تجارة الفوركس

29/06/2011 4
د.عبد الفتاح صلاح

تعددت أسماء المضاربة في البورصة والخسارة واحدة " المقصود المضاربة بمفهومها الغربي وليس الشرعي " , فبعد كل أزمة مالية عالمية تُظهر التحقيقات أن السبب الرئيسي في حدوثها هو المضاربات المحمومة في البورصة، وخاصة في مجال العقود الآجـلة والمسـتقبلية والمشتقات مثل البيـع على المكشوف أو القصير Short Sale , والشراء بالهامش Margin , والخيارات Options , وبيع وشراء المؤشر Index وغيرها .

فكلما عرف البسطاء من المتعاملين في البورصة اسم معاملة وحجم الخسائر التي تكبدوها من جراء التعامل بها , ابتكروا لهم اسماً حديثاً ومجالاً جديداً للتعامل فينخدع الناس ببريق الاسم وبالدعاية المكثفة والممنهجة التي تمنيهم بأنهم يستطيعون الثراء بأبسط مما يتخيلون وأن هناك فرصة حقيقية يجب اغتنامها قبل فواتها , والفوريكس أحد هذه الأسماء المبتكرة .

الدعاية الممنهجة للفوركس

للدعاية تأثير كبير على قرارات الأشخاص المستهدفين من قبل القائمين على البورصات للحصول على أموالهم بشتى الطرق والوسائل , فتكرار الإعلانات عن كسب الأموال وتحقيق الثراء السريع بدون عمل أو مجهود يضع الواهمين من البسطاء تحت ضغط نفسي يجعلهم ينجرفون إلي هذه التعاملات المعلن عنها دون تردد , أو تفكير في طلب النصيحة الشرعية , أو على الأقل الإتعاظ من مآسي وخسائر من سبقوهم من المتعاملين في البورصة .

ولأهمية وخطورة هذه الجزئية بإعتبارها الخطوة الأولى فى إستدراج متعاملين جدد لإدخالهم في مقامرة منظمة ومقننة قائمة على الإقراض بفائدة لسلب أموالهم , سأعرض لعينة من نماذج الدعاية الممنهجة للفوركس حتى لاينخدع بها أحد فتكون سبباً في ضياع الأموال .

1- هل سمعت عن الأشخاص الذين لم يكن لديهم أي شئ ثم أصبحوا من أصحاب الملايين ؟ لا تتعجب إنهم يتعاملون في البورصات الدولية ويجنون أرباحاً كبيرة خلال بضع ساعات .

2- لا يهم إذا لم تكن تملك رأس مال ضخم , فمن خلال العمل بنظام الهامش سيكون رأس المال هو آخر ماتهتم به .

3- الأرباح كبيرة والخسارة محدودة لأن خسارتك في كل الأحوال لن تتجاوز المبلغ الصغير الذي قمت بإستثماره في البداية .

4- يمكنك شراء سلع تبلغ قيمتها أكثر من مائتي ضعف رأس المال الخاص بك , والحفاظ على الربح الكامل لك إذا كنت تدفع الثمن الكامل ! .

5- يمكنك العمل على مدار 24 ساعة في اليوم , ومن أي مكان في العالم والحصول على الربح سواء ارتفعت الأسعار أو انخفضت .

6- العمل في البورصات الدولية بنظام الهامش شرعي وقانوني وهو الأسلوب الشائع في التداول في أسواق الأسهم والعملات .

7- الفوركس ليس معقداً ولا يتطلب ذكاء , ولا يتطلب أن تكون متخصصاً في الاقتصاد أو حتى تعرف القراءة والكتابة .

8- الأمر مشوق ورائع وشاقاً ومتعباً معاً , فتحقيق أرباح ضخمة في وقت قصير ليس أمراً سهلاً ولكنه على أي حال ليس صعباً أومعقداً , يمكنك البدء الآن .

هكذا يتم استخدام كل الحيل للتغرير بالبسطاء بدغدغة مشاعرهم بحلم الثراء السريع الذي يتطلب اليسير من المال , والقليل من العمل , وليس من المتطلبات العلم أوالخبرة , ليدفعوهم دفعاً للخروج من بوابة العمل المنتج , والتحول إلى بوابة الوهم والخسارة وتدمير الاقتصاد .

لقد أصبح من سمات هذا العصر علو شأن الاقتصاد المالي على حساب الاقتصاد الحقيقي المنتج , للدرجة التي حلت فيها صناعة المال محل صناعة السلع وحلت الفائدة محل الربح , وهذه من أكبر الكوارث لأن الاقتصاد المالي وجد في الأصل لخدمة الاقتصاد الحقيقي لإنتاج السلع التي يحتاجها الناس للحفاظ على حياتهم فتحول إلى وسيلة لتدمير الاقتصاد الحقيقي , وأداة ترويع للمجتمع نتيجة لضياع أموال الأفراد المدخرة لتأمين أحوالهم المعيشية .

معنى الفوركس

بعد هذه اللمحة العابرة عن الاقتصاد المالي أوضح معنى فوركس باعتباره أحد تجليات الاقتصاد المالي , فوريكس هي مختصر للمصطلح الانجليزي" foreign exchange market " وتعني المضاربة في البورصة العالمية للعملات الأجنبية .

