صكوك التمويل الإسلامية والحاجة الى اسواق ثانوية

26/03/2011 0
د. محمد الشبشيري

بعد النجاح الذي شهدته الصناعة المصرفية الإسلامية وتقدم خدماتها وأدواتها المالية فى مجال جذب أموال وحشد المدخرات واتساع أفاق التمويل، وتزايد الطلب على خدماتها المصرفية، وتنامي الاهتمام عالميا تجاه ما تحققه الصناعة المصرفية من نمو وماتقوم به من أنشطه ،ولاسيما في ضوء الأزمة المالية العالمية والتي أضافت اهتماما محليا وإقليميا وعالميا بصناعة المصرفية الإسلامية ، وما يتطلبه ذلك من ضرورة ابتكار واستخدام تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية من ناحية وتسهم في الحد من تداعيات الأزمة المالية العالمية علي الاقتصاد المحلي ومما يؤكد على ان المصارف الاسلامية باتت على مشارف الخروج من تداعيات الازمة المالية ما اكدته بعض التقارير الى حدوث زخم إيجابي لسوق الصكوك في شهر فبراير 2011 مع وجود إصدارات بقيمة إجمالية بلغت 5,87 مليار دولار أمريكي خلال الشهر، وهو ما يعتبر ثاني أكبر إصدار شهري خلال أكثر من ثلاث سنوات. وعلى الرغم من هشاشة السوق الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط، فقد تمكنت إصدارات الصكوك من أن تبقى فوق مستوى 5 مليار دولار للشهر السابع على التوالي. وتشير تلك التقارير الى أن حجم إصدارات الصكوك خلال شهر فبراير الماضي بلغ نحو 6 مليارات دولار أمريكي ، تصدرت الجهات السيادية هذه الإصدارات بنسبة بلغت 77 % ، تلتها جهات ذات صلة بالحكومات بنسبة 15 % ، ثم الشركات بنسبة 6 % .

وبالتالي فإن الحاجة أصبحت ملحة جدا لان تعمل هذه المصارف على تطوير سوق ثانوية وتطوير أدوات ووسائل واليات فعالة لجذب المدخرات طويلة الأجل ( سوق تداول ) وبما يمكنها من تمويل مشروعات عملاقة وتحقيق الأهداف التنموية الطموحة .

وتوفر صكوك التمويل الإسلامية المزايا التالية :

أولا: ابتكار أدوات مالية واستثمارية وتداولها بين البنوك، وفى سوق الأوراق المالية من شانه أن يكون له دور كبير في خلق فرص الاستثمار ، وتوجيه المدخرات إلى قنوات الاستثمار المختلفة وهو ما يعد أمرا حيويا لدفع النمو الاقتصادي وتنشيط الاقتصاد، حيث تتعدد أنواع وأجال صكوك التمويل فيمكن إصدار صكوك على حسب القطاع الذي يوجد فيه المشروع حيث يمكن استخدامها لتمويل المشاريع في القطاعات الزراعية ، الصناعية ، العقارية ، وغيرها ، كما يمكن استعمال صكوك االتمويل من قبل البنك المركزي في عمليات السوق المفتوحة شأنها في ذلك شأن سندات الدين.

ثانيا: تقدم الأدوات الاستثمارية المعتمدة على الصكوك والتي يمكن تداولها فى سوق الأوراق المالية بديلاً قريباً للمعاملات المصرفية . فعندما تتنوع الأدوات الاستثمارية في سوق الأوراق المالية وتنتظم قواعد المعاملات به ، تصبح تلك الأدوات أكثر إغراء للمدخرين من ودائع البنوك ، وتصبح مصدراً أفضل لتمويل الاستثمار بالنسبة للمستثمرين.

ثالثا: إن تلك الأدوات ذات أهمية خاصة للبنوك الإسلامية لتحقيق التوافق بين آجال موارد البنوك الإسلامية مع هياكل آجال توظيفات أموالها ، حيث إن قصر آجال موارد البنوك الإسلامية مع طول آجال توظيفاتها قد يؤدى إلى زيادة مخاطر السيولة ولاشك إن زيادة الأدوات المالية المعتمدة على صكوك التمويل الإسلامية وتحسين كفاءة وتوسيع عمق الأسواق المالية .

رابعا: تعد صكوك التمويل الإسلامية إحدى الأدوات الواعدة والبديل الشرعي للسندات والتي يمكن أن تسهم في تطوير عمل المصارف الإسلامية وتساعد في اندماجها فى النظام المالي العالمي من خلال تداول الأوراق المالية الإسلامية فى الأسواق المحلية والدولية .

