دعم شركات الوساطة المالية لمنافسة شياب السوق

04/06/2011 1
د. قصي الخنيزي

نقلت ''الاقتصادية'' يوم الثلاثاء الماضي 31/5/2011 عن الدكتور عبد الرحمن التويجري رئيس هيئة السوق المالية تأكيده على أن الهيئة تسعى إلى مساعدة كثير من شركات الوساطة في المملكة على الاندماج، بالنظر إلى ما يعانيه البعض منهم في أعمالهم. هذا التصريح يؤكد حاجة عدد من شركات الوساطة والبنوك الاستثمارية التي تراجع عددها إلى 91 شركة وساطة بعد أن تجاوزت الـ 100 في فترة سابقة إلى إيجاد حلول لتراجع الدخل واحتدام المنافسة في سوق البنوك الاستثمارية وشركات الوساطة التي تزايدت بشكل سريع منذ بداية الترخيص لها من قبل هيئة السوق المالية بتزامن مع تراجع أحجام التداول وإحجام المستثمرين عن العودة إلى السوق بالزخم الذي رافق فترة الترخيص لشركات الوساطة المالية. فالذي حدث منذ انهيار شباط (فبراير) 2006، وإلى الآن هو تراجع في حجم التداول والطلب على الخدمات المصرفية الاستثمارية بجانب ارتفاع عدد اللاعبين في السوق واحتدام المنافسة؛ مما أدى إلى تآكل رؤوس أموال عدد ليس بالقليل من شركات الوساطة، وخصوصا تلك التي ليست مملوكة من قبل مصارف تجارية تستفيد من مساندتها في تطوير السوق والحصول على الفرص الاستثمارية بجانب القدرة على ضغط التكاليف ورفع مستويات الكفاءة التشغيلية في أوقات تراجع الأنشطة.

هذا الوضع الصعب الذي يمر به عدد كبير من شركات الوساطة له تبعات تشمل جوانب متعددة، منها الدور المستقبلي للمصرفية الاستثمارية في الاقتصاد السعودي، دور المصارف التجارية وسوق الائتمان، وهيكل رأس المال البشري في القطاع المالي. فشركات الوساطة التي باشرت العمل في الأعوام الخمس الفائتة بدأت أعمالها بناءً على دراسات جدوى استشفت مستقبل السوق المالية وحجم الأعمال المرتبطة ومدى تأثيرها أخذا في الاعتبار عوامل مختلفة وسيناريوهات متعددة منها بلا شك سيناريو القاع أو ''أسوأ الأحوال''. حقيقة، يبدو أن التغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي والمحلي جراء الأزمة المالية العالمية التي عصفت بمعظم دول العالم بنسب متفاوتة وكان أول وأكبر ضحاياها النظام المالي العالمي وبالذات نموذج البنوك الاستثمارية التي تقدم الخدمات المصرفية بالجملة Wholesale Banking، وطرق أداء الأعمال في البنوك، عموما لم تكن في الحسبان إبان عمل دراسات الجدوى. وعلى الرغم من أن الأزمة المالية العالمية شكلت مخاطر نظامية على القطاع المالي العالمي بنسب متفاوتة، إلا أن تأثيراتها على الجوانب التنظيمية والتشريعية كحال الإضافات على مقررات بازل 3 وعلى نظرة وقابلية المؤسسات المالية لتحمل المخاطر كان لها الأثر الأكبر في تغيير أسلوب عمل المؤسسات المالية وتسعيرها للخدمات المالية والتمويل ومتطلبات الضمانات، إضافة إلى تراجع شهية المستثمرين للاستثمار في الأوراق المالية، وبالذات مع ارتفاع حساسية شركات التقييم الائتماني التي لا تلام عليها تجاه منح أي تصنيف إيجابي للأوراق المالية في الحالات غير القطعية والتي تتطلب بعض الاجتهاد. هذا المناخ العام المتشائم تجاه الأداء الاقتصادي وارتفاع الحساسية من مخاطر الائتمان والتعثر ألقى بظلاله على الأداء الحقيقي لشركات الوساطة المالية في المملكة والتي بنيت على دراسات جدوى تم عملها قبل توقع أو فهم تبعات انفجار الفقاعة في السوق المحلية، وقبل أن تكبر كرة ثلج الأزمة المالية العالمية.