النشأة والتطور

أدى التدهور الاقتصادي الناجم عن الحرب العالمية الثانية عام 1944 إلى عقد مؤتمر بريتون وودز في الولايات المتحدة الأمريكية بهدف تحقيق الاستقرار للاقتصاد العالمي , وتم تثبيت سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الذهب بـما يساوي 35 دولار للأوقية من الذهب , وتم تثبيت أسعار العملات الأخرى أمام الدولار مع السماح لقيمة العملة أن تتغير بالارتفاع أو الانخفاض بنسبة لا تتجاوز 1% من قيمتها وإذا تجاوزتها يحق للدولة عن طريق البنك المركزي أن تتدخل لإعادة العملة لسعرها المثبت أمام الدولار .

في عهد الرئيس جونسون انهارت الاتفاقية عام 1971 وتحولت العملات من وسيط للتبادل يستخدمه الناس لشراء احتياجاتهم إلى سلعة يتغير سعرها حسب العرض والطلب , وظهرت المضاربة على أسعار العملات للاستفادة من تغير سعر صرف عملة مقابل الأخرى , وكانت قاصرة في بداية الأمر على البنوك ورجال الأعمال الأثرياء ثم تطورت في عام 1996 بظهور وسطاء التجزئة في سوق العملات الذين يشترون بمبالغ ضخمة ويجزؤنها للعملاء , فبدأ دخول الأفراد من كافة أنحاء العالم إلى سوق العملات .

كيفية المتاجرة بالفوريكس

تتم المتاجرة بالفوركس باختيار عملتين كالدولار واليورو مثلاً ويتم شراء عملة مقابل بيع الأخرى بناء على التوقعات بارتفاع وانخفاض أسعار العملتين أمام بعضهما , فإذا توقعت ارتفاع اليورو أمام الدولار فإنك ستبيع الدولار وتشتري اليورو , وإذا توقعت بعد ذلك انخفاض اليورو وارتفاع الدولار فإنك ستبيع اليورو وتشتري الدولار وهكذا في صورة متكررة .

تعتمد تجارة الفوريكس أساسا على مايسمى بالرافعة المالية leverage وسميت بالرافعة لأنها ترفع قيمة الربح في حالة حدوثه لأنها تسمح للمتعامل أن يشتري بأضعاف رأس ماله حتى 400 ضعف دون أن يمتلك قيمة مايشتريه , وذلك من خلال نظام الشراء بالهامش margin المستخدم في بورصة الأسهم فيتم تحرير عقد شراء عملات بالهامش بسداد جزء من قيمتها بينما يسدد الباقي بقرض بفائدة من السمسار مع رهن العملة محل العقد مقابل القرض ويكون الهامش المدفوع هو التأمين النقدي الذي يدفعه العميل ضماناً لتسديد الخسائر التي قد تنتج عن تعامل العميل مع السمسار .

مثال توضيحي :

عميل يمتلك 500 دولار ويريد المتاجرة في العملة فوركس ففتح حساب مع شركة وساطة مالية وفرت له رافعة مالية بمقدار 50 ضعف مما يعني أن قدرته الشرائية أصبحت 25000 دولار وأراد أن يشتري عقد " دولار / استرليني " بقيمة 5000 دولار فإن السمسار سيحجز 100دولار من حساب العميل كهامش محجوز لمقابلة الخسارة ويشتري العقد بقيمة 5000 دولار , ويتبقى في الحساب 400 دولار هامش متاح لفتح صفقات جديدة .

فإذا حدث ربح 50 دولار وأراد العميل انهاء العقد فإن السمسار سيرد للعميل الهامش المحجوز بالإضافة إلى الربح ليصبح رأس مال العميل 550 دولار .

أما إذا خسر العميل 50 دولار وأراد انهاء العقد فإن السمسار سيخصم الخسارة من الهامش المحجوز ويرد الباقي للعميل ليصبح رأس مال العميل 450 دولار.

وفي حال مقاربة خسارة العميل الهامش المتاح 400 دولار فإن السمسار سيغلق العقد بدون الرجوع للعميل وفي الغالب تكون النتيجة خسارة العميل لكل ماله في الفوريكس .

حقائق عن سوق الفوركس

يقول الخبراء أن تجارة العملات الإلكترونية تعد أكبر وأهم تجارة في العالم حالياً بعد تجارة الأسهم , وأن الأزمة المالية العالمية سلطت الأضواء على هذه التجارة الأمر الذي رفع قيمة التداولات من 2,8 تريليون دولار عام 2008 , إلي 3,2 تريليون دولار عام 2009 , ثم إلى 4 تريليون دولار عام 2010 .

نتائج التعامل بالفوركس تؤكد على أن 90% من المتداولين الجدد يتكبدون خسائر فادحة في إستثماراتهم بينما يتمكن 5% من استرداد أموالهم ومثلهم من تحقيق أرباح .

الموقف الفقهي من الفوريكس

الفوريكس قائم على الشراء بالهامش الذي يعني الاقتراض من السمسار بفائدة وهذا التعامل من صميم الربا , ويؤدي إلى تحول الأموال من أثمان إالى سلع معدة للربح وهو مخالف لمقاصد الشريعة في حماية الأثمان من التقلبات , كما أن الفوركس يخرج الأموال من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى المجازفات التي تسبب هزات اقتصادية تضر بالمجتمع.