا في الأبنية والأنساق الاجتماعية ، فإنه لابد من مراعاة دقيقة للتحولات التي يمكن أن يتعرض لها المجتمع وكيفية التعامل معها بطريقة تخفف من آثارها، لأنه إذا ترك المجتمع يواجه تلك التحولات لوحده فالآثار سوف تكون مضاعفة.
عندما تبدأ المجتمعات في طرح قضية الاقتصاد كقضية محورية نتيجة تحولات في طريقة معيشتها أو استهلاكها فإن القراءة السليمة لتلك التحولات لابد وأن ترعي أن الفرد والمجتمع لا يقبلون التغيرات بسهولة ولكنهما يمكن أن يتكيفا مع تلك الحالة ولكن بشروط قاسية أحياننا. هناك أمكانية كبيرة بأن يتعايش الفرد مع التحولات الاقتصادية وارتفاع مستوى المعيشة عندما لا يجد أمامه سوى تلك الطريق فالحياة الاجتماعية قد لا تمهله كثيرا لكي يعترض فتأثر المجتمع يسبق الفرد فصوت الفرد يأتي نتيجة للحالة الاجتماعية السائدة.
هذا الخيار ثمنه صعب فالفرد في هذه الحالة يتولد لديه شكل من التبريرات التي تجعله قد يتجاوز المعايير السلوكية والأخلاقية في سبيل تعويض الخلل الذي سببته له الحياة الاقتصادية الجديدة وهذا بدافع داخلي يجعله متمسكا بمكانته في سلم المجتمع فالفرد يسمح لنفسه بالصعود في السلم الاجتماعي ولكنه لا يقبل النزول ببساطة ولو درجة واحدة في نفس السلم. على سبيل المثال تأثر الحياة الاقتصادية للفرد مسبب رئيس لانتشار الأوبئة الفكرية والأوبئة الأخلاقية . حيث يصبح الفرد مستعدا لتقديم نفسه متضررا من الحياة الاقتصادية الجديدة وبمبررات قوية فلذلك يجد الفرد نفسه في طريق جديد يتجاوز فيه معايير قد تكون أساسية في حياته، لهذه الأسباب وغيرها نستطيع إثبات العلاقة الطردية بين انخفاض مستويات المعيشة وانخفاض معدلات القيم الأخلاقية.
فمن المعروف أن مستويات الفساد الفكري والاجتماعي هي تعبير عن العلاقة المحتملة والمؤكدة في كثير من الدراسات بين الأخلاق والمستوى الاقتصادي في المعدلات الطبيعية. هذه النتيجة يمكن السيطرة عليها بطرق اقتصادية واجتماعية إذا كانت هناك استراتيجيات توعوية تصل إلى كل فرد بطريقة يفهمها ويدركها لأن المشكلة الحقيقية أن القيم والمبادئ مثلها مثل ارتفاع أسعار السلع لا تنخفض مرة أخرى إذا ارتفعت، ولكنها إذا انخفضت بين أفراد المجتمع الواحد يصعب رفعها مرة أخرى إلا من خلال عمليات كبيرة ومعقدة.
إن إحساس الفرد في المجتمع بعدم قدرته على التكيف سوف يجعله في موقف صعب ما لم يدرك انه يمكن له أن يتبنى خيارات اقتصادية جديدة تحفظ له شيئا من توازنه مع واقع اقتصادي عالمي ومحلي جديد.
اخطر تلك الآثار التي يمكن أن تنتج كذلك عن عدم رغبة الفرد في التكيف مع حالته الجديدة هو أن يعمل على خلق بيئات اقتصادية مغلقة بالتعاون مع فئات مختلفة في المجتمع يسوق من خلالها السلع الاستهلاكية بقيمة اقل وجودة منخفضة وذات تأثير على البنية الاقتصادية والاجتماعية.