خامسا: دول الخليج مؤهلة أكثر من غيرها لتطوير وتبني أدوات وصكوك إسلامية في ظل وجود عدد كاف من البائعين والمشترين في السوق ، وقدرة المؤسسات والشركات الاستثمارية للقيام بدور صانع السوق.

سادسا: ان تبنى خطط التنمية الاقتصادية يتطلب ضرورة العمل على التوسع في اصدار الصكوك وخلق سوق ثانوي للتداول بما يسهم في تعظيم وتوطين المدخرات وتوسيع دائرة الاستثمار.

وقد شهدت الساحة المصرفية الدولية والإقليمية توجه العديد من البلدان لاستخدام صكوك التمويل الإسلامية مثل ماليزيا وتركيا والبحرين وقطر والأردن وبعض البلدان الأوربية مثل المملكة المتحدة وألمانيا وغيرها في إطار البحث عن أدوات استثمارية إسلامية لتحل محل الأدوات التقليدية وتكون بمثابة وسيلة لحشد وتعبة المدخرات وتمويل المشروعات وتمويل التنمية بشكل أكثر كفاءة.

وفى هذا الصدد برزت عدة أدوات شرعية تنقل الموارد للدولة وللمؤسسات ، ويمكن تقسيمها إلى خمسة أنواع رئيسية.

1 - تمويل بصيغة المضاربة لمشروع مولد للدخل تقوم به الدولة، وليكن مثلاً طريقاً عاماً يتقاضى رسوماً من مستعمليه.

2 - تمويل بصيغة الإجارة ، حيث تستخدم الدولة لقاء أجر محدد تدفعه ، أصولا ثابتة يملكها آخرون ، وقد تشتريها منهم في نهاية العقد .

3 - تمويل المرابحة أو بيع الأجل من خلال بيع الدولة أصولاً أو سلعاً وتسليمها فوراً مع تأجيل تحصيل الثمن إلى أجل أو آجال يتم الاتفاق عليها.

4 - تقديم التمويل عن طريق دفع ثمن السلعة حالاً مع استلام هذه السلعة في موعد لاحق يتم الاتفاق عليه وهذا ما يعرف ببيع السلم.

5 - تمويل عملية إنشاء المباني والطرق والجسور من خلال الاتفاق مع الممول أو من يمثله على بناء المشروع وتسليمه للدولة عند إنجازه على أن يتم تقسيط الثمن خلال فترة زمنية محددة وهذا ما يعرف بأسلوب الاستصناع .

وبناء على ما تقدم يتضح أن لدينا عدداً من الأدوات التي يمكن استخدامها لتوفير التمويل للميزانية العامة للدولة بأسلوب شرعي وبالتالي يمكن طرح الصكوك التالية:

1 - صكوك المضاربـــة

2 - صكوك الإجــــارة

3 - صكوك الســـلــم

4 - صكوك المرابحـــة

5 - صكوك الاســتصناع

1 - صكوك المضاربة أو المشاركة

إن صكوك المضاربة هي أداة مالية إسلامية تم تطويرها في الواقع العملي حيث أقرها مجمع الفقه الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمريه بتاريخ 30/8 - 2/9 /1987 وبتاريخ 6-11/2/1998 وأصدر قراراً في هذا الشأن يجيز هذا النوع من الأدوات.

وتقوم سندات المقارضة علي تجزئة رأس المال القراض ( المضاربة ) باصدارصكوك ملكية برأس مال المضاربة علي أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصا شائعة فى رأس مال لمضاربة وما يتحول إليه بنسبة ملكية كل منهم فيه .

والمضاربة تعني اتفاقاً يبرم بين طرفين حيث يقدم أحدهما رأس المال للطرف الآخر الذي يقوم بتوظيفه في مشروع متفق عليه على أن يتم تقسيم الأرباح المحققة وفقاً لنسب معينة. أما الخسائر فيتحملها أصحاب رأس المال.

إن صكوك المضاربة أو المشاركة تناسب فقط المشاريع المدرة للدخل أو الإيراد مثل محطات الطاقة الكهربائية والموانئ وغيرها. ويمكن للدولة أن تقوم بشراء نصيب حملة صكوك المضاربة أو المشاركة بالتدريج وفق برنامج محدد وعلى مدى فترة زمنية معينة وهذا ما يعرف بالمشاركة المتناقصة.

2 - صكوك الإجارة:

هي صكوك ذات قيمة متساوية تمثل ملكية أعيان مؤجرة، أو منافع أو خدمات ، وهي قائمة على أساس عقد الإجارة كما عرفته الشريعة الإسلامية.

