دار نقاش بيني وبين بعض أصدقائي على الفيس بوك، كما طلب مني البعض منهم ابن أخي محمد، وكذلك الأستاذ محمد شومان الإفادة حول مدى ضرورة قيام مصر بفرض دفع رسوم السفن المارة في قناة السويس بالجنيه المصري بدلا من الدولار، كما انه قد تم إنشاء مجموعة تحت هذا العنوان على الفيس بوك والمجموعة تجد قبولا من عدد كبير جدا من الذين يشجعون المقترح، وعنوان المجموعة هو:
http://www.facebook.com/profile.php?id=100000181604865#!/Pound.TheCurrency.Of.SuezCanal
بالنسبة لي فإن إجابتي القاطعة على المقترح هي: "ليس من مصلحة مصر أن تفرض سداد رسوم مرور السفن في قناة السويس بالجنيه المصري!"، أعلم أن هذه الإجابة ربما تصدم الكثيرين، ولكن دعوني أوضح بالتفصيل أسباب ذلك.
من الواضح ان المطالبين بفرض استخدام الجنيه المصري كعملة لسداد رسوم المرور في قناة السويس ليس لديهم خلفية اقتصادية جيدة، لأن مثل هذا المقترح يضر بالاقتصاد المصري وبالجنيه المصري، ولا يفيده كما يتوقع البعض!! وعندما اطلعت على الملاحظات التي كتبت من جانب البعض على صفحة المجموعة التي تنادي بالمقترح، أصبت بصدمة شديدة، وقلت في نفسي لا سامح الله النظام السابق ورموزه وفرحت بأن الله سبحانه وتعالى قد خلصنا من هذا النظام الذي كان حريصا على كرسيه أكثر من أي شيء آخر، ومنه بالطبع ثقافة المصريين ووعيهم بالحقائق الخاصة ببلدهم فباتوا جاهلين بمؤشراته الأساسية، والتي منها بالطبع رسوم المرور في قناة السويس. أنظر تعليقات بعض المصريين على الفكرة على الموقع:
http://www.facebook.com/profile.php?id=100000181604865#!/album.php?profile=1&id=186018791437357
انطلاقا من هذه التعليقات أنا متأكد إنك إن سألت مصريا اليوم عن حجم الناتج المحلي الإجمالي في مصر، ومن أين يتكون، وما هو متوسط نصيب الفرد من الناتج في مصر، وما هو دخل قناة السويس سنويا، وماذا يمثل بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي ... الخ، ربما لن تجد إجابة صحيحة عند الكثيرين، على الرغم من أن هذه المعلومات تعد من البديهيات التي يعلمها المقيمين في أي مكان في العالم عن دولهم. الحمد لله اليوم انتهى ذلك العهد البائد، وبقي ان نتطلع اليوم نحو عهد أفضل، نهتم فيه بتعليم الشباب وتسليحهم بأحدث ما توصل إليه العلم، ونحن واثقون من أن هذا الشباب الذي صنع هذه الثورة العظيمة سوف يكمل ثورته بنقل مصر إلى مصاف أوائل دول العالم، كما كانت في العهد القديم.
قبل أن أعود لموضوعي، ربما يكون من المناسب طرح بعض المعلومات عن رسوم المرور في قناة السويس وما تمثله من أهمية في الاقتصاد المصري، حتى يتعرف الشباب عن ماذا يتحدثون. كان من المتوقع ان تصل رسوم المرور في قناة السويس في عام 2010/2011 وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي إلى 5.4 مليار دولارا. هذا المبلغ يمثل 38% من إيرادات السياحة في مصر والتي كان من المتوقع ان يصل إلى 14.2 مليارا في هذا العام (بالطبع لن تتمكن مصر من تحقيق هذا القدر من الإيرادات نتيجة الأحداث الثورية)، ويمثل حوالي 19% فقط من إجمالي صادرات مصر المتوقعة في هذا العام (29 مليار دولارا)، وحوالي 17.5% من إجمالي العجز المقدر في الميزان التجاري المصري في هذه السنة (30.5 مليار دولارا)، و9% فقط من إجمالي واردات مصر من الخارج والمقدرة في هذه السنة بحوالي 59.5 مليار دولارا، وحوالي 2% فقط من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي (إجمالي قيمة السلع والخدمات التي يتم إنتاجها داخل حدود مصر بأسعار السوق) والمتوقع ان يصل في عام 2010/2011 إلى 248 مليار دولارا.
ماذا تعني هذه المؤشرات؟ هذه المؤشرات تعني أن إجمالي دخل مصر من رسوم المرور في قناة السويس ليس بهذا القدر من الأهمية الذي يتخيله البعض، وأن الدور الذي تلعبه إيرادات المرور في قناة السويس كمصدر للناتج، أو كمصدر من مصادر النقد الأجنبي يعد محدودا، بل ربما يصاب البعض بالدهشة إذا علم ان المصريين العاملين في الخارج يحولون إلى مصر سنويا أكثر من إيرادات المرور في قناة السويس (حوالي 8 مليار دولارا في 2010/2011 وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي). بعد هذه المقدمة الضرورية عن دور رسوم المرور في قناة السويس في الاقتصاد المصري، أعود إلى الفكرة الأساسية وهي لماذا لا يجب أن تكون رسوم المرور في قناة السويس بالجنيه المصري.