وذلك من خلال البحث عن وسائل قادرة على جلب تلك السلع بأسعار اقل مما يعني استهلاكا كبيرا لتلك السلع بين فئات كبيرة في المجتمع نتيجة انخفاض تكاليفها، من هذه الطرق الاستعانة بالفئات التي ترغب في تحقيق ربح مادي على حساب المجتمع بإغراق السوق بسلع استهلاكية وبسعر اقل وجودة .
المجتمع كأفراد لا يدرك كيفية تحرك الاقتصاد العالمي أو المحلي بنفس الطريقة التي تراها مؤسسات الاقتصاد في المجتمع ولكنه يطلب بأن يكون هناك علاقة متوازنة بين دخلة وبين استهلاكه. الدول جميعا تضع المواد الاستهلاكية في ميزان لا يقبل التغيير، لهذا السبب تظل مهمة الاقتصاد الناجح هي تقوية معدلات العملة ودعمها لتحافظ على توازنها أو ضخ سيولة اكبر في المجتمع عن طريق وسائل منهجية تجعل أفراد المجتمع لا يفقدون التوازن في معدل دخلهم الاقتصادي.
معدلات التضخم هي اكبر المعضلات التي يمكن أن يواجهها الاقتصاد وإذا سارت جنبا إلى جنب مع معدلات النمو الاقتصادي فإن ذلك مؤشر يبعث على الخوف في النمو الاقتصادي، بمعنى آخر يجب أن تكون معدلات النمو الاقتصادي أسرع من معدلات التضخم وإلا فالمجتمع قد يتعرض لنوبة اقتصادية مؤلمة تحدث بشكل مفاجئ وتترك آثارها بشكل قوي يمكن مشاهدته ببساطة على الخريطة الاجتماعية.
عملية تحول المجتمع لسبب اقتصادي خارج عن السيطرة ليس شرطاً أن يتم تقديمها على أنها عملية تغيير جذرية فالقضية تحتاج إلى كم من التوعية التي لا تقوم على فرض واقع جديد فقط دون تبرير مبسط بحيث لا يترك الفرد فيه في مواجهة أزمته الاقتصادية لوحده، فالتوعية الاقتصادية المقترنة بالأمثلة والأرقام وشرح البدائل وكيفية التعامل معها هي فقط من سيحد من الآثار التي قد يواجهها الفرد بهدف حماية المجتمع عندما يتعامل مع واقعه الاقتصادي الجديد.
ان الكثير من المتغيرات الاجتماعية نستطيع رصدها بسهولة تبعا للمتغيرات الاقتصادية التى اصابت مجتمعاتنا العربية فى الحقبة الاخيرة ونستطيع ان نلاحظ العلاقة بين المتغيرين الاجتماعى والاقتصادى ونرصد العلاقة بينهما بسهولة واضحة.
وانى اتسأل ... ايها اصعب .. غلاء العقول ام غلاء الاسعار !! هذا ما انتظر الاجابة عليه منك عزيزى القارىء العربى !!!
الاخ العزيز هل يجب على الافراد معرفة الاقتصاد العلمى كما قلت (المجتمع كأفراد لا يدرك كيفية تحرك الاقتصاد العالمي) اسطيع ان اقول لك الهروب من المسئولية هو الحل .. ببساطة بدون ..بدون الاعتراف الضمنى بقيمة الانسان الحقيقية من اعلى الهرم الى ادناة ( يجب أن تكون معدلات النمو الاقتصادي أسرع من معدلات التضخم )كيف ....وفين ..فى مجتماعاتنا...ياعزيزى من يوم مااتولدنا واحنا بنسمع الكلام دة..وفين ...ومين....ولية...الذبدة ..تقوى اللة فى العمل مع النظام والايمان بدور الانسان فى الحياة ..يستقيم الظل وكان من الافضل ان يكون العنوان ( فقر العقول ام غلاء الاسعار ) د . ممدوح عبد الرؤوف