لذا، شهدت سوق المصرفية الاستثمارية وشركات الوساطة في المملكة منذ بداياتها بعض التحديات الخارجية والداخلية غير المتوقعة والتي بلا شك أدت إلى انحراف توقعات المراقبين والمحللين لدور البنوك الاستثمارية وشركات الوساطة في الاقتصاد السعودي التي كانت متشكلة قبل عدة أعوام. فالذي كان متوقعا حينها ومع فورة السوق المالية وفتح باب الترخيص لشركات الوساطة في التعامل، الإدارة، الترتيب، تقديم المشورة، والحفظ بأن هيكل تمويل شركات القطاع الخاص السعودي سيبدأ في التغير والاتجاه نحو المنتجات التمويلية التي توفرها شركات الوساطة والبنوك الاستثمارية كتحول طبيعي يأخذ في الحسبان تقسيم وتقليل المخاطر من ناحية التمويل وتقليل تكلفة الاقتراض للطرف الآخر. كما كان متوقعا أن تتسارع عمليات الدمج والاستحواذ، وأن تحافظ عمليات الاكتتاب على زخمها نظرا لتنوع الخيارات مع تزايد عدد البنوك الاستثمارية وشركات الوساطة ومنافستها على تقديم نماذج الأعمال الأمثل لشركات القطاع الخاص التي تتطلع للنمو، التوسع، أو التخارج. كما كان من المتوقع أن يؤثر نمو شركات الوساطة والبنوك الاستثمارية في حالة ازدهار السوق على الأركان الأخرى المرتبطة بالسوق المالية كجهات تقييم ومتابعة ورصد وبحث أسواق المال وأسواق الدخل الثابت والتسنيد وشراء المحافظ وغير ذلك، إلا أن الواقع الحالي يقل كثيرا عن التوقعات السابقة على الرغم من ظهور بوادر لانتعاش بعض النشاطات أخيرا.

وقبل الترخيص للبنوك الاستثمارية وشركات الوساطة، كان من المتوقع نظريا أن تؤثر منتجاتها وحلولها التمويلية على مشهد سوق الائتمان، وتبدأ بقضم حصة من التمويل الذي تقوم به البنوك التجارية، وخصوصا لقطاع الشركات والمؤسسات الكبرى وتمويل المشاريع. ومرة أخرى، ما حدث هو العكس! فعلى الرغم من تحوط البنوك التجارية تجاه مخاطر الائتمان في الأعوام الثلاثة الماضية، إلا أنها اعتمدت على القاعدة رقم واحد في التمويل وهي قناعة مدير العلاقة في العميل وتوقع نجاح التمويل الممنوح له بناءً على التحليل المالي المتعارف عليه مع رفع الضمانات المطلوبة، رفع السعر، ومعايير مخاطر الائتمان المتبعة.

أما هيكل رأس المال البشري في القطاع المالي فقد شهد تغييرات كبيرة في الأعوام الخمسة الماضية تركزت وباختزال واختصار شديدين في انتقال عدد ليس بالقليل من الكفاءات السعودية من المصارف التجارية إلى شركات الوساطة والبنوك الاستثمارية بارتفاعات في الأجور تقدر في المتوسط بناءً على حديث سابق لي مع بعض المتخصصين بنحو 40 في المائة، بينما سعت البنوك التجارية حينئذ لسد الثغرة الكمية والنوعية بكفاءات من الخارج وبالذات الهند وباكستان على قدر كبير من الخبرة والكفاءة يمكنهم من تعويض النقص الذي حصل. أما من انتقل من الكفاءات الوطنية إلى شركات الوساطة والبنوك الاستثمارية، فقد اضطروا إلى القبول بتخفيض الرواتب وإلغاء المكافآت نظرا لتراجع نشاط الأعمال، بينما اضطر آخرون إلى البحث عن وظائف أخرى أو سابقة أصبحت مشغولة بغيرهم، وهذه هي قوانين السوق المانحة حينا والقاسية حينا آخر للأسف.

وأخيرا، من الواضح حاليا أن هيكل شركات الوساطة المالية السعودية والبنوك الاستثمارية يأخذ في التحول إلى شكل جديد ستكون محدداته نمو الاقتصاد، نمو السوق المالية، اقتناع القطاع الخاص بمنتجات وحلول هذه الشركات، ومدى الدعم والتشجيع على الاندماج والاستحواذ، حيث إن وقوف شركات الوساطة المالية والبنوك الاستثمارية على أرجلها من مصلحة القطاع المالي السعودي الاستراتيجية ومن مصلحة الاقتصاد الكلي إجمالا. ولكن على البنوك الاستثمارية وشركات الوساطة المالية تبيان القدرة على الإبداع وتحقيق الإنجازات بالأرقام، فمن غير المنطقي مقارنة أداء بنك استثماري ببنك تجاري خلال بضعة سنوات فقط من تواجد البنوك الاستثمارية، فهم - أي البنوك التجارية - مهيمنين في سوق التمويل لخبرتهم الطويلة التي تؤهلهم ليكونوا شياب السوق!