أولا: تعاني مصر، مثل غيرها من الدول النامية، من فجوة خطيرة تسمى فجوة النقد الأجنبي (حيث تقل مواردنا من العملات الأجنبية عن احتياجاتنا الحقيقية منها)، فنحن نصدر سلعا بحوالي 29 مليار دولار، ونستورد سلعا بحوالي 59.5 مليار دولارا، معنى ذلك أن لدينا عجزا بحوالي 30.5 مليار دولارا، وهو ما نطلق عليه عجز الميزان التجاري المصري، أي أننا نحتاج إلى حوالي 30.5 مليار دولارا لسد هذا العجز، أو بمعنى آخر نحن نحتاج إلى أن يكون لدينا موارد بالدولار تمكننا من دفع هذا العجز. لسداد هذا العجز تستخدم مصر كامل إيراداتها من السياحة 14.2 مليار دولارا، وتستخدم تحويلات المصريين العاملين في الخارج حوالي 8 مليار دولارا، وكذلك تستخدم إيرادات رسوم المرور في قناة السويس 5.4 مليار دولارا. بعد إجراء هذه العمليات يتبقى على مصر عجزا بحوالي 5.5 مليار دولارا وهو ما يطلق عليه عجز الحساب الجاري المصري (الصادرات والواردات من السلع والخدمات)، وهذا العجز تقوم مصر باقتراضه من الخارج، الأمر الذي يزيد من حجم الدين الخارجي على مصر. والآن ماذا يحدث إذا فرضنا رسوم المرور بالجنيه المصري؟ الإجابة هي أن فجوة الحساب الجاري سوف تقفز من 5.5 مليار دولارا إلى حوالي 11 مليار دولارا، وبالتالي فإن الدين الخارجي على مصر بدلا من ان يزداد بـ 5 مليار دولارا في هذه السنة سوف يزداد بـ 11 مليار دولارا.
ثانيا: أن البعض يرى أن فرض رسوم المرور في قناة السويس بالجنيه المصري سوف يرفع الطلب على الجنيه المصري وبالتالي سوف يقل سعر الدولار بالنسبة للجنيه، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق، حيث سيترتب على فرض تحصيل رسوم المرور بالجنيه المصري بدلا من الدولار زيادة فجوة النقد الأجنبي (على النحو السابق الإشارة إليه) نتيجة نقص عرض الدولار، وهو ما يؤدي إلى زيادة الطلب على الدولار (لسد هذه الفجوة)، ومع زيادة الطلب على الدولار سوف تتراجع قيمة الجنيه المصري بالنسبة للدولار، أي أن العكس تماما هو الذي سيحدث. معنى ذك أن الطلب على الجنيه المصري (لسداد قيمة رسوم المرور بالجنيه) سوف يقابله في ذات الوقت عرض للجنيه المصري للطلب على الدولار لتوفير احتياجاتنا منه لسد فجوة النقد الأجنبي، المشكلة الأساسية هي أن عملية التحويل من عملة إلى عملة لها تكلفة، يطلق عليها تكلفة المعاملات Transactions cost، معنى ذلك أننا بهذا القرار سوف نضطر إلى دفع هذه التكلفة لتحويل إيراداتنا بالجنيه المصري إلى دولارات مرة أخرى لسد جانب من فجوة الدولار، أي أننا بهذا القرار سوف نتحمل تكاليف أكثر.
ثالثا: أن نجاح مصر في رفع قيمة عملتها لا يتم بالقرارات الإدارية، وإنما بمعطيات الاقتصاد الحقيقي على ارض الواقع، وبمعنى آخر فإن الاقتصاد هو الذي يعطي القيمة لعملته، وليس القانون أو القرارات الإدارية، وهذه نقطة مهمة جدا، فإذا كان هيكل الاقتصاد ضعيفا، فلن ترتفع قيمة العملة بقرارات الدنيا كلها. أما عندما يكون لدينا جهاز إنتاجي كبير، وصادرات تنتشر في أنحاء الدنيا، وقطاع إنتاجي يقدم خدمات دولية على أعلى مستوى، سوف تنتشر أسواق التعامل في الجنيه المصري عبر أنحاء العالم، وعندها يمكن ان يكون هناك مردود محسوس من مثل هذا القرار.
رابعا: أن قناة السويس تعد ممرا عالميا، بمعنى أن الخدمة التي يتم تقديمها لكافة الناقلات التي تمر به من كافة دول العالم هي خدمة دولية، ومن المعلوم أن السلع الدولية والخدمات الدولية يتم بيعها وتسعيرها بعملة دولية مثل الدولار، والجنيه المصري ليس عملة دولية وغير متوافر خارج مصر بالكميات المناسبة لدفع رسوم المرور، وبالتالي عندما نفرض على شركات النقل البحري في العالم ضرورة أن يتم دفع رسوم المرور بالجنيه المصري، فإننا سوف نحمل هذه الشركات عبئا إضافيا يتمثل في البحث عن هذه العملة وتدبيرها وهو أمر سيكلفها تكاليف إضافية غير رسوم المرور، مقارنة بالوضع عندما يتم دفع رسوم المرور بعملة متاحة ومتوافرة في كافة أنحاء العالم بسهولة مثل الدولار.
