لا بديل عن الضرائب التصاعدية وحماية المستهلك

11/06/2011 0
احمد سبح

في مواجهة جشع واستغلال واحتكار غالبية المنتجين والتجار في مصر ، والذين يتسببون بجشعهم واستغلالهم في زيادة فقر المصريين والثراء المتزايد ومراكمة الملايين والمليارت على حساب الشعب المصري، فعندنا في مصر الأسعار ترتفع لا بمتوالية حسابية ولا حتى هندسية بل بمتوالية جنونية يغذيها الجشع واستغلال المواطنين ، وترحيل أسباب ارتفاع الاسعار الى ارتفاع الخامات وارتفاع نولون الشحن البحري وارتفاع تكاليف الاستيراد وارتفاع أسعار المنتجين ، وغير ذلك من الحجج التي يسوقها غالبية المنتجين والتجار ، ليوسعوا دائرة اخفاء أطماعهم و ليخفوا بذلك مصادر وعلل استغلالهم للمواطنين .

بل ان أي ارتفاع في أسعار المواد الاولية (ان حدث بالفعل) يتم ترحيله بشكل مضاعف على حساب المستهلك النهائي حيث يتم من خلاله اخفاء أرباح مضاعفة يريد المستثمرون والمنتجون والتجار تحصيلها ومراكمتها على حساب المواطن سواء أكان فقيرآ أو غنيآ ، فالاستغلال طبيعة لا تفرق بين فقير وغني والمسألة نسبية في النهاية في نظر المستغلين والجشعين .

ناهينا أننا نعاني في مصر من انتشار الاحتكار والممارسات الاحتكارية في عديد من الصناعات الاستراتيجية سواء في مجال مواد البناء أو الأسمدة أو المقاولات الكبرى أو غيرها من الصناعات التي تمس حياة المواطنين ، أو بمعنى أصح التي تشوه حياة المواطنين وتهين نفوسهم ، وهو بالطبع ما يتسبب في ارتفاع متوالي للأسعار في مجالات أخرى حتى التي تكون بعيدة عنها .

فالمنتج لسلعة أو مقدم لخدمة ما حين ترتفع الأسعار من حوله في مجالات وسلع وخدمات بعيدة عن مجال عمله ، فانه يلجأ هو أيضى الى رفع أسعار سلعه وخدماته ليستطيع وفق وجهة نظره أن يتعامل مع الارتفاعات السعرية المحيطة به ، وان لم يلجأ فان موردوه قد يلجأون الى ذلك وبالتالي سيجبروه على رفع أسعار سلعه وخدماته ، وبالطبع فان الذي يدفع الثمن في النهاية هو المواطن سواء كما سبق وأشرنا أكان فقيرآ أو غنيآ فغنى المرأ لا يجب أبدآ أن يكون سببآ لسرقته أو استغلاله فلا نجد في أي دين أو نظام أخلاقي ما يدعو الى ذلك .

فارتفاع الأسعار هو أحد أهم آليات ووسائل الافساد في المجتمع ، حيث يؤدي بالتبعية الى شيوع ثقافة الاستغلال والرشاوي والمحسوبية والفساد ناهينا عن مشاعر الحقد والكراهية والحسد في المجتمع ، وبالطبع فان مجتمعى تشيع فيه مثل تلك الثقافات والمشاعر لا يمكن أبدآ أن نتوقع ان يكون يومآ ضمن المجتمعات الناجحة أو المتقدمة ، فكثير من أبناء مثل هذا المجتمع يصبحون بالضروة المنطقية متفرغون للاستغلال والفساد والافساد وتبرير وشرعنة ما يقومون به من تضييع للقيم والمثل والأخلاق الحميدة .

