إستراتيجية التنمية الوطنية والحقبة الرابعة في تاريخ قطر الحديث

02/04/2011 0
بشير يوسف الكحلوت

بإطلاق إستراتيجية التنمية الوطنية في الأسبوع الماضي تكون دولة قطر قد دخلت حقبة جديدة في تاريخها المعاصر، يمكن أن نطلق عليها الحقبة الرابعة. فإذا كانت الحقبة الأولى قد امتدت لقرابة عشرين سنة من بدأ تصدير النفط في عام 1950 إلى الاستقلال في عام 1971، وفيها تكونت ملامح الدولة الحديثة من وزارات وهيئات تقدم الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وكهرباء وماء وبلدية، فإن الحقبة الثانية قد امتدت من الاستقلال إلى نهاية عام 1991، وشهدت تعزيز البنية التحتية، وتشييد المناطق الصناعية من أجل تنويع مصادر الدخل. ثم جاءت الحقبة الثالثة من بداية عام 1992 إلى نهاية عام 2010، وشهدت البحث في إستراتيجية الاستغلال الأمثل للنفط والغاز وإطلاق مشروعات استغلال حقل الشمال للغاز، إضافة إلى التوسع في مشاريع البنية التحتية وتحديث كافة مؤسسات الدولة.

أما الحقبة الرابعة فقد بدأت بإطلاق إستراتيجية التنمية الوطنية وستمتد إلى عام 2030، وهي حقبة ستشهد تنفيذ عدد كبير جداً من المبادرات والمشروعات التي تحقق رؤية قطر الوطنية التي تمت صياغتها وإطلاقها في عام 2008. ولقد حددت تلك الرؤية التوجه العريض والعالي المستوى في ما يتعلق بمستقبل قطر، وكان لها في ذلك أربعة ركائز أساسية هي التنمية البشرية للمحافظة على مجتمع مزدهر، والتنمية الاقتصادية للوصول إلى اقتصاد تنافسي ومتنوع قادر على تلبية الاحتياجات وتأمين مستوى معيشي مرتفع للجميع، وتنمية اجتماعية للحفاظ على مجتمع رعاية عادل مستنداً إلى معايير أخلاقية عالية، وتنمية بيئية لضمان الموائمة بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة.

ولكي تتحقق الرؤية الحلم في هذه الحقبة كان لا بد من صياغة سلسلة من استراتيجيات التنمية الوطنية تمتد كل فترة منها لعدد من السنوات، وكان أولها إستراتيجية الفترة 2011-2016 التي تم إطلاقها في الأسبوع الماضي. وتضع الاستراتيجية في صلب اهتماماتها الموازنة بين الخيارات المتاحة، لتحقيق أهداف الرؤية الوطنية وبما يساعد على التغلب على التحديات التي رصدتها الرؤية الوطنية وهي:

• تحقيق التوازن بين احتياجات الجيل الحالي والأجيال القادمة.

• التحكم في النمو الاقتصادي المستهدف وتجنب التوسع غير المنضبط.

• مطابقة حجم العمالة الوافدة ونوعيتها مع مسار التنمية المستهدف.

• المواءمة بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وحماية البيئة.

• التحديث والمحافظة على التقاليد.

وتحدد الاستراتيجية البرامج والأدوات لتحقيق نمو متوازن ومستدام ، وأول ما يمكن ملاحظته في هذا المجال أنه رغم تنامي الإيرادات العامة للدولة وضخامة الفائض المتحقق سنوياً فإن الخطط المعتمدة في الاستراتيجية تسعى إلى عدم تجاوز الزيادة السنوية في عدد السكان طيلة السنوات الست القادمة مستوى 2.1% سنوياً مقارنة بمعدل وسطي 14.8% في السنوات2004-2010 ، وبحيث يصل عدد السكان إلى 1.9 مليون نسمة فقط في عام 2016. الجدير بالذكر أن أرقام الاستراتيجية تشير أيضاً إلى أن الاقتصاد القطري سيشهد نمواً حقيقياً يزيد قليلاً عن 5% سنوياً في الفترة 2012-2016 وأن معظم النمو سيأتي من القطاع غير الهيدروكربوني، نظراً لأن إنتاج النفط الخام ومشتقاته والغاز وسوائله سيظل ثابتاً. ولكي يتم ضبط معدل النمو السكاني عند مستوى 2.1% خلال سنوات تنفيذ الاستراتيجية –رفي ظل معدل مرتفع نسبياً- فإن ذلك يستلزم بالضرورة زيادة استخدام رأس المال، وحدوث تطور في تركيبة المهارات في قوة العمل.

وتشير وثيقة الاستراتيجية إلى أن استثمارات قطر المخططة في البنية التحتية العمرانية والاجتماعية تشكل جزءاً أساسياً من إستراتيجية أوسع نطاقاً لضمان استمرار توسيع قاعدتها الإنتاجية وجذب المزيد من استثمارات القطاع الخاص. وسوف تكون احتياجات قطر من البنية التحتية قد تمت تلبيتها بوجه عام بنهابة عام 2016. كما ستعمل استثمارات قطر في الأصول الأجنبية على تنويع قاعدة الدخل في المستقبل.

وتهتم الاستراتيجية بموضوع التنمية الاجتماعية للسكان بما يخلق سكان أصحاء ومتعلمين، ولقد لفت انتباهي ما ورد في الكتاب الصادر عن استراتيجية التنمية الوطنية من إشارة إلى خطورة الوضع الحالي للتلوث البيئي في قطر، حيث ارتفع نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في السنوات الأخيرة، وبات من أعلى المعدلات في العالم، مما يتطلب التدخل فورا قبل أن يتوقف النمو الاقتصادي وتصبح صحة جميع القطريين في خطر. , ومن ثم فإن تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنمية مستدامة يجب أن يترافق مع اتخاذ تدابير وإجراءات للحفاظ على البيئة وحمايتها.

والإستراتيجية تقع في أكثر من 265 صفحة وتحتاج في شرحها والتعليق عليها إلى وقفات أخرى عديدة لتسليط الضوء على ما ورد فيها باعتبار أن المرحلة القادمة ستشهد الإعلان عن خطة تنفيذ الاستراتيجية لمناقشتها.