وتعد الإجارة من أهم أساليب التمويل الإسلامية نظراً لما تتمتع به من مزايا إذا ما قورنت بكل من التمويل التقليدي وأشكال التمويل الإسلامية الأخرى كالمضاربة والمرابحة. وفضلا عن ذلك فهي تمثل أرضية مشتركة بين المؤسسات الإسلامية والمؤسسات التقليدية في التمويل بما يتيح فرصاً أكثر للتعاون بينهما.

والإجارة كأداة تمويلية متفقة مع الشريعة الإسلامية، معرفة في كتب الفقه وفى العديد من الدراسات والفتاوى المعاصرة، ويمكن إصدار صكوك تستند إلى عقد الإجارة المعروف شرعا. وهي أوراق متميزة وفريدة مقارنة بالأسهم والسندات، وغيرها من الأوراق المالية.

ويمكن استعمال صكوك الإجارة والأعيان المؤجرة في تعبئة الموارد اللازمة للتمويل لكثير من المشروعات والنفقات الحكومية، إذ يمكن تمويل الإنشاءات العقارية ، عن طريق إصدار صكوك الأعيان المؤجرة ، كما يمكن استعمال هذه الصكوك في تهيئة الموارد المالية اللازمة لتمويل شراء الآلات ، والمعدات والأجهزة والأثاث ، وما شابه ذلك من أعيان ذات عمر طويل ، إضافة إلى ذلك يمكن الإفادة من صكوك الأعيان المؤجرة ذات العمر القصير في تمويل شراء اللوازم والأجهزة مثل أجهزة الحاسب الآلي ، كما يمكن استخدام صكوك إجارة الخدمات في تمويل المشروعات في قطاعات مهمة ، مثل التعليم ، والصحة ، والهاتف ، والنقل ، ويمكن أيضا اللجوء إلى صكوك إجارة المنافع في تمويل برامج الإسكان والتنمية العقارية.

من الجدير بالذكر أن الموارد المالية المعبأة عن طريق صكوك إجارة المنافع والخدمات، يمكن استعمالها في تمويل جميع أجزاء المشروع سواء كانت أعياناً رأسمالية معمرة، أم أجوراً عمال وموارد استهلاكية، وذلك خلافاً للموارد المعبأة عن طريق صكوك الأعيان المؤجرة، التي لا يمكن استعمالها إلا في تمويل الأعيان المعمرة.

فيمكن، على سبيل المثال، أن يتم تمويل بناء محطة للطاقة الكهربائية وتأجيرها كمباني ومعدات للدولة وهذا يمثل تأجيراً للأعيان الرأسمالية المعمرة. ويمكن وفقاً لترتيبات أخرى، أن يتم تأجير المحطة وهي في حالة التشغيل بما فيها من كوادر بشرية و أنظمة معلومات للدولة، أي أن الدولة تستأجر المحطة في حالة تشغيل وتدفع مقابل ذلك إيجاراً ثابتاً وهذا الإيراد يستخدم في دفع رواتب الموظفين ومصاريف التشغيل والصيانة ويوزع الصافي على الملاك وهم حملة صكوك التأجير.

3 - صكوك السلم

إن بيع السلم هو عقد يتم بمقتضاه دفع قيمة السلعة حالاً مع تأجيل استلام هذه السلعة إلى أجل متفق عليه بين الطرفين.

ويستند السلم إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، وقد صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي لمنظمة الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره التاسع في أبو ظبي بشأن السلم وتطبيقاته المعاصرة.

وبمقتضى هذا العقد تبيع الدولة " سلماً " سلعة محددة الأوصاف تنتجها بحيث يدفع المشتري الثمن للدولة حالاً على أن تقوم الدولة بتسليمه السلعة في أجل لاحق ، وهذا الأسلوب مناسب للدول التي لديها موارد طبيعية تبيعها كالنفط والفوسفات بل وحتى الطاقة الكهربائية.

4 - صكوك المرابحة

تعتبر المرابحة أداة تمويل رئيسية واسعة الانتشار تستخدمها المصارف وشركات التمويل والاستثمار الإسلامية.

ويمكن أن تستخدم صيغة المرابحة لتمويل شراء المواد الخام والآلات والمعدات والسلع المعمرة ، ويمكن تمويل المرابحات في شكل صكوك ذات استحقاقات متتالية ، بحيث تخدم هدف السيولة لدى مشتريها ، وعلى الرغم من عدم إمكانية تداول هذه الصكوك لأنها تدخل عندئذ في مسألة بيع الديون ، إلا ان الجهة المصدرة لها يمكن أن تستردها شريطة ألا يتوسط في العملية طرف ثالث وذلك حسب فتوى مجمع الفقه الإسلامي بقراره رقم 66/2/7 في دورته السابعة في جدة.

