إستراتيجية جديدة لإعادة هيكلة القطاع الرياضي، وبنائه على أسس من الاحترافية الشاملة بدأت بإطلاق مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية الذي أعلن عنه سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي، حوكمة القطاع الرياضي، إدارياً ومالياً، من التحديات الكبرى، التي لم تستطع الأندية تجاوزها. الاحتراف الإداري ربما كان مقدماً على الاحتراف الرياضي، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التخصيص، وتطبيق نظام الشركات على الأندية ما يعزِّز من حوكمتها وتنافسيتها واستدامتها المالية، تحويل الأندية إلى شركات، ودخول صندوق الاستثمارات العامة والشركات الكبرى كلاعب رئيس في القطاع الرياضي يعكس أهمية المشروع لتطوير أداء الأندية وتعزيز احترافيتها ومواردها وحوكمتها وتنافسيتها العالمية.
الاستدامة المالية والحوكمة من أهم أهداف المشروع. فالرياضة باتت صناعة مهمة ومؤثرة وتحتاج إلى إنفاق مالي كبير، وإدارة كفؤة قادرة على تطويرها واستثمارها لتحقيق عوائد مالية مجزية، ومكاسب إعلامية وتسويقية. فالرياضة من أهم أدوات القوة الناعمة والتواصل الدولي والشراكات الثقافية والاجتماعية، لذا جاء استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على الأندية الأربعة الكبرى في المملكة، الهلال، النصر، الاتحاد، والأهلي، كمرحلة أولى لإعادة الهيكلة وتعزيز الحوكمة، وتنمية الإيرادات المالية، وبناء قطاع كرة قدم منافس عالمياً، تطوير وبناء وتعزيز تنافسية تلك الأندية والقطاع عموماً هو الأكثر أهمية، وهو هدف القيادة التي تسعى لتبوء القطاع الرياضي السعودي مكانته المستحقة عالمياً. فالصندوق هو الذراع الاستثمارية للحكومة، وهو الأداة التنفيذية لمشروعاتها الاستثمارية والتنموية.
بالإضافة إلى أهداف المشروع التطويرية، والاستثمارية، تبرز أهمية تحقيق متطلبات السياحة الرياضية من خلال تملك الهيئة الملكية للعلا، وهيئة تطوير الدرعية وشركة «نيوم» لثلاثة أندية سعودية، حيث تعتبر العلا، الدرعية، ونيوم من أهم الوجهات السياحية، ما يجعلها أكثر حاجة لتعزيز استثماراتها في القطاع الرياضي للاستفادة منها في الجوانب التسويقية وتسليط الأضواء على الوجهات السياحية والمشروعات الكبرى في المملكة. وتبرز أهمية الاستثمار في المسؤولية والتنمية المجتمعية في استحواذ أرامكو السعودية على نادي القادسية، وما سيترتب على ذلك من استثمارات في البيئة الرياضية، وتطوير النادي، وإنشاء ملعب دولي في المنطقة الشرقية، تنويع مصادر الاقتصاد وتحقيق الريادة، والرفاهية وجودة الحياة يتطلب الكثير من العمل والتطوير في جميع القطاعات، ومنها القطاع الرياضي الأكثر تأثيرا على المجتمع، وهذا ما يسعى لتحقيقه سمو ولي العهد. تنمية الاقتصاد الرياضي، وجعل الدوري السعودي أحد أبرز عشر منافسات كرة القدم في العالم، هو جزء لا يتجزأ من أهداف رؤية 2030 ومشروع القيادة النهضوي.
لم تعد صناعة الرياضة مرتبطة بالمنافسات الرياضية فحسب، بل باتت أكثر ارتباطاً بالاستثمارات المختلفة في البنى التحتية، والتسويق، والسياحة، والإعلام، والتنمية المجتمعية، والعلاقات الدولية، فهي تؤثّر وتتأثر بالقطاعات التنموية، الاقتصادية، والاجتماعية الأخرى، إضافة إلى البيئة التشريعية والحوكمة والجودة المرتبطة بمكونات المنظومة الرياضية، أهمية «مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية»، تجعل متخذ القرار أكثر حرصاً على تهيئة الظروف لإنجاحه وتحقيق أهدافه الوطنية الإستراتيجية، ما يتطلب تطوير البيئة الحاضنة، والمرتبطة به، ومنظومتها التنموية والتشريعية، والإدارية، والفنية. فالإنفاق التوسعي على الأندية وجلب اللاعبين الدوليين ومن ثم خصخصتها وتعزيز الاستثمار فيها يحتاج إلى عمل موازي لتطوير العمل الإداري في المنظومة الرياضية، وتحقيق الجودة والاحترافية، وتطبيق التشريعات الدولية دون تغيير، إلا ما خالف العقيدة والسيادة، وتطوير النقل التلفزيوني من خلال الاعتماد على شركات عالمية متخصصة قادرة على نقل التقنية والمعرفة وتوطينها، والتوسع في بناء الملاعب الدولية الحديثة الداعمة لتطوير رياضة كرة القدم، ولاستضافة المملكة للمناسبات الرياضية الكبرى، والارتقاء بمنظومة الإعلام الرياضي لتواكب أهم مراحل البناء والتطوير وأكثرها ارتباطا بالمواطنين.
مرحلة مهمة من مراحل تطوير القطاع الرياضي أطلقها سمو ولي العهد، تهدف لتحويل الرياضة إلى صناعة مكتملة الأركان، وتعزيز اقتصادياتها وتنمية إيراداتها وتحفيز الاستثمار فيها، وهي مرحلة تحتاج إلى الدعم والمشاركة من المجتمع بجميع شرائحه وتخصصاته، والمجتمع الرياضي، والقائمين على برامجها، وفق رؤية احترافية محايدة، ومحققة لمصالح الوطن العليا.
نقلا عن الجزيرة