ان شيوع الاحتكار والممارسات الاحتكارية وغياب قدرة الأجهزة الرقابية على ضبط ومتابعة السوق والمواجهة الباترة للمستغلين والمحتكرين والمتورطين في منظومات تهدف الى استغلال المواطنين ورفع الأسعار عليهم ، اما نتيجة لضعف وفشل واهمال القائمين على الأجهزة الرقابية واما لأن كثيرآ منهم ما هم الا محض مرتشون وفاسدون ومشاركون بشكل أو بآخر لهؤلاء المجرمون المتورطين في استغلال المواطنين .

فان هذا الفشل المؤسساتي أيآ كانت أسبابه وانتشار الفساد والاحتكار يضعف بشكل كبير جدآ الجاذبية الاستثمارية لمصر في حسابات المستثمرين والشركات والمؤسسات الكبيرة حول العالم ويجعلها تعزف عن الدخول في أسواق يملؤها الفشل والاستغلال ، وان كنا نجحنا في جذب بعض المؤسسات الاستثمارية العالمية الا أننا فقدنا الأكثرية من الؤسسات التي كانت راغبة في الاستثمار في مصر والتي لا تستطيع أو حتى لا تطمئن (خاصة في مصر بعد الثورة) للتورط في منظومة شيطانية من التحالف مع زمرة من المسؤولين الفاسدين لتمكينها من العمل في السوق وتوفير الحماية لها والمقصود بهذه الحماية هو كل ما يتعلق بتوفير فرص الاحتكار وتيسير الاجراءات وتعسيرها على المنافسين المحتملين .

نحن لا في مسيس بل في حتمية الحاجة الى قوانين جديدة حاكمة ومحكمة وشديد الغلظة باترة لتنظيم عمل الاسواق في مصر في مجالات الضرائب التصاعدية وحماية المستهلك ومكافحة الاحتكار ولا أقول تكريس بل بناء الشفافية الغائبة عن آليات العمل والتنافس في السوق المصري يجب أن يتم تحديد هوامش ربحية مناسبة للمنتجين والتجار تختلف باختلاف نوعيات السلع والمنتجات والخدمات التي يقدمونها .

فمنتجوا وتجار السلع والخدمات الاستراتيجية يتم لهم تحديد هامش ربح أقل من الآخرين وذلك لحياتية واهمية ما يقدمونه من سلع وخدمات تتعلق بالاستهلاك اليومي لكافة فئات الشعب ، ويعوضهم في ذلك الاستهلاك الكثيف وشبه اليومي لهذه السلع كخدمات الاتصالات وصناعات الأغذية ومواد البناء و الأسمدة باعتبارها أهم مدخلات عملية الانتاج الزراعي والتي تنعكس أسعارها على السعر النهائي للمستهللك النهائي ألا وهو المواطن .

وتكون هوامش الربحية في هذه الصناعات في حدود 15% وذلك بعد خصم كافة تكاليف الانتاج بدءً من أسعار الخامات والمدخلات انتهاءً بالأجور وضرائب الأرباح ، وترتفع هوامش الربح في بقية الصناعات والمجالات حسب الدراسات المستفيضة على ألا تزيد عن 40 % ، بينما يتم تحديد هوامش الربح للأسواق التجارية بحوالي 15 – 20 % ، مع وضع نظام خاص ومقنن ويعمل بشكل آلي من المزايا الضرائبية والجمركية للمستثمرين الذين يحددون هوامش ربحية أقل و يقدمون مزايا في الأجور والمرتبات والتأمينات الصحية على الموظفين والعاملين معهم .

أحد رجال أعمالنا الكبار حين سئل هل لو أنه استثمر في أمريكا ولم يعد الى مصر ويستثمر فيها هل كان من الممكن ان يحقق في أمريكا كم الأرباح والمكاسب التي حققها في مصر؟ ، أجاب قطعآ لا (ABSOLUTELY NO) ، وهذه هي الاجابة الحقيقية والمنطقية فمصر تزخر بالامكانات وهوامش الأرباح المهولة ، ولكنها للأسف لا تجد طريقها الا لفئة رجال الاعمال والمستثمرين فيما غالبية الشعب يعاني الأمرين مرارة الفقر والتجاهل والاهمال من ناحية ومرارة رؤية آخرين يثرون ويراكمون الثروات تلو الثروات من ناحية أخرى .

لابديل عن تعديل قانون حماية المستهلك الحالي فيما يتعلق بتغليظ العقوبات على المنتجين والتجار الفاسدين وبائعي السلع الفاسدة والمَعيبة ، مع ايلاء جمعيات حماية المستهلك التابعة لمنظمات المجتمع المدني (والتي تخضع بالتبعية لرقابة ومتابعة جهاز حماية المستهلك منعآ لتعارض المصالح أو استغلال النفوذ دون ان يعيق ذلك من قدرتها على الحركة وكشف المستغلين والمتلاعبين) الامكانية والآلية القانونية لمراقبة الأسواق و متابعة التزام المنتجين والتجار بهوامش الربحية المنصوص عليها وعدم رفع الأسعار بلا ضرورة حقيقية على المواطنين .

مع تقديم المخالفين (ان تكررت مخالفاتهم) الى المحاكمات الجنائية شأنهم شأن المتهربين من الضرائب ، مع التأكيد على ضرورة النص القانوني على كشف أسماء المتورطين في جرائم استغلال المواطنين مهما صغر شأنهم ومهما علا شأنهم أمام الرأي العام على صفحات الجرائد ووسائل الاعلام الأخرى .

مع تقديم مزايا مادية وعينية قيمة وقوية لكافة أجهزة حماية المستهلك الحكومية والمجتمعية منها والعاملين فيها على السواء ، تحدد بنسبة معينة من حجم جرائم الفساد والاستغلال التي يتم الكشف عنها والتي يعج بها السوق المصري للأسف الشديد جدآ .

هذا بالاضافة الى تعديل قانون مكافحة الاحتكار نحو مواجهة فاعلة باترة لقضايا الاحتكار وممارساته التي يفيض بها السوق المصري ، والتي تتسبب في الضغط على جيوب ونفوس المواطنين المصريين ، لصالح قلة من المحتكرين الذين يزدادون ثراءً على حساب الشعب المصري وينعمون بحماية المسؤولين المصريين اما لفساد البعض واما لجهل وفشل البعض الآخر .

بالطبع فان الجذب الاستثماري بل ان اتجاه فئات جديدة من المصريين أنفسهم نحو عالم الاستثمار والأعمال فيما يمكن أن نسميه (التوليد الاستثماري) ، يتأتيا وفي ظل نظام محكم وفاعل من الضرائب التصاعدية من خلال توسيع السوق الاستثمارية وذلك من خلال العمل على رفع الأجور والمرتبات وتحقيق العدالة الاجتماعية الحقيقية ، وليس ذلك النظام الذي يحتكر فيه أصحاب الاعمال مهما صغر حجمها أو تعملق شأنها السواد الأعظم من الأرباح والمكاسب ويلقون الفتات للموظفين والعاملين لديهم ( لا معهم ) ، في أبشع مظاهر الاستغلال ثم الادعاء بعد ذلك انهم يفتحون بيوت العشرات والمئات والآلاف من العمال والموظفين فيما هم فعلآ يفتحونها ولكن اغلبها مفتوح على العوز والحاجة في ظل نظام السخرة الجديد واستغلال بشع لحالة البطالة المتفشية بين قطاعات عريضة من المواطنين .

كما تتأتى الاستثمارات المحلية والخارجية من خلال الانضمام الفعلي والحقيقي لمنظومة متكاملة من الأسواق الاقليمية المشتركة ، ومصر قد حباها الله سبحانه وتعالى بموقع جغرافي وسياسي وثقافي أكثر من رائع ومجيد ، تستطيع من خلاله مصر ان تكون جسرآ ومعبرآ ونقطة التقاء لتجمعات اقتصادية عدة كأفريقية وبحر متوسطية وعربية واسلامية هذا بالاضافة الى علاقتنا الشراكية الجيدة مع تجمع الميركسور لدول أمريكا اللاتينية .