خامسا: قد يقول قائل بأنه في حال فرض دفع رسوم المرور بالجنية المصري فإن شركات النقل البحري ستضطر الى شراء الجنيه بالعملات الاجنبية والتي تضاف الى رصيد العملات الاجنبية لدى البنك المركزي المصري، وهو ما يثير نقطة في غاية الاهمية وهي من أين ستتم عملية تدبير الجنيه المصري لشركات النقل البحري؟ ما لم يشترط أن تقدم شركة النقل مستندا يفيد بأنها قامت بتحويل الرسوم من خلال بنك، أو من خلال البنك المركزي، وهو تعقيد لا داع له في الاجراءات لأنه يؤدي الى نفس ما يحدث حاليا من خلال الدفع بالعملة الاجنبية، فإن المقترح سوف يفتح الباب على مصراعيه لعمليات:
- تمويل تجارة المخدرات، حيث سيكون التجار الكبار هم أهم جهات تدبير الجنيه المصري لشركات الشحن البحري، وذلك من خلال شركات وساطة ستنشأ في هذا المجال، حيث سيتم تقديم الجنيه المصري باسعار رخيصة نسبيا، في مقابل التحويل السهل للدولار لهؤلاء التجار، والذين هم في حاجة شديدة له، بينما يتوافر لديهم فائض من الجنيه المصري.
- عمليات غسيل الأموال، حيث ستسهل في ظل هذه الظروف عمليات التخلص من الجنيه المصري من المصادر القذرة، مرة أخرى من خلال الوسطاء المتخصصين في هذا المجال على المستوى الدولي، من خلال شركات النقل البحري والتي ستجد دوافع مرتفعة لديها للدخول في مثل هذه العمليات نظرا لأنها سوف تحصل على الجنيه بأسعار زهيدة.
- تمويل الانشطة الاجرامية الاخرى... الخ.
في كافة هذه الحالات لن يصل الى مجمع النقد الاجنبي لدى البنك المركزي دولارا واحدا، ثم لماذا هذه اللفة وفتح الباب أمام هذه المخاطر، إذا كان من السهل جدا أن تحصل الدولة على العملة الصعبة التي هي في حاجة ماسة اليها وبصورة مباشرة من خلال شركات النقل البحري، وفي ذات الوقت ضمان أن كل دولار سيحسب ضمن رسوم المرور سوف يذهب الى البنك المركزي مباشرة.
وأخيرا: قد يقول البعض لماذا لا نفرض الرسوم بالجنيه المصري، ثم نطلب من شركات النقل ان تدفع المقابل لها بالدولار حسب السعر السائد للجنيه في البنك المركزي. مرة آخرى هذا في غير صالح مصر، لأن القيمة الحقيقية للجنيه المصري على المدى الطويل لها اتجاه واحد، وهو النزول، وهو ما يعني أن حساب الرسوم بالجنيه المصري وطلب الدفع بالدولار بمعدل الصرف الرسمي السائد لدى البنك المركزي سوف يؤدي الى أن الشركات سوف تدفع دولارات اقل في مقابل العبور، أي انه وفقا لهذا المقترح سوف تنخفض ايرادات المرور في قناة السويس -بالدولارا- على المدى الطويل.
الخلاصة: ليس من المنتظر ان يترتب على فرض رسوم المرور في قناة السويس بالجنيه المصري حدوث ارتفاع في قيمته، كما أنه ليس من مصلحة مصر ان يتم الدفع بالجنيه المصري، وإنما الأفضل لمصر أن يتم الدفع بالدولار، لأننا بمثل هذا القرار سوف نستبدل عملة صعبة مثل الدولار بعملة سهلة مثل الجنيه المصري، والدولار عملة تحتاجها مصر لسداد ما تستورده من الخارج من سلع حيوية مثل القمح.
الافكار كتيره بس ازاي هتوفأ بين اصحاب الافكار؟ هونا تكمون المشكلة ومش هتأدر تحلها!!!!!!!!
الافكار كتيره بس ازاي هتوفأ مابين اصحاب الافكار؟ هونا تكمون الموشكلة ومش هاتئدر تطبئ.
حضرتك قرات تعليقات اشخاص غير متخصصين وحكمت علينا بالفشل نطلب مناظرتك مناظرة علمية على صفحات الفيس بوك لكي نرد على كل كلمة كتبتها في هذا المقال ونشكر لك سعة صدرك انا ادمن الصفحة ياريت ترد على الايميل ده suezqanal@yahoo.com واحنا نحب نقول لحضرتك مصر فيها عقول مبدعة مبتكرة ومش هنتراجع عن الفكرة واي مشكلة هنحلها باذن الله بافكار مبدعة وجديدة