علم الاقتصاد وتطور الأمم

22/01/2025 0
أ. نجلاء محمد الرشيد

لقد أصبحت مفاهيم الاقتصاد أكثر تداولاً وشيوعاً حيث يحيط بها اعتقادات تترسّخ يوماً بعد يوم في الأذهان، حيث إن المتغيّرات الاقتصادية هي إلى حد كبير أساس التطورات التاريخية للأمم، ومحور مهم في المحاولات المتنوعة لتفسير التقدم العام للمجتمعات. لذا يظهر الشغف الكبير الذي يستحوذ على الإلمام بالمعرفة اللازمة لفهم هذه المعطيات من خلال العديد من العلوم الاجتماعية التي تدرس النشاطات الإنسانية وفي مقدمتها علم الاقتصادK يرى البعض أنه ينبغي النظر إلى علم الاقتصاد على أنه ليس فقط تخصصاً أو مهنة، بل هو طريقة للتفكير وأسلوب عملي لتحقيق الأهداف بكفاءة حيث يفترض بنا كأفراد في هذه المجتمعات أن نفكّر بطريقة رشيدة أياً كانت مسميات مهننا ومشارب حياتنا لأن المشكلة المشتركة بيننا هي بطبيعتها تتمثّل في كيفية المواءمة بين حاجاتنا غير المحدودة وإمكاناتنا المحدودة.

كان الأساس من دراسة هذا العلم هو التعامل مع مشكلة الندرة التي تواجه كل المجتمعات في كيفية الاستخدام الأمثل لمواردها المحدودة لضمان استمراريتها عبر الأجيال واستدامتها. بالإضافة إلى ذلك تمحورت الاستراتيجيات التنبؤية الاستباقية التي تضعها حكومات الدول لتحقيق الاكتفاء الذاتي، أو من ناحية تبادل الموارد منطلقة من المفاهيم والنظريات التي تشكّلت عبر قرون.

فالنظام الاقتصادي الرأسمالي الذي وضعه آدم سميث مروراً بالفكر الشيوعي لكارل ماركس، والممارسات الاشتراكية التي طبقت، وصولاً إلى نماذج الاقتصاد المختلط بمختلف تفرعاته (بما في ذلك الاقتصاد الإسلامي) تجسّدت عملياً في تباين مستويات التدخل الحكومي في القرار الاقتصادي، وكل هذا في سبيل محاولة تقديم حلول مقبولة للمشكلة الاقتصادية.

وبالرغم من ظهور العديد من المدارس الاقتصادية المختلفة في منطلقاتها، وتحيزاتها الفكرية، وانبراء علماء وأساتذة اقتصاد لكل منهم نظرياته التي تعكس اختلاف آرائهم إلا أن الأساس المشترك بينهم يبقى في الغالب هو محورية المشكلة الاقتصادية (مشكلة الندرة). لذا، ينظر دوماً إلى هذه المشكلة على أنها بمثابة قيد يحكم القرارات والسياسات في الدول مع تفاوت الموارد الطبيعة، والبشرية المتاحة لها، وما تحويه أراضيها وسهولة استخراج ما تريده منها، ومدى قدرة هذه الدول على تحقيق ميزة تنافسية لها مقارنة بغيرها، أو من خلال تراكم المعادن النفيسة كما اعتقد التجاريون.

بالإضافة إلى أهمية معرفة المؤشّرات الاقتصادية لتحليل الوضع الاقتصادي، وتقييمه مقارنة بالدول الأخرى مثل بيانات الناتج المحلي الإجمالي، التضخم، البطالة، الإيرادات والمصروفات، والصادرات، والواردات، وغيرها. دراسة هذه المؤشّرات تسهم كثيراً في معرفة نقاط القوة والضعف التي تساعد على تطويرها، وتجنب الدخول في الأزمات الحادة، والدورات الاقتصادية، وذلك باستخدام السياسات الاقتصادية (المالية والنقدية والتجارية) الملائمة.

وإن كانت من طبيعة الدورة الاقتصادية وبالنظر إلى المؤشّرات الخاصة بتكوين الأزمات الاقتصادية فهذا يعني أنه من الضرورة بمكان التصدي مبكراً للمشاكل المنبثقة منها ممثلة بالفقر والبطالة والانكماش والكساد، وعجز بعض الدول عن تسديد ديونها، والحفاظ على مستويات كافية من احتياطاتها النقدية، ورصيدها من الذهب والفضة (وغيرهما) في سبيل التصدي للأزمات.

من ناحية أخرى، يُعد نوع التمويل ومصدره عنصر محوري في الدورة الاقتصادية فهو الذي يمد القطاعات المختلفة ومؤسساته بالأموال اللازمة للقيام بعمليات الاستثمار، وتحقيق التنمية ودفع عجلة النمو الاقتصادي نحو الأمام. قد لا يكون بالضرورة التمويل من أجل الاستثمار، ولكن الاقتصاد يعطي أهمية بالغة لعمليات التمويل المحفزة للطلب الفعّال بمختلف أنواعه. حيث تعد صيغ التمويل متعددة ومتنوعة، ويمكن تطبيقها في مختلف الآجال (قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل)، وذلك بتكيفها مع متطلبات الاقتصاد الحديث.

إن استثمار الأموال بالطريقة الصحيحة من قبل الأفراد والمجتمعات، ودعم القطاع غير الربحي في تحقيق أهدافه يعود بالفائدة من دون شك عليهم من خلال الرفاهية وارتفاع مستوى المعيشة والتقدم والازدهار للأمم. أما فيما يخص بإدارة الموارد والإيرادات فإنه يقع على الحكومات مسؤولية في كيفية القيام بتوزيع الدخل والثروة، وذلك لأن أفراد المجتمع تختلف مستوى قدراتهم مع وجود فئات بحاجة للتدخل لضمان حقوقهم بما في ذلك الأيتام، والمقعدين، والمعوزين، وغيرهم.

باختصار، لقد خلق الله (عز وجل) الإنسان وأوجد معه القدرة الفطرية الطبيعية على التفكير والتدبر في كيفية العمل على تحقيق مصلحته من خلال آلية تبادل المنافع واستغلال الموارد رغم محدوديتها، ولذا وجبت على البشر مسؤولية الاجتهاد بوضع الأطر التي تنظّم وتحقق المصالح الاقتصادية لهم لأن مشكلة الموارد هي مشكلة توزيع كما هي مشكلة إنتاج، كما سبق ذكره.

 

المقالة نشرت في النشرة الفصلية لجمعية الاقتصاد السعودية عدد ديسمبر 2024