أشعر بالقلق كلما ارتفع سعر أونصة الذهب إلى مستويات قياسية جديدة، وينتابني نفس الشعور إذا ما تجاوز سعر برميل النفط المائة دولار، فمثل هذا الارتفاع الشديد ليس له ما يبرره في زمن يشهد فيه الاقتصاد العالمي تباطؤاً في النمو واعتدالاً في معدلات التضخم، مما يعني أن سبب الارتفاع لأسعار هاتين السلعتين إنما مرده علة في عملة التسعير والتبادل وهي الدولار الأمريكي، وليس في تبلور طلب حقيقي عليهما في أسواق السلع. فالمعروف أن سعر صرف الدولار قد تعرض لضغوط متعاظمة منذ بداية الألفية الثالثة بسبب ضخامة الدين العام المترتب بدوره على تنامي العجز السنوي في الموازنة العامة للولايات المتحدة. وقد قفز الدين العام بعد حرب العراق وأفغانستان، وبعد الأزمة المالية إلى أكثر من 14 تريليون دولار، مقارنة بـ 5 تريليون دولار في بداية الألفية. ومن المتوقع أن يصل الدين إلى 19 تريليون دولار قبل عام 2020.
وقبل أن أستطرد في الحديث عن الأزمة القادمة للدولار أشير إلى أن مبعث قلقي من تدهور سعر صرفه هو ما سيلحق بالريال القطري من تراجع باعتبار أن سعر صرف الريال مرتبط بالدولار عند سعر ثابت منذ عام 1980. وعلى سبيل المثال، فإن تدهوراً في سعر صرف الدولار مقابل الين بنسبة 10% إلى 72 ين سوف يؤدي إلى زيادة أسعار السيارات والسلع اليابانية المصدرة إلى قطر بنفس النسبة. ويحدث الشيء ذاته لو حدث التدهور أمام اليورو، حيث ستزيد تكلفة الواردات من أوروبا. ولكن ما الذي قد يعجل بتدهور سعر صرف الدولار على النحو المذكور؟
إن تنامي الدين العام الأمريكي شهراً بعد آخر ووصوله إلى مستويات مرتفعة نسبة للناتج المحلي الإجمالي يضع قيوداً على قدرة الإدارة الأمريكية على إصدار سندات دين لتغطية ما يصدره البنك المركزي من أموال جديدة في مواجهة المصروفات العامة، فإذا لم يمنح الكونجرس الموافقة المطلوبة قبل بداية السنة المالية الأمريكية الجديدة في الأول من سبتمبر القادم، فإن الإدارة ستجد نفسها مضطرة إلى إصدار النقد المطلوب بدون تغطية، وذلك ما سيعجل بتدهور سعر صرف الدولار أمام جميع العملات الرئيسية. ولكن إذا ظلت ظروف العملات الأخرى كاليورو والين غير مواتية للارتفاع، حيث آثار الزلزال المدمر في اليابان لا تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد الياباني، ومشاكل الديون السيادية لا تزال تؤثر سلباً على سعر صرف اليورو،، وبافتراض أن الدول الأخرى كالصين سوف تقاوم تعويم أو رفع أسعار صرف عملاتها حتى لا تتضرر صادراتها ونموها الاقتصادي، فإن التدهور في سعر صرف الدولار سوف ينسحب مجدداً على أسعار السلع وخاصة الذهب والنفط.
والمتابع لأسعار الذهب سيجد أنها تسجل كل فترة مستويات قياسية جديدة، قبل أن تنخفض في إطار عمليات البيع لجني الأرباح، ثم تعود للارتفاع ثانية، خاصة وأن معدلات الفائدة على الودائع المصرفية منخفضة جداً، وأسعار الأسهم تشهد تراجعاً منذ عدة أسابيع حيث انخفض داو جونز إلى اقل من 12 ألف نقطة، مما يدفع المستثمرين إلى المضاربة على أسعار الذهب بشكل قوي. كما أن المضاربة على أسعار النفط في الأسواق الآجلة ترفع الأسعار إلى مستويات عالية رغم أن ظروف النمو الاقتصادي في العالم لا تشجع على ذلك، وتستفيد الأسعار في ارتفاعها من عامل استثنائي يتمثل في انقطاع إمدادات النفط الليبي ذو النوعية المميزة عن أسواق أوروبا، وصعوبة تعويضه من دول أخرى بسهولة. وإذا ما وجد المستثمرون أن الظروف لا تسمح بارتفاع أسعار اليورو والين وغيرها من العملات أمام الدولار، فإن ذلك سيدفع بأسعار الذهب إلى مستويات قياسية جديدة، قد تصل إلى ما بين 1750-2000 دولار للأونصة، وأن ترفع سعر برميل النفط إلى ما بين 150-200 دولار.
هذا الارتفاع في أسعار هاتين السلعتين إلى مستويات قياسية يعني في واقع الحال تراجعاً في القوة الشرائية للدولار، ومن ارتبط به عملات كالريال، وعملات دول مجلس التعاون الخليجي. وإذا كان الانخفاض في القوة الشرائية هو قدر الدولار، فهل يكون الأمر كذلك بالنسبة للريال؟
وبعد، يظل ما ذكرت أعلاه رأي شخصي يحتمل الصواب والخطأ والله أعلم.
الله يعطيك العافية ..... الوضع العالمي متشابك ومتشعب ويجعل من الصعب قراءة المستقبل بشكل جيد
الوضع العالمي متشابك ولكن هناك أمور يمكن أن تشكل علامات على الطريق، ونحن نحاول أن نقرأ ما يجري حولنا وندرسها كي نقدم للقارئ توقعات ستكون قريبة من الواقع، وعلى سبيل المثال توقعت قبل عامين أن يرتفع سعر أونصة الذهب إلى 1500 دولار للأونصة وهو قد تجاوزها بالفعل. وللزميل الذي أرسل لي بالبريد يسألني عن تأثير ذلك على معدلات التضخم في المملكة أقول له بالطبع سترتفع ألأسعار ما لم تقوم السعودية برفع سعر صرف عملتها أمام الدولار