تمكنت قطر الأسبوع الماضي من الفوز بشرف تنظيم كأس العالم عام 2022 بعد منافسة شرسة مع دول تفوقها حجما واقتصادا وتأثيرا في السياسة والمتغيرات الدولية كالولايات المتحدة، اليابان، وأستراليا. هذا الفوز الكبير الذي يعتبر فوزا لجميع الدول العربية والدول الخليجية خصوصا، من المتوقع له أن يحقق عوائد اقتصادية واستراتيجية لدولة قطر والدول الخليجية والعربية. وتتنوع العوائد المتوقعة لتشمل النمو الاقتصادي، البنية التحتية، التنمية القطاعية، التنمية السياحية، والفرص المتوقعة لفترة ما بعد المونديال. فجنوب إفريقيا التي استضافت مونديال كأس العالم عام 2010، وتبعا لتقديرات قسم أبحاث الاستثمار بنك ''يو بي إس''، تمكنت من تحقيق نمو اقتصادي حقيقي يصل إلى 2.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق نمو في الوظائف بنحو 2.7 في المائة من خلال إضافة نحو 300 ألف وظيفة في السنوات الأربع التي سبقت المونديال.
وبالنسبة لقطر، فإن الرابح الأول لاستضافة كأس العالم 2022 هو البنية التحتية التي تشمل المنشآت الرياضية، والمنشآت المساندة كالمستشفيات، وخطوط المواصلات، بما فيها القطار أو المترو المتوقع إنشاؤه بجانب الطرق والوحدات السكنية. فالوحدات السكنية من غرف فندقية وشقق سكنية يجب أن تتسع قدرتها لتستوعب الجماهير التي ستتوافد لمتابعة المباريات أو ''السياح الرياضيين''. وبعد المونديال، يجب أن تكون هناك خطط واضحة للاستفادة من البنية التحتية أو فائض القدرة التي سيتم تحقيقها من خلال التخطيط منذ البداية لاستغلال الوحدات السكنية مثلا باستخدامات أخرى. فعلى سبيل المثال، قد يكون بالإمكان استخدام تقنية هندسية ومواد إنشائية معينة لتصميم أبراج سكنية بالإمكان تحويلها وبتكاليف بسيطة إلى أبراج مكتبية أو غرف طلاب أو غير ذلك. هذه إحدى طرق تعظيم العوائد على البنية التحتية التي من المتوقع لها أن تبلغ ذروتها عام 2022.
أما التنمية القطاعية فستشمل تنمية مختلف القطاعات، وإن بدرجات متفاوتة، حيث إن قطاع الإنشاءات ومواد البناء سيكون المستفيد الأكبر بجانب قطاع الخدمات ليس في قطر فقط، بل من المتوقع أن يستفيد منه المقاولون السعوديون ومصانع مواد البناء كمصانع الأسمنت والحديد والزجاج وغيرها. ونمو قطاع الإنشاءات ستطول فوائده القطاعات المماثلة في دول الخليج أكثر من قطاع الخدمات بسبب ارتباطه بالتبادل التجاري ولتفوق المقاولين السعوديين والمطورين الإماراتيين في القيام بالمشاريع الكبرى مقارنة بالقطريين. ومن القطاعات المتوقع لها أن تشهد نموا قطاع المصارف الخليجية عموما وليس القطرية فقط، حيث إن إنشاءات البنية التحتية وتوفير الخدمات والدعم للمونديال في حاجة إلى تمويل رأسمالي أولي ولتمويل رأس المال العامل مما يتيح الفرصة أمام البنوك القطرية والإقليمية لتنويع محفظتها التمويلية من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية وتمويل المشاريع في قطر. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تتجه قطر إلى إصدار صكوك أو سندات في سوق المال بهدف تنويع مصادر التمويل والاستفادة من ميزات إدارة السيولة. كما، إن بعض القطاعات الخدمية الأخرى كقطاع الاتصالات ستتمكن من الحصول على عوائد أعلى نتيجة لتوقعات ارتفاع كثافة الاستهلاك في فترات الاستعداد للمونديال وخلال مباريات كأس العالم.
أما التنمية السياحية التي تستهدف السائح الرياضي بداية فتتعداه لتصل إلى بقية أنواع السياح؛ لأن قطر ستتمكن من الوصول إلى العالم وتسويق قدراتها السياحية ونقاط الجذب لأكثر من ثلاثة مليارات مشاهد متوقع ما قد يشكل فرصة غير مسبوقة للوصول إلى هذا العدد الهائل من المشاهدين. كما إن قطاع الطيران القطري والخليجي كطيران الإمارات سيستفيد من نقل السائحين الرياضيين إلى الدوحة لمتابعة المونديال، وبعد ذلك ترسيخ مكانة قطر والخطوط القطرية كرابط بين الشرق والغرب.
كما إن الدول العربية ستستفيد اقتصاديا من المونديال من خلال توفير الأيدي العاملة التي قد تتجاوز أرقام جنوب إفريقيا، خصوصا مع محدودية عرض العمل من قبل القوى العاملة القطرية، التي سيتم التعويض عنها بالقوى العاملة الخليجية والعربية. أما بعد المونديال، فستبقى البنية التحتية وفوائدها لقطر وسيتم تعظيم الاستفادة من المونديال حين يتم التخطيط منذ الآن لاستغلال البنية التحتية باستخدامات أخرى كإنشاء فروع للجامعات العالمية مع الاستفادة من الوحدات السكنية كوحدات طلابية تساند نمو قطر كمركز إقليمي للتعليم العالي.
وأخيرا، لا شك بأن العوائد الاقتصادية لاستضافة قطر لمونديال كأس العالم 2022 ستطال جميع الدول الخليجية بلا استثناء، ومن المتوقع أن تتفاوت الاستفادة تبعا لتفاوت نشاط القطاع الخاص الخليجي وحرصه على المنافسة في مشاريع الإعداد ومحاولة استقطاب السياح الرياضيين من خلال تمديد إقامتهم في الخليج ببرامج سياحية إقليمية تستغل الميزة النسبية لكل دولة.