ربما لم يكن القرار الصادر عن المركزي والقاضي بالوقف التدريجي لجميع الفروع الإسلامية للبنوك التقليدية بنهاية العام الحالي، مفاجئاً لتلك البنوك، ولكنه كان كذلك بالنسبة للجمهور سواء في ذلك المتعاملين مع تلك الفروع أو بقية الجمهور. الجدير بالذكر أن تجربة الفروع الإسلامية لبنوك تقليدية قد بدأت في عام 2005، وكانت تبدو في حينها استنساخاً لتجارب مماثلة نجحت في دول أخرى مع وجود فارق جوهري وهو أنه في تلك الدول لم يكن بها مصارف إسلامية بحتة فجاءت تلك الفروع لخدمة طلب شريحة من المتعاملين على منتجات الصيرفة الإسلامية. وقد رحبت البنوك التقليدية في قطر في حينه بالفكرة باعتبار أنها ستعمل على استقطاب فئة من العملاء الذين يرفضون أو يتحفظون على التعامل مع النشاط المصرفي التقليدي. وفي المقابل رأى فقهاء البنوك الإسلامية وفي مقدمتهم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور على القرة داغي أن التجربة جديرة بالاهتمام، وأنها قد تكون مدخلاً لتحول البنوك التقليدية بالكامل إلى بنوك إسلامية. أما خبراء المصرف المركزي، فكان ينظرون إلى التجربة الجديدة على أنها قد تساعد على تحفيز البنوك الإسلامية على تطوير أعمالها، وعلى الاجتهاد في إيجاد منتجات جديدة، وأنه قد يكون بالإمكان التفكير مستقبلاً في تحويل الفروع الإسلامية إلى بنوك إسلامية مستقلة إذا ما نجحت في أعمالها.أما البنوك الإسلامية فكانت ترى في نشاط الفروع الإسلامية توسيعاً للمنافسة في عقر دارها.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية دخلت إلى العمل المصرفي الإسلامي فروع لبنوك الوطني والتجاري والدوحة والأهلي والخليجي وقطر الدولي وفرع إتش إس بي سي، وذلك في الوقت الذي التحق فيه الريان بالعمل المصرفي الإسلامي كأكبر مصرف برأسمال مصرح به 7500 مليون ريال، إضافة إلى إنشاء بنك الخليجي كبنك تقليدي، ولحقه بنك بروة الإسلامي في عام 2009. وقد تصادف أن حدثت كل هذه الإضافات في وقت سابق أو متزامن مع تداعيات الأزمة المالية العالمية، فتأثر الجهاز المصرفي القطري بقوة بآثار تلك التداعيات إلى الحد الذي اضطر الحكومة إلى دعم هذا الجهاز في عدة صور أهمها زيادة رؤوس أموال البنوك القطرية -بدون الوطني والريان- بنسبة 20% لصالح جهاز قطر للاستثمار، وشراء محفظتي الأسهم والقروض العقارية لدى تلك البنوك، وهو دعم كبير يقدر في مجموعه بنحو 50 مليار ريال. كما عملت الحكومة على تشجيع عمليات اندماج بين بنك بروة والأولى للتمويل من ناحية وبنك الخليجي مع بنك قطر الدولي من ناحية أخرى.
ويبدو أن التوسع في إنشاء البنوك الجديدة كالريان والخليجي وبروة وإنشاء الفروع الإسلامية السبعة المشار إليها لدى البنوك التقليدية، قد تم في فترة زمنية قصيرة ، فكان بذلك توسعاً بأكبر مما يحتمله الجهاز المصرفي القطري. الجدير بالذكر أن الجهاز المصرفي لم يشهد أية إضافات جديدة في الفترة ما بين 1992 إلى 2005، وكان بالفعل بحاجة إلى بنوك جديدة بعد أن تضاعف الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من عشرة أضعاف. ولكن أن يتم التوسع بالشكل المشار إليه –أي ثلاثة بنوك جديدة وسبعة فروع، إضافة إلى التوسع المعتاد في فروع البنوك القائمة- فإن ذلك بدا توسعاً بأكثر من اللازم في وقت دخل العالم فيه في أزمة مالية حادة. وقد ظهر تأثير ذلك واضحاً في النتائج التي أعلنت عنها البنوك عن عام 2010، والتي لولا خفض عوائد الودائع بشدة لتراجعت أرباحها بشكل ملحوظ.
ومن هنا يمكن القول إن إعادة النظر في وضع الفروع الإسلامية للبنوك التقليدية كان ضرورة اقتضتها مصلحة الاستقرار في الجهاز المصرفي ككل. ومما يدعم هذا التوجه أن هذه الفروع ليس لها رؤوس أموال قوية بل منحٌ من البنوك الأم، وذلك يجعلها غير قادرة على الوفاء بمتطلبات بازل3 التي استوجبت إحداث زيادات مهمة في رؤوس أموال البنوك لتلافي المخاطر الائتمانية.
ويرى البعض سبباً آخر لفصل نشاط الفروع الإسلامية عن البنوك التقليدية، وهو أنه رغم استقلالية تلك الفروع عن بنوكها التقليدية إلا أن من الصعب تفادي انتقال المخاطر الائتمانية من الفرع إلى البنك الأم إذا ما حدثت تلك المخاطر. وبالتالي فإن دوافع إنهاء عمل تلك الفروع هي دوافع رقابية بالدرجة الأولى. ومع ذلك لا يمكن إغفال عامل آخر يتلخص في ضرورة الفصل بين أنشطة البنوك الإسلامية عن البنوك التقليدية، لأن لكل منهما منهجه المستقل والمتعارض في الفكر والتطبيق عن الآخر، ولا يعقل أن يجتمعا معاً تحت سقف واحد أو ميزانية واحدة.
ومن هنا فإن ما توصل إليه المصرف المركزي من قرار بالوقف التدريجي لأعمال الفروع الإسلامية هو قرار له ما يبرره ويساعد في دعم استقرار النظام المصرفي القطري بوجه عام. ومما يسهل من مهمة تنفيذ هذا القرار أنه يُعطي البنوك سنة بأكملها لاستكمال التنفيذ بحيث ستتوقف هذه الفروع عن قبول أية معاملات جديدة سواء لجهة الإيداع أو التمويل، مع عدم التجديد للودائع لفترة تزيد عن نهاية عام 2011. وربما تم بيع محافظ تلك التمويلات إلى بنوك إسلامية أخرى إن استلزم الأمر.
وسيكون من نتيجة تنفيذ القرار أن تزداد الودائع لدى البنوك الإسلامية: المصرف والريان والدولي، وترتفع أرصدة محافظها التمويلية، وأن يتقلص عدد فروع البنوك العاملة في البلاد بما يشبه الأثر الذي يتحقق من الاندماجات، وهو أثر إيجابي.
شكرا أستاذ بشير,,, فعلا قرار لمصلحة الطرفين التقليديه والاسلاميه, وان كانت الاسلاميه فائدتها أكثر,,, وبالنسبه للتقليديه ففائدتها هو التركيز على مجالها الاساسي وترك مجال المصرفيه الاسلاميه, للبنوك الاسلاميه فقط,, لان البنوك الاسلاميه في المقابل لا تستطيع ان تمارس المصرفيه التقليديه, الربويه,,, لذا كل يعمل في مجاله,,, وكل في تخصصه.