التقنية البنكية والميزة التنافسية

25/07/2009 0
د. قصي الخنيزي

تزخر أدبيات العلوم الإدارية ببحوث تتناول ولاء العملاء والزبائن للمنتجين ومقدمي الخدمات ومدى تأثير خدمة العملاء والزبائن في ربحية القطاع الخاص الهادف للربح. فعلى صعيد إنتاج السلع، تسعى المنشآت بمختلف الأنشطة التي تزاولها إلى الوصول بمخرجات العملية الإنتاجية لأقل سلع مرتجعة أو غير قابلة للبيع من خلال مراقبة الجودة الشاملة.

وبموازاة ذلك، أوضح الباحثان في علوم التسويق رايشهلد وسايسر في بحث ثمين نشر في عدد أيلول (سبتمبر) – تشرين الأول (أكتوبر) عام 1990 في مجلة جامعة هارفارد Harvard Business Review عن أهمية مفهوم الجودة الشاملة للمنشآت التي تقدم الخدمات، كالبنوك وشركات الاتصالات وغيرها من المنشآت الأعمال التي تعتمد على بيع خدماتها للعملاء لكون الجودة الشاملة في تقديم الخدمات مقاسة بتقييم العملاء وتأثيرها على الولاء واستمرار التعامل تعتبر المحدد الرئيس للأداء المستقبلي للمنشآت، وخصوصاً التغيرات المستقبلية في مستوى الربحية.

وعند صياغة استراتيجيات الأعمال، تقوم المنشآت بتقييم مصادر القوة، نقاط الضعف، الفرص، والمخاطر، وقياس مدى تأثير هذه المتغيرات في التكاليف، العملاء والمنافسة. ويعد تأثير استراتيجيات الأعمال في العملاء حجر الزاوية لمنشآت الخدمات، حيث إن تأثر رضا العملاء قد يؤدي إلى انتقال العملاء للمنافسين الذين يحسنون تلبية رغبات العملاء.

وبتناول سوق البنوك السعودية، من الضروري الإشارة إلى أن دخل عمليات التجزئة التي تختص بالعملاء الأفراد تشكل مصدر الدخل الأول مقاساً بالمخاطرة لكبرى البنوك السعودية التي تعتمد على حشد المدخرات وتوظيفها في مختلف القطاعات الاقتصادية والمجالات الاستثمارية خصوصاً منذ بداية الأزمة المالية العالمية. فمهمة البنوك الأساسية حفظ المدخرات والإقراض لقطاعي التجزئة والشركات.

ومع تفاقم تداعيات الأزمة المالية العالمية على مختلف الدول والقطاعات وظهور أزمات متتالية لقطاع الشركات ناجمة عن الشح الائتماني، وتراجع الطلب، وتأثر الاستثمارات سلبياً، بدأت البنوك عالمياً وخليجياً بالعودة إلى المبادئ الأساسية والالتفات إلى قطاع التجزئة أو خدمات الأفراد كشبكة أمان تحمي من التقلبات وتوفر الربحية المطلوبة مع معدلات المخاطرة المنخفضة مقارنة بتمويل قطاع الشركات.

ويتزامن التركيز على قطاع التجزئة في البنوك مع زيادة تنوع الخدمات المقدمة من البنوك السعودية وتوجهها العام نحو التقليل من عملاء الفروع وتوجيههم لإنجاز مختلف العمليات والخدمات البنكية عن طريق الإنترنت والهاتف المصرفي في سعي حثيث لتقليل التكاليف وتحسين مستوى التنافسية من خلال رفع معدلات الكفاءة. بيد أن التركيز على هدف تقليل التكلفة من خلال تقليل عملاء الفروع، وبالتالي تخفيض عدد موظفي خدمات العملاء والصرافين ينضوي على مخاطر جمة قد تؤدي إلى ارتفاع التكاليف حين تتعثر محاولات التطوير وفقدان شريحة كبرى من العملاء وإضراراً بالميزة التنافسية على المديين المتوسط والطويل.

هذا التوجه من البنوك السعودية نحو التركيز على خدمات التجزئة بالاعتماد على التقنية البنكية فتح آفاقا عدة للتنافس وتقديم منتجات تقنية بنكية تستهدف قطاع الشركات أيضاً عن طريق البيع التقاطعي، أي أن المنتجات التي يتم تطويرها والاستفادة منها في أحد القطاعات يتم تعديلها وتطويرها لتكون منتجاً مصرفياً تقنياً جديداً يستهدف شريحة الشركات، وقد يكون كل منهما مكملاً للآخر. فعلى سبيل المثال، نجد اتجاهاً سائداً لدى مختلف الدوائر الحكومية كالجوازات، المرور، مكتب العمل، وغيرها نحو تسهيل تعاملات المواطنين عن طريق فتح منافذ تسديد الرسوم لدى فروع البنوك المحلية، حيث يوفر هذا التوجه لفروع البنوك الظفر باستقطاب عملاء جدد، وتوظيف المتحصلات في عمليات الإقراض البينية Overnight، إضافة إلى استفادة بحوث السوق من عملية تقييم شرائح المتعاملين جغرافياً وتبعاً لنوع الخدمات المطلوبة في مختلف المناطق.

وأخيراً، يبدو أن الاستثمار في منتجات التقنية البنكية والنجاح في عمليات البيع والتطوير التقاطعية سيسهم في رسم خريطة المنافسة بين البنوك السعودية في الأعوام القليلة المقبلة بعد أن يبدأ الاقتصاد العالمي في الانتعاش وتعود الظروف الاقتصادية إلى حالتها الطبيعية مع تراجع حالة الخوف المرضي من ارتفاع المخاطر.