ولا يجب أبدآ أن نهدر مزيدآ من الوقت على انتظار السوق العربية المشتركة واستبدالها فورآ بالسوق الاسلامية المشتركة الأكثر تنظيمآ والأعمق سوقآ ، بعيدآ عن المهاترات العربية وانعدام الارادة السياسية الحقيقية خاصة بعد ثورات الحرية العربية خصوصآ وهو ما سيوجد نوعآ من التعارض في المصالح بين الأنظمة الحديثة والتقليدية في العالم العربي ويعمق من الخلافات والعلاقات العربية البينية المبنية بالأساس على طبيعة العلاقات االشخصية بين الأسر الحاكمة ، والتي تغير أغلبها والأهم تغيرت القيم الحاكمة لها بفعل ثورات الحرية العربية .

وبالتالي فان دولة كمصر تستطيع حكومتها ( ان كانت حكومة ناجحة ومتميزة ) أن تجعلها مهدآ وقائدآ لمجموعات مشتركة من الأسواق الاقليمية وايجاد نوع من التعاون والتفاعل المتبادل بينها جميعآ في اطار العمل على رفع مستويات معيشة الشعوب ومكاافحة الارهاب والهجرة الغير شرعية ، فان دولة تتمتع بهذه المواصفات تستطيع ان تحتل مكانة جد عظيمة في سلم التطور الاقتصادي ورفاهية شعبها ، وهذا هو المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي لا مجرد المزايا الضريبية والجمركية المقدمة والتغاضي عن مسألة الاجور والمرتبات لفئة خاصة من الشعب وعلى حساب بقية الشعب .

مع ضروة الاتجاه الفعلي نحو رفع الحد الأدنى للأجور ، فقيام الحكومة برفعه مؤخرآ الى 700 جنيه مصري ، هو أمر سفيه ومحض هراء فالكل يعلم أن مبلغآ مثل ذلك لا يمكن أبدآ أن يكون مدعاة لحياة كريمة (حتى بعد تطبيق نظائم الضرائب التصاعدية ومكافحة الاحتكار وحماية المستهلك ) ، فلابد من العمل الفعلي وتوفير النفقات والأموال المهدرة في الوزارات والمشاريع الحكومية والمقدرة بالمليارات . أين التحديد الفعلي للحد الأقصى للأجور مع اعادة توزيع المبالغ المهولة التي كانت تتقاضاها أعداد جد محدودة من الموظفين والعاملين والمتعاقدين على بقية الموظفين والعاملين في القطاعات العامة والحكومية المختلفة ، وهو الأمر الذي من شأنه أن يرفع من مستوى الأجور حتى ولو في قطاعات ومجالات معينة كاتحاد الاذاعة والتليفزيون الذي كان يتقاضى فيه مجموعة صغيرة من العاملين والمذيعين رواتب وأجور فلكية فيما البقية من زملائهم متفرجون ، ويمكن القياس على ذلك في بقية كثيرة من قطاعات العمل الحكومي والعام في مصر .

ان الديموقراطية والحرية والعدالة لا يتعلقون فقط بحرية اختيار النواب والمحافظين والرؤساء بل أيضآ بحرية وعدالة الحياة الكريمة لجموع الشعب .

ان مصر الثورة لابد ان تكون طاهرة ، والطهارة لا تتواجد في الفاسدين والمفسدين .

ان مصر الثورة لابد أن تكون عادلة ، والعدالة لا تتقابل مع المستغلين والجشعين .

ان مصر الثورة لابد أن تكون حرة ، والحرية لا يحميها الضعفاء الفقراء ويقتلها المفترون المحتكرون.