في بلد لا ينتج إلا الأسماك وجزء من احتياجاته من اللحوم الداجنة والبيض والأغنام والألبان، وبعض الخضروات، فإن الحديث عن الأمن الغذائي يصبح على درجة عالية من الأهمية في وقت تشتد فيه الأزمات وتنقطع خطوط الإمدادات، وقد ترتفع أسعار السلع أو تصبح شحيحة بفعل الكوارث الطبيعية، وانتشار الأوبئة. وتزداد أهمية تحقيق الأمن الغذائي في بلد ينمو بمعدلات مرتفعة بحيث تضاعف عدد سكانه في نحو 5 سنوات، وقد يصل تعداده إلى قرابة 1.9 مليون نسمة وفق تقديرات استراتيجية التنمية الأولى للفترة 2011-2016. الجدير بالذكر أن الاستراتيجية المشار إليها لم تتضمن أية إشارة إلى موضوع الأمن الغذائي، وربما أن الحكومة قد عهدت بهذا الموضوع إلى شركة حصاد كي تستثمر خارج قطر في دول بعيدة مثل استراليا أو قريبة كالسودان من أجل إنتاج ما يحتاجه العباد من مواد تموينية منوعة.
الجدير بالذكر أن الحكومة كانت قد أولت موضوع الأمن الغذائي اهتماماً واسعاً منذ بداية السبعينيات، حيث أنشأت الشركة العربية للدواجن، وأقامت مزارع التجارب الحكومية التابعة آنذاك للمركز الفني للتنمية الصناعية، وبحثت لسنوات في إمكانية زراعة القمح في ظل الظروف المناخية السائدة في قطر، ولكن تلك التجارب لم تسفر عن نتائج ملموسة لارتفاع كلفة الإنتاج وعدم توافر المياه الصالحة للزراعة بكميات كبيرة وعدم توافر الأراضي المناسبة أيضاً. وكان ذلك في وقت لم يتجاوز فيه عدد السكان 300 ألف نسمة. ومع تضاعف عدد السكان عدة مرات لم يعد هناك مجال لتحقيق الأمن الغذائي محلياً ، وأصبح لزاماً البحث عن إمدادات خارجية، فكانت فكرة شركة حصاد، وهي فكرة رائدة، وتستحق الدعم والمساندة.
ويتحقق الأمن الغذائي إذا ما توافرت السلع الأساسية والضرورية لحياة الإنسان بكميات كافية وبأسعار معقولة ولمدد طويلة نسبياً، وبمواصفات عالية الجودة. ومن هنا فإن على شركة حصاد أن تراعي تحقيق هذه العناصر جميعها، لأن توفير الكميات بأسعار عالية-مثلاً- نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج أو النقل أو التخزين أو لسوء الإدارة، أو بمواصفات غير تنافسية، يصبح بدون معنى، وخير عندئذ أن نستورد مباشرة دون أن نرتبط بمشروعات قد تكون خاسرة أو عبئاً على أصحابها وتستلزم دعماً كما هو الحال مع شركات مواشي ومطاحن الدقيق. وأذكر أن السعودية قد اهتمت منذ السبعينيات بمشروعات الأمن الغذائي بما في ذلك إنتاج القمح محلياً، ونجحت في تأمين احتياجات المملكة، وحققت فائضاً لم يكن بالإمكان تصديره إلا بدعم تصدير من الحكومة.
إن الدول التي تبحث في موضوع الأمن الغذائي، غالباً ما تكون دول ذات تعداد سكاني كبير وتستورد كميات كبيرة من سلع استراتيجية كالقمح بالنسبة لمصر، وبما يشكل ضغطاً على الموارد المالية المتاحة من العملة الصعبة. أما في دولة قطر حيث الكميات المطلوبة من أية سلعة غذائية تظل محدودة نسبياً ويمكن تأمينها في ظل وجود احتياطيات مالية كبيرة، وحيث طرق الإمدادات مفتوحة بحراً وبراً وجواً، فإنه لا تبدو هناك مشكلة في هذا الأمر، وربما لهذا السبب أغفلتها استراتيجية التنمية الأولى. على أنه لا يمكننا إغفال الأمر كلية، وربما كان على الحكومة العمل في عدة اتجاهات:
الأول: ضبط التوسع السكاني ما أمكن، لأن أية زيادة غير مسيطر عليها سوف تصيب كل الخطط الموضوعة بالفشل.
الثاني: تحديد السلع المهمة للأمن الغذائي، ودراسة إمكانية إنتاج ما يمكن إنتاجه منها من خلال مشروعات حصاد.
الثالث: عمل مسح جغرافي للدول التي يمكن استيراد تلك السلع منها، مع التنويع جغرافياً ما أمكن، وعمل اتفاقات بين الحكومة القطرية وتلك الدول لتأمين استيرادها وعدم ترك الموضوع كلياً للصفقات التجارية التي يتولاها التجار.
الرابع: بناء المخازن الكافية التي تفي بتخزين الاحتياجات من السلع لفترات لا تقل عن أربعة شهور.
خامساً: تكليف وزارة الأعمال والتجارة بإعداد تقرير متابعة لمجلس الوزراء عن وضع الأمن الغذائي في قطر، يشتمل على قائمة السلع الأساسية والكميات المتاحة منها ومعدلات الاستهلاك الشهري، و تطور الأسعار العالمية لهذه السلع، وما إذا كانت هناك أزمات في الدول المنتجة لها، وما توفره شركة حصاد من هذه السلع، ومقارنة لأسعار الموردين من دول مختلفة.
وبعد، يظل ما ذكرت أعلاه رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله أعلم.