الزيادة الجديدة في رؤوس أموال البنوك .. الحيثيات والتأثيرات المحتملة

15/01/2011 2
بشير يوسف الكحلوت

كان قرار دعوة جهاز الاستثمار لشراء نسبة العشرة بالمائة الثانية من رؤوس أموال البنوك الوطنية- باستثناء البنك الوطني- قرارا مفاجئاً بامتياز، سواء في ذلك لجهة توقيت صدوره أو للظروف التي سبقت الإعلان عنه. وقد ورد في تبرير صدور القرار أنه يأتي لدعم مقدرات البنوك في مواجهة حدثين مهمين أولهما تمويل مشروعات البنية التحتية الضخمة المرتبطة بتنظيم قطر لمونديال 2022، وثانيهما تعزيز ملاءة البنوك بما يساعدها على تلبية متطلبات بازل 3. فلماذا كان القرار مفاجئاً؟، وما هي التأثيرات المحتملة للقرار على  الأوضاع الاقتصادية بوجه عام وعلى أسعار الأسهم في بورصة قطر بوجه خاص؟

لقد كان مبعث المفاجأة في صدور القرار أن كل التقارير الرسمية  والتصريحات الصادرة  عن مصرف قطر المركزي قد أكدت في الشهور الأخيرة أن البنوك القطرية نجحت في  تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية، كما أن النتائج المتوقعة للبنوك للعام 2010 تضع صافي الربح فوق 11.5 مليار ريال، وهو مستوى قياسي جديد ويزيد بنسبة  15%  عن الأرباح القياسية السابقة التي تحققت في عام 2008، ومن ثم فقد لا يكون هناك ثمة مبرر لمثل هذه الزيادة الطارئة في رؤوس أموال البنوك. ويعزز هذا الرأي أن البنوك لم تكن تنقصها السيولة المالية اللازمة للإقراض والتمويل، إذ أن لديها رصيد حر لدى مصرف قطر المركزي بلغ في نهاية نوفمبر الماضي مبلغ 63.5 مليار ريال مقارنة بـما يتراوح ما بين 2-3 مليار ريال فقط في الظروف المعتادة حتى منتصف عام 2007. والأهم من ذلك أن البنوك رغم ما لديها من سيولة فائضة كانت مقلة في إقراض القطاع الخاص بحيث لم ترتفع قروضها وتمويلاتها بأكثر من 5.3 % في فترة الشهور الأحد عشر الأولى من عام  2010.

ومن أسباب الشعور بالمفاجأة أيضاً أن تنفيذ الشق الثاني من الزيادة سيتم دفعة واحدة بنسبة 10% خلال شهر ونصف من الآن، في حين أن تنفيذ الشق الأول منها قد تم على دفعتين في عام 2009 رغم أن ظروف الأزمة المالية العالمية آنذاك بدت أكثر إلحاحاً في طلب تنفيذ الزيادة على دفعة واحدة.

وفيما يتعلق بقرارات بازل 3  التي طالبت بزيادة رؤوس أموال البنوك حتى تستطيع مواجهة الأزمات التي باتت سمة من سمات العصر، فإن العمل بتلك القرارات ليس بالأمر العاجل وإنما هو مؤجل حتى عام 2018، وبالتالي لدى البنوك وقت كافي لتعديل أوضاعها بما يتلائم مع المتطلبات الجديدة. والأكثر من ذلك فإن هذه الزيادة تزيد من مشاركة الحكومة في أنشطة القطاعات الاقتصادية بالدولة وهو ما يبدو  متعارضاً مع الفكر الذي يطالب بمشاركة أكبر للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وبخصخصة القطاعات الإنتاجية-غير النفطية- للحكومة.

على أن هناك في المقابل من يرى أن سياسة الدعم التي تنفذها الحكومة للبنوك الوطنية هي سياسة حصيفة وذات نظرة مستقبلية لتحقيق أهداف وطنية قد تخفى مراميها عن الكثيرين، وأن الدعم الواضح من الحكومة للبنوك في عام 2009 قد حظي بإشادة من صندوق النقد الدولي. ويشير هذا الفريق من المحللين إلى أن معظم الشق الأول من الدعم –سواء في ذلك زيادة رؤوس الأموال، أو شراء محافظ الأسهم والعقارات- لم يتم صرفه نقداً وإنما في صورة سندات حكومية رفعت رصيد البنوك من السندات الحكومية إلى 39 مليار ريال، بعائد وصل إلى 6% تقريباً. وبهذه الطريقة الذكية فإن الحكومة قد عززت روؤس أموال البنوك، وقلصت القروض الصعبة الضاغطة عليها، وقدمت لها توظيفاً جيداً لجزء من أموالها في وقت استعصى فيه التوسع في إقراض وتمويل القطاع الخاص تجنباً لمخاطر الإنزلاق من جديد في  مشاكل الديون المتعثرة. ويرى هذا الفريق أن عائدات البنوك من هذه السندات ومن القروض المقدمة للحكومة والقطاع العام -والتي بلغ رصيدها حتى نوفمبر الماضي نحو 109 مليار- ربما تجاوزت 8 مليار ريال، وهو ما ساعد البنوك على تحقيق نتائج قياسية  في عام 2010.  ويعزز هذا الفريق رأيه بالقول إنه في الولايات المتحدة زعيمة النظام الرأسمالي العالمي، حدث تدخل حكومي واسع النطاق لإنقاذ النظام  المصرفي من تبعات الأزمة العالمية التي عصفت حتى الآن بعشرات إن لم يكن مئات البنوك الأمريكية.

ووفق هذا الفريق من الناس فإن الحكومة ترغب في إتاحة الفرصة للبنوك في المشاركة بفعالية في تمويل مشروعات البنية التحتية الضخمة التي سيتم اعتمادها في الموازنة العامة الجديدة وموازنات السنوات القادمة تباعاً، وهذا الأمر قد يكون من الصعب على البنوك المشاركة فيه والاستفادة المثلى منه بدون دعم رؤوس أموالها، ومثل هذه الزيادة في رؤوس الأموال قد لا يمكن توفرها بالسماح باكتتابات جديدة على نطاق واسع –كما كان يحدث في الفترة 2005-2007، حتى لا تنهار أسعار الأسهم في البورصة. ومن ثم فإن الحل هو في تنفيذ الزيادات المقترحة بمساهمة حكومية يقوم بها جهاز الاستثمار في رؤوس أموال البنوك، ومن خلال توزيعات منح الأسهم التي سيتم إقرارها في الفترة الحالية، إضافة إلى اكتتابات جديدة بنسب محدودة كما فعل البنك الوطني، وغالباً ما ستلحقه بنوك أخرى هذا الأسبوع.

ونعرض في الجزء الثاني من المقال-غداً إن شاء الله- لتأثير هذا القرار على أسعار أسهم البنوك المعنية من ناحية، وعلى أسهم الشركات في البورصة  القطرية بوجه عام. ويظل ما أكتب رأياً شخصياً يستند إلى خبرة طويلة في العمل الاقتصادي في قطر يمتد لقرابة أربعة عقود.