النمطية في عرض التراث

30/01/2011 1
سليمان المنديل

كثير من المجتمعات تحرص على توثيق الصلة بين ماضيها وحاضرها، ولذلك حافظت على قرى تراثية دائمة، وقدمت عروضا مصورة أو حيّة، لتسليط الضوء على تاريخها، لمصلحة الجيل الجديد.

نحن، وبالرغم من حرصنا على اجترار الماضي، من خلال استعادة النصوص الصماء، إلا أنه عندما يتعلق الأمر برسم صورة الماضي، من خلال شواهد حسّية، فنحن نعاني من تجاهل كبير لماضينا، ولو تحدثنا عن المعالم المرتبطة بتاريخنا قبل الإسلام (مثل قرية الفاو أو طريق أبرهة إلى مكة)، فهناك من يقول إن في ذلك تمجيد للتاريخ الجاهلي الذي يجب أن يطمس!! والمضحك المبكي، أننا لو التفتنا إلى تاريخنا الإسلامي، والمرتبط بالنبوة، وبدايات الدعوة الإسلامية، وما تلاها من أحداث، وأعني دور دار الأرقم، أو غار حراء، أو موقع معركة بدر، أو جبل أحد، وغيرها، لحُذرنا من الاهتمام بها أيضاً، بحجة أن العوام من المسلمين قد يسيئون فهم ذلك، ويقدسون تلك المواقع، وهو ما قد يقود إلى الشرك.

المحصلة النهائية لكل ذلك، هي أننا أهدرنا فرصة تعليم أجيال من المسلمين، من أبنائنا، وأولئك الذين يأتون إلى المملكة لغرض العمرة، والحج، من ترسيخ فهمهم لما مر به رسولهم الأعظم، وأصحابه، من ظروف صعبة، وفي بيئة قاسية، لكي يحققوا معجزة انتشار الإسلام في بقاع العالم.

هذا ما يتعلق بتاريخ بداية الإسلام، ولكن لو جئنا إلى تاريخنا الحديث، وأعني ما قبل اكتشاف البترول، فنجد أننا قد اختزلنا عرض ذلك التاريخ، في بيت الطين، والمشربيات الخشبية لبيوت الحجاز، وصناعة الفخار في الأحساء، وقبعات الخوص الجنوبية (الطفشات)، وأصبحت هي المعبّر عن ماضينا، وكلها لا تستثير الجيل الجديد، لأنها تقدّم الماضي بصورة نمطية جامدة، ومن ثم لا يتحمس الشباب لتعلم المزيد عن ماضيهم.

أخيرا، أبلغني أحد المستثمرين، وذوي العلاقة بالمدينة المنورة، بأنه قدّم اقتراحا لعمل برنامج بالصوت والصورة، يستعرض فيه معارك الرسول (ص)، حول المدينة المنورة، وهو بانتظار الموافقة، منذ (22) سنة، دون جواب من أحد!!

لم يحدوني إلى كتابة هذا المقال الجانب الاقتصادي للموضوع، وإن كان ذلك الجانب سيوفر دخلا لا بأس به، بحكم نوعية الآثار الموجودة، ومعرفة وجود مثل ذلك الدخل، هو أمر مهم، لأنه كفيل بجذب استثمارات خاصة إلى ذلك النشاط، ومن ثم لا يصبح عبئاً على أحد.

لكل ذلك أتمنى لو نخرج من النمطية الحالية في عرض تراثنا، وأتمنى أن نعيد الاهتمام بآثارنا جميعها قبل الإسلام، وبداية الدعوة المحمدية، ومرحلة ما قبل الطفرة البترولية، وأن يكون ذلك بصورة جاذبة لجيل يتعامل مع الإنترنت، والفضائيات، والبلاك بيري... إلخ، وبدون ذلك سيعزف الجيل الجديد عن حضور تلك المناسبات غير الجاذبة حالياً.