ومن ناحية أخرى يمكن استخدام منتج المرابحة وطرح وحداته من خلال صندوق تجاري ، وهو ما قام بطرحه البنك الأهلي التجاري والذي يعد أكبر بنك في المملكة العربية السعودية بالأسلوب التالي : يجمع الصندوق الأموال ببيع وحدات للمستثمرين ، وتمثل كل وحدة حصة من استثمار الصندوق ، وتستخدم موارد الصندوق في صفقات تجارية قائمة على المرابحة بشراء السلع من الموردين وبيعها إلى المشترين على أساس الدفع الأجل ، وتضاف الأرباح الناتجة عن هذا النشاط إلى الصندوق لتزيد قيمة كل وحدة ، ويقدم الصندوق أساساً تمويلاً قصير الأجل ، ويكون الحد الأقصى المسموح به لأي صفقة هو سنة واحدة .

5 - صكوك الاستصناع

يمثل عقد الاستصناع اتفاقاً بين طرفين حيث يقوم الطرف الأول بالتعاقد مع الطرف الثاني لتصنيع منتجات محددة، أو بناء مشاريع عمرانية، أو مد الجسور أو الطرق، أو إنشاء محطات الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، وغيرها، وبحيث يسدد الطرف الأول المبلغ المحدد في العقد فور إنتاج السلع أو إنجاز المشروع، أو في تاريخ لاحق يتم الاتفاق عليه، وعادة ما يقوم الطرف الثاني بالتعاقد من جانبه مع المصانع أو شركات المقاولات المختصة لتنفيذ المشروع حسب المواصفات المحددة من قبل الطرف الأول . وفي حالة الاتفاق على سداد قيمة المشروع في تاريخ لاحق أو على أقساط ، فإن قيمة العقد تكون أعلى بالنظر إلى تأجيل عملية السداد .

ويمكن طرح صكوك استصناع للاكتتاب العام وهي تمثل ديوناً على الدولة وتشبه صكوك المرابحة وبالتالي تنطبق عليها نفس المحاذير المتعلقة بتداول صكوك المرابحة كما ذكر آنفاً .

علاقة صكوك التمويل الإسلامية بالسياسة المالية والنقدية:

تهدف السياسة النقدية التي تنفذها الدولة من خلال بنوكها المركزية إلى المحافظة على مستوى متوازن من السيولة بحيث يتم توفير التدفقات النقدية المطلوبة لتمويل القطاعات الاقتصادية المختلفة، وتنشيط الحركة الاستثمارية بدرجة لا تؤدي إلى زيادة التضخم النقدي من جانب، أو حدوث انكماش اقتصادي من جانب آخر. وكما هو معروف فإن ضخ سيولة بكميات تفوق الطاقة الاستيعابية للاقتصاد المحلي ينتج عنها ارتفاع في المستوى العام للأسعار، كما أن عدم توفير السيولة المطلوبة للنشاط الاقتصادي ينتج عنه تراجع في حجم هذا النشاط وما يتبعه من ظواهر سلبية مثل ارتفاع معدلات البطالة وتراجع حجم الدخل القومي. وتستخدم البنوك المركزية حالياً سعر الفائدة وسعر الخصم وإعادة الخصم كأدوات لضبط مستوى السيولة في الاقتصاد.

ويمثل سعر الفائدة على سندات وأدوات الخزينة إحدى الأدوات الرئيسية التي تساعد البنوك المركزية على إعادة توجيه السيولة لتمويل مشاريع ونفقات الدولة ومعالجة عجز الموازنة العامة، علاوة على المحافظة على عرض مناسب من السيولة النقدية في الاقتصاد.

ويمكن أن تساهم صكوك التمويل الشرعية في تحقيق أهداف الساسة المالية والنقدية حيث أن طرح الصكوك والاستثمار فيها من قبل المؤسسات والأفراد يؤدي إلى سحب السيولة المتوفرة لدى القطاع الخاص وتوجيهها لتمويل احتياجات الدولة وفقاً للأولويات المحددة. وحيث أن هذه الصكوك لا تحمل أسعار فائدة محددة، فإن معدلات العائد على هذه الصكوك تكون بديلاً لأسعار الفائدة في جذب المستثمرين. ويختلف أسلوب تحديد واحتساب العائد باختلاف الصكوك .

ونظراً لأن طرح صكوك بأساليب مختلفة قد لا يتم التعامل معه بالشكل المناسب أو استيعابه من قبل المستثمرين، فإنه يمكن تطوير عملية إصدار صكوك التمويل من خلال إنشاء صندوق استثماري يكون بمثابة الوسيط الذي يجمع المدخرات من القطاع الخاص من خلال طرح وحداته للاكتتاب ثم يقوم بإعادة توجيهها لتمويل الموازنة العامة للدولة باستخدام أدوات التمويل الشرعية.