الحد الأدنى للأجور .. توازنات العمالة

02/04/2011 2
د. قصي الخنيزي

تم تناول موضوع الحد الأدنى للأجور في المملكة في مقالة السبت الفائت مع التركيز على بعض السيناريوهات المتعلقة بجوانب العرض والطلب في سوق العمل بناءً على تحديد الحد الأدنى للأجور للسعوديين في القطاع العام بثلاثة آلاف ريال، وتحديد إعانة الباحثين عن العمل بألفي ريال. وقد بني التحليل حينذاك على سوق العمل الخاصة بالسعوديين واحتمال تجاوبهم مع هذه التغيرات المؤثرة على التوازن واحتمال وصول سوق العمل إلى توازنات جديدة تعتمد على المفاضلة الرشيدة بين مختلف الخيارات وبما يتماشى مع القرارات التي تم سنها.

وكما ذُكِر في مقالة الأسبوع الماضي بأنه ''وعلى الرغم من عدم تحديد حد أدنى للأجور في القطاع الخاص المحكوم بقوى السوق بطبيعته، إلا أن تحديد حد أدنى للأجور في القطاع العام بجانب إعانة الباحثين عن العمل تشير بصورة مباشرة ومن منظور اقتصادي بحت إلى قرب التوصل إلى حد أدنى للأجور في سوق العمل ككل وفي طليعتها القطاع الخاص''. فنظرا لكون سوق العمل المحلية خليط بين قوى عرض العمل المحلية والوافدة بينما قوى الطلب على العمل هي محلية تسعى لتعظيم العائد الاقتصادي والمالي، فإن عاملا آخر يدخل في التحليل يتعلق بعلاقة عرض العمل لقوى العمل الوافدة في الاقتصاد ومدى تأثيرها على التوازن الكلي في سوق العمل السعودي من ناحية حجم قوة العمل وسعرها التوازني بنظرة اقتصادية بحتة.

فمن نافلة القول، إن معظم قوى العمل الوافدة هي عمالة غير ماهرة تنخفض معدلات أجورها مقارنة بالمعدلات العامة المفترضة للأجور للمهن نفسها في الاقتصاد السعودي. والسبب الرئيس لانخفاض معدلات الأجور للعمالة الوافدة في مهن معينة - لا تتطلب كفاءات أو معايير أو تخصصات نادرة - عن المستوى العام المفترض للأجور هو أن عرض العمل من جانب العمالة الوافدة يقارن بين مستوى الدخل والأجر للمهنة نفسها في بلده الأم؛ لكون فترة العمل في المملكة هي فترة مؤقتة لتحقيق إجمالي دخل وعائد على عرض العمل يتفوق على ما قد يتم تحقيقه في الفترة الزمنية نفسها في البلد التي أتى منها. إذن، فمستوى ''سعر'' أو أجر عرض العمل في السوق السعودية قبل القرارات الأخيرة هو المعدل العالمي لمتوسط أسعار الأجور للعمالة الوافدة في بلدانها وهو متوسط الأجور محليا، وخصوصا في القطاع الخاص في الوظائف التي ينافس عليها السعوديون مع إخوانهم الوافدين؛ لذا، فالمستوى العام للأجور بناءً على متوسط معدل الأجور للعمالة الوافدة هو أقل من مستوى الأجر التحفظي للمواطن السعودي (وهو الحد الأدنى من الأجر الذي يشجع اقتصاديا لأي فرد على الالتحاق بقوة العمل) الذي يتوقع له ومن منطلق اقتصادي أن يدخل إلى سوق العمل بعد أن يتجاوز الأجر المتوقع مستوى الأجر التحفظي. وهذا يشير إلى أن الأجر التحفظي للعمالة الوافدة يقل عن الأجر التحفظي للمواطن في الوقت الذي تغلب توازنات قوى السوق أي شيء آخر وتصل إلى توازن عام للأجور يقل عن الأجر التحفظي للمواطن ويزيد على الأجر التحفظي للعمالة الوافدة بما يؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع مستوى نمو مشاركة قوى العمل الوافدة على نظيرتها المحلية تدريجيا وبشكل لن يتوقف إلا بتدخلات تنظيمية تغير من توازنات السوق بالنسبة لجانبي العرض والطلب من قبل قوى سوق العمل بشطريها المحلي والوافد.

فالجهات التنظيمية لسوق العمل، وخصوصا وزارة العمل، منوط بها ومطلوب منها أن تسهم في الوصول إلى أن يكون الأجر التوازني العام في سوق العمل وفي مختلف القطاعات أعلى من الأجر التحفظي للسعودي الباحث عن العمل وأقل من الأجر التحفظي للوافد الباحث عن العمل أيضا باستخدام أدوات لا تؤثر على تفاعل آليات قوى السوق. ودون أدنى شك، فهذه الغاية تستدعي تضافر جهود كبيرة تتضمن برامج تدريبية وانسجام وتناسق بين مختلف الجهات التعليمية بجانب تفهم القطاع الخاص لضرورات المرحلة. وقد يكون الحل الأمثل هنا من وجهة نظري هو التوسع في برنامج صندوق تنمية الموارد البشرية دون اللجوء إلى أسلوب رفع رسوم الاستقدام وتكاليفها الذي عفى عليه الزمن، خصوصا وأن المطلوب هو تحفيز القوى الإيجابية بالتوظيف المبني على أسس اقتصادية والبعد عن الإجراءات السلبية التي لا تدعم القوى الإيجابية للتوظيف في الوقت ذاته. كما أن على القطاع الخاص أن يتفهم بأن السعودة هي أمر جدي وليس عليه نقاش أو مساومة، وبأن العائد على الوطن من توظيف المواطنين هو أعلى وأسمى من أي عائدات أخرى.

وأخيرا، فإن إخواننا من العمالة الوافدة كلهم، ودون استثناء لأي منهم، هم دعامة للاقتصاد الوطني دون أدنى ريب، ولهم مساهمات لا ينكرها أحد كمكملين ومساهمين في دورة عجلة الاقتصاد الوطني. فوجودهم إخواننا، كمكملين، وليس كبديلين لأبنائنا لن ينتج منه إلا تحفيز للاقتصاد الوطني ولنهضتنا التنموية المستمرة.