قبل أيام دار نقاش جميل بيني وبين صديقي الغالي إبراهيم المعمر، عن موضوع الجمعيات الخيرية العاملة في المملكة، وتحديداً ما يتعلق بمسألة دخولها في مشاريع استثمارية، حيث تركز نقاشنا في ثلاثة محاور رئيسة، وهي: هل تم سد احتياجات المستفيدين كافة من نشاطات الجمعيات الخيرية في المملكة، أم لم يتم سد احتياجاتهم حتى الآن؟ وما الهدف الذي تسعى جميع الجمعيات الخيرية إلى تحقيقه، كما هو منصوص عليه في أنظمتها (الإنفاق أم الاستثمار)؟ ثم على مَن تقع مسؤولية تحقيق الدخل المنتظم (على المتبرعين أم على الجمعيات الخيرية)؟
في البداية، كنت أعتقد بعدم وجود مشكلة في دخول الجمعيات الخيرية في مشاريع استثمارية، لكن عندما تعمقت في الموضوع اقتنعت بوجهة نظر أخي إبراهيم، ووجدت أن هناك مشكلة ينبغي التنبه لها ومعالجتها حتى نضع الأمور في إطارها الصحيح. فبالنسبة للمحور الأول، فأعتقد أن الجميع يعي تماماً أن الجمعيات الخيرية لم تتمكن حتى الآن من سد احتياجات جميع المستفيدين (والأدلة على ذلك كثيرة ولست هنا لسردها) مما يدل على عدم وجود فوائض مالية لدى الجمعيات يجعلها في وضع تفكر فيه بالدخول في مشاريع استثمارية وإلا فمن المفترض أن تتوقف عن قبول الصدقات وأموال الزكاة (وغيرها من أعمال الخير) لفتح المجال أمام جمعيات أخرى!!
أما بالنسبة للمحور الثاني، فعندما نقرأ في الأهداف التي تسعى الجمعيات الخيرية إلى تحقيقها، كما هو منصوص عليها في أنظمتها، سنجد أن هذه الأهداف تتركز في استقبال الصدقات وأموال الزكاة (وغيرها من أعمال الخير) لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين من خلال المساعدات العينية والنقدية، ما يدل على أن الأهداف معنية بالإنفاق وليس بالاستثمار وهذا طبيعي بحكم طبيعة عملها ذي الطابع الخيري، بل إنني لم أجد في أهداف جميع الجمعيات الخيرية العاملة في المملكة أي ذكر للدخول في مشاريع استثمارية، سواء كانت في النشاط العقاري أم في أسواق الأسهم العامة والخاصة (وهنا لا أود أن أذكركم بما حصل لإحدى الجمعيات الخيرية مع شركة صدق).
وبالنسبة للمحور الثالث والأخير، فقد يقول قائل إن من حق الجمعيات أن تفكر في كيفية تحقيق دخل منتظم لها وهذا صحيح، لكن يجب أن نضع في اعتبارنا أيضاً أن ديننا الإسلامي الحنيف فرض علينا الزكاة بهدف رفع مستوى الإنتاجية وتوظيف الموارد بين أفراد المجتمع، مما يعني أن مسألة تحقيق الدخل المنتظم في حقيقة الأمر تقع على عاتق المتبرعين وليس على عاتق الجمعيات الخيرية، كما أن الدخول في مشاريع استثمارية لا يعني بالضرورة إمكانية تحقيق دخل منتظم (حتى وإن كان في مشاريع عقارية على سبيل المثال) لأن أي استثمار في أي مجال كان، سيكون معرضاً ولو بنسبة بسيطة لتحقيق الخسائر.
يأخ محمد يأتي هنا دور الأوقاف الخيرية التي ريعها يستمر ويدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلامن ثلاث صدقة جارية أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعوله)